أوهام وطواحين حمدوك الهوائية

 


 

 

كان الدكتور عبد الله حمدوك مرشح النظام الساقط لتولي حقيبة المالية في عام 2018م، لكن حاسة الشم لديه كانت قوية، وتماطل دون ان يرفض المنصب أو يقبله حتى عين المعزول عمر البشير، المهندس معتز موسى بديلا عنه.
وبالرغم من ترشيح حمدوك لمالية عمر البشير، إلا ان الاختيار وقع عليه لقيادة مرحلة ما بعد عمر البشير -أي عهد الثورة، كخبير وعالم اقتصادي، سيخلق حسب أوهام من أتوا به، من السودان "ماليزيا" أفريقيا. وبهذا الوهم والثرثرة، برمجوا العقول لتصدق ان حمدوك هو المنقذ حتى سمعنا بشعار (شكرا حمدوك) من مفكري وفلاسفة الوهم.
مرّ أكثر من عامين على تولي حمدوك لرئاسة الوزراء، وما زالت الأزمة الاقتصادية تراوح مكانها، وما زال المواطن السوداني يعاني طوابير الخبز والبنزين والغاز، وانقطاع الكهرباء والمياه، وما زالت السلع الضرورية منعدمة في الأسواق أو غالية الأسعار تفوق قدرة المواطن العادي.. والسؤال المطروح هو، ماذا قدم العالم والخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك لسودان الثورة؟
سيقول لك أنصار حمدوك، انه استطاع رفع العقوبات المفروضة على السودان منذ عام 1997م. لكن السؤال المهم هو.. هل استفاد السودان من رفع العقوبات الأمريكية، بمعنى هل تحسن الاقتصاد السوداني جراء رفع هذه العقوبات؟
وسيقولون ان عبد الله حمدوك، طبع مع إسرائيل.. لكن مقابل ماذا -أي ما هو مردود السودان من التطبيع مع إسرائيل حتى الآن؟
وأيضا سيقولون لك، ان حمدوك استطاع تنظيم مؤتمر باريس لدعم السودان، ولا يتوقع أن تكون أوضاع الخرطوم كما قبله. فالمؤتمر الذي حشد تأييداً واسعاً، أعاد السودان بقوة إلى الساحة الدولية، وأزاح عن كاهله ثقل الديون التي تقدّر بأكثر من ستين مليار دولار.. لكن ما الذي تغير على ارض الواقع منذ انعقاد هذا المؤتمر؟
صحيح، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات الاقتصادية عن السودان، وصحيح ان السودان طبعت مع إسرائيل، وصحيح ان حمدوك نظم مؤتمرا دوليا لدعم السودان. لكن، ما هي المحصلة النهائية من كل هذه الأنشطة؟
ماذا استفاد المواطن السوداني البسيط من كل هذه الأنشطة التي يعتبرها أنصار حمدوك إنجازات تاريخية؟
المحصلة النهائية عزيزي القارئ من أنشطة السيد حمدوك التي يسميها إنجازات تاريخية، ما هي إلا وهما كبيرا، وكأن حمدوك يبذل كل جهده في صناعة الوهم، لينسج من أحلام البسطاء وأمنياتهم مشاريع التجهيل والتغييب، وتجنيد حماستهم وتطلعاتهم نحو إنتاج المزيد من الخيال والوهم المحال، ليغدو الشعب السوداني كله غارق في حالة من الانتظار الدائم.
الخبير والعالم الاقتصادي عبد الله حمدوك، لم يسقط فقط في امتحان الاقتصاد الذي يدعي التخصص فيه، بل سقط في امتحان الكفاءة في تدبيـر ملفات التعليم والتكوين المهني والصحة والتشغيل وتشجيع الاستثمار الوطني، ومحاربة الفقر، والتدبير المحلي، والحوار الاجتماعي والعلاقة مع النقابات والمهنيين، والحوار مع المجتمع المدني ولخ.
لم يكتف الرجل ببيع الشعب السوداني وهما واحدا، بل بعد ان باعه وهم تحقيق إنجازات تاريخية فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية للسودان، بدأ مجددا بيع هذا الشعب المسكين وهما آخرا سماه بمبادرة "الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال –الطريق إلى الأمام"، جاءت آليتها معطوبة كعطب سيدها.. انه صنع وهماً ويريد ان يعيشه كواقع ملموس، وكأنه صنع شيئاً حقيقياً يستحق الكفاح؟
السودان بكل تأكيد، صار أمام شكل من العبث والتهريج السياسي، في إطار استراتيجية تواصلية تعتمد التلفيق والتشويه المسبق كممارسة سياسية لا أخلاقية. وأن ما يفعله عبد الله حمدوك كرئيس للوزراء، ليس إلا هـروبا من المسؤولية، وإقرارا ضمنيا بعدم الكفاءة وبعدم القدرة على تفعيل الاختصاصات الواسعة والسُلطات الواضحة المخولة بموجب الوثيقة الدستورية للحكومة الانتقالية، وفي كلا الحالتين، فإن ذلك غير مقبول اطلاقا.

bresh2@msn.com

 

آراء