العنوان الكبير لزيادة اسعار الوقود هي انها (ام كبائر المعضلات الاقتصادية الناتجة عن انفصال الجنوب). المشكلة في السودان هي ان المسئولين التنفيذيين يقولون ما لا (ينفذون). لقد قالوا لنا ان انفصال الجنوب غير مؤثر علي الحياة الاقتصادية في السودان وانهم قد وضعوا البدائل وتحسب لكل شيء، كما قالوا لنا ان الذهب وحده سيأتي بايرادات للخزينة العامة لا تقل عن ملياري دولار في العام 2011م وفي رواية اخري ثلاث مليارات وان السودان قد تحول الي (سلة معادن العالم). بشرونا بان حياة الناس ستكون علي ما يرام وان العبء الضريبي لن يمتد ليصل الي المواطن، بل قالوا انهم سيرفعون العبء عن كاهل المواطن وقد تم تخصيص جلسات لمجلس الوزراء وأخري (صاخبة) بالمجلس الوطني بين نواب ووزراء القطاع الاقتصادي. قالوا ان الغذاء علي ما يرام واي نقص فيه سيغطي من الخارج، كما ارجعوا السبب في زيادة اسعار السكر الي (جشع التجار) والمضاربة في الدولار مما استدعي جملة من الاجراءات النقدية المكملة لاجراءات اخري.
لكن ما هي النتيجة النهائية لتداعيات الانفصال الذي باركه السيد رئيس الجمهورية نفسه في زيارة لعاصمة الدولة الجديدة المنفصلة عن الدولة الام؟ وقف الرئيس وخلفه علم (جمهورية جنوب السودان الشعبية) وامامه لافتات تدعو جميعها للانفصال بعبارات مختلفة؟ المحصلة هي مراجعة الموازنة العامة، باعتبار ان الانفصال قد تم وذلك بفرض مزيد من الضرائب والرسوم والغاء اعفاءات ضريبية لفئات محدودة الدخل وتحميل الاسعار بما لا طاقة لها به وحدث جلل هو زيادة اسعار الوقود بجنيهين لكل من برميل البنزين والجازولين. لقد تم تنفيذ تلك الزيادة فورا وفي ليل بهيم ، تم فيه (وكز) الشعب السوداني حتي لا يستغرق في نوم عميق ناسيا شيئا اسمه انفصال الجنوب ببتروله عن الشمال.
بذلك ذهبت ادراج الرياح الوعود بعدم تأثير الانفصال علي الاقتصاد او دعم انتاجية القطاع الخاص الذي يعاني الامرين من ارتفاع تكاليف الانتاج وبالتالي تمت اضافة اعباء ثقيلة علي المنتجين والمستهلكين علي حد سواء. بهذه النتائج فان الاقتصاد السوداني بعد تطبيق الاجراءات المذكورة وما سيتبعها من ما هو لا زال في جعبة الموازنة، يكون قد دخل في متاهة لا مخرج منظور منها وبقي علي السودانيين فقط انتظار المعجزات وقدرهم المحتوم. تطبيق الاجراءات المذكورة اضافة لما هو حادث اليوم من غلاء، كوم من التكاليف، تراجع سعر الجنيه، انعدام تنافسية صادرات قطاعات الانتاج الحقيقي ، انهيار بنيات الزراعة والصناعة، الخلل الهيكلي وسوء التوزيع، معدلات الفساد المالي والاداري ، يعني (كساد عظيم) ودوامة من الفقر والمعاناة وشظف العيش ويعني ايضا اننا قد دخلنا في (السنوات العجاف )، التي كنا قد حذرنا منها سابقا. ستكون النتائج واضحة وضوح الشمس عندما يتحول العبء القانوني الذي حدث بقرار زيادة اسعار الوقود الي عبء اقتصادي من خلال جميع المعاملات الاقتصادية و (المويه تكضب الغطاس) المضحك المبكي هو ان نواب المجلس الوطني الذين هم في نفس الوقت نواب المؤتمر الوطني (الا قليلا) ، وبعد الصخب الذي اثاروه حول غلاء الاسعار، قد اجازوا زيادة اسعار الوقود بكل بهجة وحبور عبروا عنها بالتصفيق. لما لا؟ وما هو المانع (ما دام نهر جاري جاي م الصعيد...)؟، ربما مع تلك الزيادة ، زادت المخصصات ايضا، الله اعلم ، وزيادة الخير خيرين، الم يقولوا ان انفصال الجنوب كله خير؟
اذا اضفنا كل ما يجري الي طبيعة قنوات الانفاق، الديون المتراكمة علي البلاد ونزر الحروب والنزاعات وتبعات تغيرات المناخ، فيمكن القول ان الكارثة قد اكملت حلقاتها علي الاقتصاد السوداني وربما سنذهب قريبا الي الاقتصاد المعيشي ونقنع تماما من اي امل في شيء اسمه (الدولة). يعني ذلك التداوي بالاعشاب وتعليم الابناء بالمنازل والاستحمام وتنظيف الملابس بطين (البحر)، وانتعاش سوق الحمير بدلا عن سوق المواسير، انا لله وانا اليه راجعون.
المستشفيات الخاصة وانفراط النظام
ان المرء ليعجب في هذه البلاد التي لا يدعو فيها شيء للعجب والدهشة من سوء النظام الاداري والطبي ومستوي الانضباط والتأهيل في كثير من المستشفيات الخاصة، لا خير في قديمها ولا جديدها، الذي يعلن صراحة ان هدفه تحقيق الارباح او من يدعي ان هدفه توطين العلاج بالداخل، لا فرق في ذلك غض النظر عن المباني والوانها او الغرف وتجهيزاتها. بطء في الاجراءات وزحمة علي العيادات واخطاء في التشخيص تصحبه وصفات مغلوطة لعقاقير تضر اكثر مما تصلح وفوق ذلك بقر بطون الناس واتلاف اعضائهم بلا طائل، كما حدث لحالب قريبة لنا تم اتلافه مما ادخلها في معاناة مستدامة لم يجدي معها حتي الان العلاج في الداخل ولا الخارج، اضافة لاصابة العديد من المرضي بامراض معدية منقولة من المستشفيات نتيجة لعملية ما او حتي اجراء (قسطرة). من سوء النظام حتي الأطباء والكوادر الطبية المخلصة وعالية التأهيل أصبحت في حيرة من أمرها وفي وضع اقرب إلي اليأس.
هذه واحدة من نتائج خصخصة العلاج التي لم تحقق اي من اهداف الخصخصة المعلومة في الادب الاقتصادي. لا رفع في الكفاء ، لا تقليل لأعباء او تكاليف مالية ، لا جودة في الخدمات، لا اقتصاد للزمن وفوق كل ذلك اسعار مهولة لمقابلة الاخصائيين، في اجراء الفحوصات والتحاليل، في تكاليف التنويم والعمليات وفي اسعار الدواء. حتي ان معظم تلك المستشفيات لا تحترم مرضاها ولا تقيم لهم وزنا ولا تصغي لشكواهم او تزمرهم من ضياع حقوقهم المدفوعة الاجر مقدما، انه حكم القوي علي الضعيف وهي نتيجة منطقية لغياب ولاية الدولة عن الخدمات الصحية وغياب النظام الطبي الواضح المنظم لهذا الامر الحيوي الذي يعني التفريط فيه ضياع ارواح الناس. الي متي يستمر هذا الوضع يا وزارة الصحة ومتي سنلحق بركب العالم من حولنا الذي سبقنا ببرازخ بعد ان كنا متقدمين عليه دهورا؟ متي ينقطع انتقاد الناس في مجالسهم العامة والخاصة للخدمات الطبية في البلاد كلما جاءت سيرة مستشفياتنا؟ متي تتوقف نغمة مدح المستشفيات الاجنبية ومقولة ان (ارخص حاجة في السودان هي الانسان)؟ هذا كله كوم ومشكلة تردي الخدمات الصحية (ادارة وعلاجا)، في الكثير من المستشفيات الخاصة كوم اخر. الا يستحق هذا الشعب شيئا افضل حتي عندما يدفع (دم قلبه)؟ اذا لم يتم تدارك هذا الأمر فستجذب المستشفيات الرديئة ما تبقي من أخري لا زالت تقدم خدماتها بشكل مقبول علي الأقل بالمعايير السودانية.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]