أيهما أجدي التأجيل أم التقسيم؟
25 February, 2010
لم يرد في اتفاقيات السلام الشامل ان هناك مشكلة في دارفور يجب حلها في امد معين كما لم ترد فيها قسمة للسلطة او الثروة غير تلك التي تحدد الأنصبة بين الشمال و الجنوب و تعطي بعض الحقوق من الثروة السوقية التي يجلبها البترول للولايات المنتجة بنسبة 2% من انتاجها. بذلك اعتبرت اتفاقيات السلام الشامل ، رغم أهميتها القصوى من و جهة نظرنا ، اعتبرت في رأي العديد من القوة السياسية و صناع الرأي منقوصة و في بعض الاحيان غير منصفة للكثير من الاطراف الاخري التي عانت و تعاني من هضم الحقوق و التهميش. من سلبيات نيفاشا تركيزها الشديد علي تقرير المصير للجنوب و ابيي في الوقت المحدد له حتي اذا لم تنضج الظروف السياسية و التاريخية لذلك الحدث الكبير. بعد ان تفجرت ازمة دارفور بالشكل المعروف اليوم و بعد ان تباينت حولها الآراء ، أصبحت قضية محورية في الشأن السوداني تهدد مصير الوطن و استقراره و هي بذلك لم تعد اقل أهمية ، كمشكلة قومية و ازمة شاملة ، عن قضية تقرير المصير و وحدة السودان. في هذا السياق تعتبر الانتخابات العامة علي جميع مستوياتها مجرد وسيلة تؤدي الي غايات كبري منها التحول الديمقراطي و بسط الحريات التي تعتبر ضمانة لاي حل قادم علي مستوي السودان او في الجنوب او دارفور او أي منطقة اخري في السودان تعاني من مشاكل متفجرة او تراكمات تهدد بالانفجار في أي وقت. كما تعتبر الانتخابات شرطا لقيام حكومات شرعية في الشمال و الجنوب تقوم بتكملة استحقاقات اتفاقيات السلام الشامل و انجاز عمليات الاستفتاء و التحول الديمقراطي و تنقل البلاد من حالة عدم الاستقرار و الحروب الي السلام و السير في طريق التقدم و الرخاء الاجتماعي.
اذا كان الامر كذلك ، و اذا كان الهدف من الانتخابات تحقيق مكاسب كبري و خطيرة و يفترض فيها النضج و الاستدامة ، و اذا كانت هناك مؤشرات لحل مشكلة دار فور حلا شاملا باستقطاب الجهات التي لم توافق بعد علي ما تم ابرامه من اتفاقيات ، فلماذا اذن لا تتم الاستجابة للدعوات الخاصة بتأجيلها حتي نوفمبر القادم ، حتي يصبح من الممكن ايجاد صيغة مناسبة لتوسيع دائرة الحوار و اشراك قوي المعارضة السودانية في الداخل و العمل علي اقناع اطراف المشكلة الذين لم ينضموا الي ركب مفاوضات السلام مع الحكومة القائمة الان؟ لا شك ان هناك ازمة ثقة بين الحكومة الحالية و بعض اطراف ازمة دارفور كما توجد نفس المشكلة بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية. في هذه الحالة فان توسيع دائرة المشاركة و ضم اطراف اخري لمسار مفاوضات السلام سيعمق الثقة و يؤدي الي إقناع جميع الأطراف للمشاركة في الحوار من اجل تحقيق سلام شامل في دارفور و إتاحة فرصة اكبر أمام تعميق خيارات الوحدة الطوعية .
من جانب مختلف هناك مشاكل اخري يستدعي حلها مزيد من الوقت مما يعزز من ضرورة تأجيل الانتخابات . من تلك الأشياء عمليات ( الترقيع ) الجارية بين الشريكين لمشكلة الدوائر التي تسبب فيها خلل الإحصاء السكاني الذي بني عليه تقسيم الدوائر الانتخابية. الان لا يوجد حتي مكابر يستطيع ان ينكر ان هناك خللا كبيرا في الإحصاء السكاني و منه ما اثبت فعلا بجنوب كردفان ، الكثير من مناطق دارفور و الجنوب و مناطق من النيل الأزرق. اكبر دليل علي ذلك ان تسجيل الناخبين في بعض الدوائر ، قد فاق بنسبة كبيرة الأعداد المرصودة من قبل الاحصاء السكاني لدرجة جعلت التسجيل في الدوائر المعنية يفوق نسبة ال 120% من الذين يحق لهم التصويت ، يعني ذلك ان عدد المسجلين للانتخابات اكبر من عدد الذين تم إحصائهم ، مع العلم بان التعداد السكاني يجب ان يشتمل حتي علي صغار السن الذين لا يحق لهم التسجيل للانتخابات. يضاف لذلك ان هناك اماكن لا يمكن اجراء الانتخابات بها حتي اذا تم توقيع اتفاقيات مع حركة العدل و المساواة قبل الموعد المحدد لها و هو امر يبدو صعبا جدا ان لم يكن مستحيلا. حتي اذا تم توقيع الاتفاق فمن حق الاطراف الموقعة ان تقدم مرشحيها لجميع مستويات الحكم و هذا امر لن يجدي معه ( الترقيع) او الترضيات والجوديه.
هناك جانب اخر مهم ظهر من خلال المحاولات المصرية لتقريب وجهات النظر بين شريكي نيفاشا حول علمانية الدولة او أسلمتها بشكل يمهد الطريق امام خيار الوحدة بدلا عن الانفصال المحتوم في حالة سير الامور بالشكل المرتجل من قبل المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية باتفاقياتهما و ما توصلا اليه من قوانين لا يلقي الكثير منها القبول من المعارضة السودانية بمختلف الوانها و توجهاتها ، لدرجة اثارت الخلاف حتي حول القوانين المنظمة للرياضة. ما قام به الاخوة في مصر يصب في مصلحة السودان لان الوحدة خير للجميع ، اذ لا تكاد تجد عاقلا مقتنعا بتطمينات السياسيين بان الانفصال سيمر بشكل سلسل و ان لا عودة للحرب. من المؤكد ان يؤدي الاستفتاء حول تقرير المصير للجنوب و ابيي ( أي كانت نائجه ) و المشورة الشعبية لجنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق الي حرب من غير المعروف مداها و خطورتها لكن جميع السيناريوهات حولها ، أفضل ما يمكن ان توصف به هو انها " مخيفة". من الأفضل إذن تجنب الحرب بتوسيع دائرة المشاركة ، إكمال سلام دارفورن او علي الاقل إعطاءه فرصة في المضي خطوات الي الأمام ثم تدارك مشاكل الإحصاء السكاني و تقسيم الدوائر و تكملة بعض جوانب الإصلاح القانوني الضروري لضمان نزاهة الانتخابات و حريتها. لقد ساعدت مجريات الأحداث في دعم توجه الشخصيات التي دعت الي تأجيل الانتخابات و قد وجدت تلك الدعوة رواجا لدي العديد من الأطراف الفاعلة في المسرح السوداني و منها أحزابا مؤثرة ، خاصة بعد قوة الدفع التي جاءت بها أحداث أنجمينا و الدوحة و انضمت بعد ذلك جهات لم تكن مؤيدة للتأجيل للوقوف وراءه. يستدعي كل ذلك دراسة إمكانية تأجيل الانتخابات دون تعنت اذا كان ذلك خيرا لمستقبل البلاد و ضمان سلامها و وحدتها ، مع ضرورة المفاضلة بين جدوي تأجيل الانتخابات و الاحتمالات المرجحة لتقسيمها في حالة سير الأمور بالشكل المرسوم لها اليوم.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]