أهالي الفاشر… قتلكم من نقض العهد وتخلى عن الحياد

 


 

 

بقلم: إبراهيم سليمان
بكل تأكيد لم يكن أهالي مدينة الفاشر ليأبهوا كثيرا، بمغادرة فصائل من مكونات القوة الأمنية المشتركة من حركات الكفاح المسلح الدارفورية، وضع الحياد في حرب 15 أبريل، معلنين انحيازهم للجيش السوداني، لولا ادعائهم أنهم، اتخذوا تلك الخطوة من أجل الذود عن حياض المدينة، والتصدي من أجل توفير الأمن لأهلها. ومما شك فيه، أن فاشر السلطان، مندهشة ومستغربة، كيف لحركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، حركة العدل والمساواة السودانية بقيادة وزير المالية د.جبريل إبراهيم، بالإضافة إلى فصيل المدعو مصطفى تمبور، أن تكون مهتمة بأمن واستقرار المدينة، وبالأمس القريب كانت هذه الحركات جزءاً من مشهد الترويع، أو عدم المبالاة بما يجري في الإقليم؟
يشهد التاريخ، أن حركات الكفاح المسلح الدارفورية بدون استثناء، لم تتدخل في معركة من المعارك، للدفاع عن منطقة أو لرفع النيران عن أهالي مغدور بهم من الجيش الحكومي أو مليشياتها المتحالفة معها، وإنما تضرب وتهرب، وقد فعلت ذلك في بدايات الثورة المسلحة، بذات المدينة التي يدعون أنهم يدافعون، عنها، هاجموا مطار الفاشر، وأحرقوا الطائرات الجاثمة، وروعوا المواطنين، ثم لاذوا بالفرار، وقد صدقنا شعاراتهم المعلنة في حينه، وساندناهم على مبدأ التحرير من القبضة المركزية، لكنهم خذلونا ابشع خذلان. فإذا بهم الآن يدافعون عن استمرار البشاعة المركزية، بذات الشخوص القتلة الفاسدين!
وعندما كان يتخطف الناس من حول الفاشر، تغتصب نسائهم، وتتلف مزارعهم، كانت قوات هذه الحركات إما تسترزق خارج الحدود، أو مستكينة في الخرطوم غير مبالية. فالذي استجد، هو اتفاقية جوبا للسلام، التي مكنتهم من تقويض الحكومة المدينة الانتقالية، مع حليفهم الجيش الانقلابي، تلك الاتفاقية التي خلقت لهم شأنا بعد أفول، ومنحتهم مخصصات دستورية، اختصروها في حواضنهم الأقربين.
وعندنا اندلعت حرب 15 أبريل، تواثقت هذه الحركات، مع قوات الدعم السريع، عبر القوة الأمنية المشتركة، المكونة منها، على أن تتولى الأخيرة إدارة شئون المدينة، وتكون المسؤولة عن كان النواحي الأمنية والإنسانية. جاء هذا التأكيد على لسان الدكتور موسى خدام مستشار قائد الدعم السريع لراديو دبنقا حيث قال: "مراعاة الدعم السريع للوضع الإنساني والاجتماعي وحقوق حركات الكفاح المسلح في الفاشر. وأكد التزامهم بتنفيذ اتفاق سلام جوبا".
ظل هذا الوضع، كما هي عليه، وظلت مدينة الفاشر، هي الحاضنة الرؤوم للفارين من ويلات الحرب من بقية مدنية إقليم دارفور، بالإضافة إلى النازحين المستقرين حولها منذ سنوات في معسكرات أبو شوك وزمزم، إلى أن شهدت القوة المشتركة، التي تشكلت عقب اندلاع الصراع في أبريل العام الماضي، انقساما حيث انحازت حركة جيش تحرير السودان بزعامة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة السودانية، القتال إلى جانب الجيش في معركته ضد قوات الدعم السريع، على أمل الحفاظ على نفوذهما في الإقليم، بموجب اتفاقية جوبا للسلام.
في المقابل تمسك تجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر وحركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس بمبدأ الحياد.
خروج السيد أركو مناوي ود. جبريل عن الحياد، وإعلان الانضمام إلى جانب الجيش السوداني الغاشم، مع إرسال تهديدات علنية لقوات الدعم السريع، كان بمثابة استفزاز لقوات الدعم السريع، غير محسوب العواقب، على سكان مدينة الفاشر، وعلى مستقبل الحركات نفسها، والتي فشلت في انتزاع تمثيل أهالي المدينة، أو مجرد التعاطف معها، لمعرفتهم بحقيقة دوافعهم، وزيف ادعائهم المفضوح. لسان حالهم يقول: "كيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأَسِكَ". ليتهم يعلمون أن نقض المواثيق، عواقبه وخيمة، وأن التعاهد غير المكتوب بين المكونات المسلحة، كان بمثابة صلح مبكر، والصلح دائماً خيرا، ومن ينكث بالعهود، وينقض الصلح، حاقت به الندامة. وأهالي الفاشر خاصة، ودارفور عامة، يعلمون علم اليقين، من خلال التجارب، إن سادت هذه الحركات، مع حليفهم الجيش السوداني الغاشم، استبدت، وسدرت في غي تمكين حواضنها المقربة، ولا خير فيها لأحد سواهم.
الكل يعرف أن الحركات المنحازة للجيش السوداني، الذي كانوا حتى الأمس القريب يدعون القتال ضده، قد اتخذت هذا الموقف، من أجل التكسب المادي، ومحاولة المحافظة على نفوذها المهددة من قبل قوات الدعم السريع، أي أنها تقاتل من أجل مصالحها الضيقة، وأن أمن ومصالح أهل الفاشر منهم براء، وإلا ماذا لم يدافعوا عن مدينة الجنينة أو زالنجي أو نيالا؟ وبسبب هذه الأنانية السياسية، تم تشريد حوالي 80 في المائة من سكان مدينة الفاشر حتى الآن، وقتل الآلاف، ولا يزال القتل مستمرأ، وبهذا الموقف غير المسئول، تم تدمير المرافق الحيوية وكافة البنى التحية بالمدينة، ولا يظنن أحد أنهم بقادرين على الحؤول دون سقطوها بعد هذا الخراب، وإن طال الزمن، ما لم يجنح الجميع إلى السلم، والجلوس حول طاولة التفاوض، عاجلا غير آجل، حينها ستكون ميتة خراب ديار.
إن كان الاتفاق بخصوصية وضعية الفاشر قائما، وهاجمتها الدعم السريع فالإدانة لها، واللوم عليها، عليه، فإن تجار الحروب من قادة هذه الحركات، هي من تتحمل القدر الأكبر مما حل بأهالي مدينة الفاشر، من مأساة وتدمير بشع كان الممكن أن تتجنبها العاصمة التاريخية لسلطنة دارفور. فالحقيقة أن مني وجبريل وتمبور يقاتلون من أجل حماية الفرقة السادسة مشاة من السقوط، بل أعلنوا أن الحماية المزعومة للفاشر، ستكون منطلقا لتحرير بقية مدن دارفور والسودان، أي أنهما يقاتلان في الفاشر من أجل عودة فلول الكيران، وإعادة تمكين نظام الإنقاذ، هذه هي الحقيقة في أبهى تجلياتها!
ebraheemsu@gmail.com

//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 154ـــ//

 

آراء