أما آن للعسكر أن يستدركوا؟

 


 

 

 


أن كل الثورات الشعبية التى قامت أو أندلعت فى السودان كانت ضد حكم العسكر للبلاد لعدم نجاحهم فى قيادة البلاد وتحقيق الرفاه والعدل والمساواة واتاحة الحريات لشعبهم. بل قادوا البلاد والشعب بكل العسف والتسلط وكبت الحريات وتعذيب كل من قال لهم لا أنكم على خأ، بل وصلوا مرحلة القتل والسحل لمعارضيهم ولكل من كان له رأى حر وشردوهم فى كل بقاع الدنيا هروباً من وطنهم الذى على رأسه العسكر والذين أساموهم سوء العذاب ولذلك كانت ثورة أكتوبر ومن قبلها هبات كثيرة وبعد ذلك كانت ثورة أبريل 1985م ضد حكم الطاغية العسكرى نميرى وما قبلها من هبات فى شعبان وغيرها، ثم كانت ثورة ديسمبر الحالية 2018م ضد نظام الطاغية البشير وهو نظام عسكرى شمولى أيدولوجى حتى النخاع وأسام الناس سوء العذاب بأسم الأسلام والذى هو بري منهم براءة الذيب من دم أبن يعقوب. هذه الثورة السودانية الخاصة والتى أنبهر بها العالم أجمع ووقفت لها كل شعوب العالم تجلة وأحتراماً بل على ضويها قامت ثورات فى العالم الثالث تحمل شعاراتها حرييية سلام وعدالة بل وقد سلكت نفس سلوكها وخطواتها فى أقتلاع الأنظمة الشمولية والفاسدة بمناه غاندى ثورة سلمية ومستمرة على مدى طويل تجاوز الستة شهور تحملاً وصبراً لأنجاحها لأبراز قسمات الشعب السودانى. بل لقد صارت الثورة الجزايرية وحتى الآن تسلك مسالك الثورة السودانية وقع الحافر على الحافر أعجاباً بشعب هو معلم الشعوب فى الثورات ضد الطغاة وخاصة فى علمنا العربى والأسلامى والأفريقى.
فى ثورة ديسمبر الحالية العسكر مشكورين فى أنحيازهم للشعب السودانى تجنباً لسفك الدماء والأنفلات الأمنى لكيلا نلحق بالشعوب التى قامت بثورات وأنفلت فيها الأمر كما فى الصومال وثورات الربيع العربى، ولكن أنحيازهم هذا لا يعطيهم الحق بأن يكونوا شركاء فى أدارة حكم البلاد والعباد لأنهم غير مؤهلين للحكم وقد برهنت كل تجارب حكم العسكر فى السودان وفى العالم أجمع أنها فاشلة وأدت لتخلف شعوبها وأفقارها وعسفها والتسلط عليها لأن عقلية العسكر لا تعرف الرأى وارأى الآخروأنما تعرف الأوامر والتنفيذ الأعمى لها وبهذا الضبط والربط الذى ينفع فى ساحات القتال فأنه لا ينفع فى أدارة حياة الشعوب وحكمها. ولقد دلت التجربة على مر التاريخ أن الحكم الديمقراطى عن طريق خيار الناس هو الأمثل والذى يجعلهم يكيفون حياتهم كما يريدون بالخيار الديمقراطى والرأى الجمعى والغالب. وما وصلت دول العالم المتقدم لما هى عليه هى الآن ألا عن طريق الحكم الديمقراطى وأتاحة الحريات الكاملة بدلاً عن العسف. وهذه الذهنية برغم أنها كانت فى نظام ديمقراطى عندما حكم ديجول فرنسا بخلفيته العسكرية فقد كانت أحياناً كثيرة تنبع فيه حمية التسلط والأوامر وتنفيذها وما كان يمكن كباح جماح نفسه التسلطية التى تغلغت بداخله فى العسكرية لو لا أن النظام الديمقراطى بعد الثورة الفرنية كان رأسخاً برغم أنه تم أختياره رييساً عن طريق أنتخاب شعبه له. ونفس النبراس كان لهتلر وكان منتخباً وطفحت فى نفسه القوة التسلطية العسكرية فأورد ألمانيا موارد الهلاك وبعنصرية بغيضة تتبنى الجنس الآرى.
لذلك أتمنى من الأخوة فى المجلس العسكرى الأنتقالى أن يستدركوا أنهم لم يخلقوا لحكم البلاد والبلاد مهما أدعوا من وطنية أو أنهم من الشعب للشعب فمثل هذا القول قد قاله كل الذين حكموا بلادنا وبلاد العالم الأخرى وأصبحوا ضد شعوبهم من أجل شهوة السلطة وأساموا شعوبهم سوء العذاب. وأن الذريعة التى يتذرعون بها الآن أنهم زاهدين عن السلطة ولكن لن يفرطوا فى أمن البلاد فهذا قول ليس له أساس ومرتكز ويمكن أن يحموا البلاد أمنياً وهم خارج هياكل الدولة التى تدير الحكم ويكفى وزير الدفاع فى الحكومة المدنية فهو الذى يمكن أن يدير الجيش والدفاع عن الوطن. والقوات المسلحة مهمتها حماية الوطن من أى تدخل أجنبى للوطن وليس مهمتهم حماية الأمن بين المواطنين داخل الوطن فهذا من مهمة الشرطة ووزير الداخلية فى الحكومة المدنية بفروع أمنه الداخلية والخارجية وليس من مهمة القوات المسلحة ولا جهاز الأمن الوطنى الذى أساس عمله فى كل دول العالم هو جمع المعلومات وتقديمها للجهات صاحبة القرار وهو ليس بالقوة العسكرية بمفهومها العسكرى. والضباط الذين فى لجنة نظام البشير الأمنية والذين هم على قمة المجلس العسكرى الأنتقالى هم جزء من النظام البايد والحامين له والذين كانوا مؤمنين على سياساته التى أودت بالبلاد لمرحلة الأنهيار الأقتصادى لا يصلحوا أن يكونوا على قمة السلطة أمراً ونهياً. وأذا كانوا فعلاً يعتبروا أنفسهم من صلب هذا الشعب وحادبين على مصلحته أمن يبعدوا بأن يكونوا جزءاً من كل هياكل السلطة التى تحكم وتدير البلاد. وكل العسكر الذين حكموا البلاد لم يجمعوا حولهم الصادقين والعالمين وأنما التف حولهم طلاب السلطة والفاسدين والمفسدين. والقوات المسلحة فى كل نظمها تحرم العمل السياسي والأنتماء للأحزاب ولكن الحادث أن كل الأحزاب العقايدية والأيدولوجية تغلغت فى القوات المسلحة ببنيها المؤدلجين المنتمين اليها وزرعوهم فى القوات المسلحة من أجل الأنقلاب على السلطة لأنهم يعلمون أنهم لن يحكموا البلاد عن طريق الخيار الديمقراطى. فعليهم أن يتخذوا الخطوة الوطنية الشجاعة بالأبتعاد أن أى هيكل من هياكل السلطة التى تحكم البلاد الآن وفى مستقبله بأسم القوات المسلحة التى أنفق عليها الشعب السودانى أن يكونوا حماة له من الأعداء من التدخل العسكرى الأجنبى لا يكون عسفاً على شعبهم وأذاقتهم صنوف العذاب. أتمنى أن يبرز لنا أعضاء للمجلس العسكرى الأنتقالى مثالاً واحداً لحكم على قمته العسكر أو كانوا شركاء فيه قد كان ناجحاً وحقق طموحات وأمانى شعوبهم؟
سيكون مقالنا القادم عن الأخطاء التى أرتكبتها قيادة الثورة السودانية وما أدت اليه من تأزم الوضع وتأخيرها من أن تحقق شعاراتها ان لم تكن قد أدت الى أجهاضها وأعادت للشعب السودانى الأنقاذ الثانية بوجوه جديدة وهذا ما يجب أن تستدركه قيادات قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين للخروج من هذا النفق الذى أدخلت فيه الثورة السودانية وألا تجهض بعد كل هذا الجهد والتضحيات والشهداء. وليعلموا أن الثورر لم تقم فى ديسمبر وانما فى ديسمبر نتيجة لعمل تراكمى على مدى ثلاثين عامأً قدمت فيها تضحيات وشهداء ووصلت الثورة لأنفجارها نتيجة لهذا التراكم ونتيجة للظروف الموضوعية بالأنهيار الأقتصادى فى كل شي وأزديا صعوبه التعايش مع الوضع الذى وصلت له البلاد وهنا المزايدات لا تنفع. والآن الدولة العميقة بدأت تصحو من هزة سقوط نظامها وتجمع فى صفوفها مع تجربة وخبرات متراكمة على مدى ثلاثين عاماً وعساكر المجلس الأنتقالى جزء منها ولذلك لا يجب الأستهانة فى التحاور والأتصال بالمجلس العسكرى فلهم أيضاً من المستشارين أعداء ىالحرية والديمقراطية ومحبى النظم الشمولية الكثير وأنتهى وقت الروح الثورية الغاضية حتى عند الشباب وهذه مرحلة العقلاء اصحاب التجارب والملمين بتجارب العالم والذين يتمتعون بالعمق الفكرى السياسي الوطنى وليس بالعمق السياسي والفكرى الحزبى والأيدولوجى وعلى أخواننا فى قوى اليسار بمختلف مسمياتهم الأبتعاد عن واجهة الثورة لأنهم سيدخلوننا وأدخلونا فى لعبة توم وجيرى أو الكديس والفار فى الفلم الكرتونى المشهور وهذه هى الثنايية التى أضاعت السودان والذين نريد أبعادهم بالثورة بعد ثلاثين عاماً من الحكم لن يرتضوا وسيقاتلون لآخر رمق ضد أعدايهم التقليديين فى اليسار ويبقى الأمر بالنسبة لهم أمر حياة وموت وليس أمر وطن وحكم.

mohamed.z.osman1950@gmail.com

 

آراء