أُصِبتُ بالغثيان ليس لِما فعَلَهُ احد الضباط للمتظاهرين مُحتَمياً بسلاحِهِ ورَهْطِهِ

 


 

 

مُقَدّمه تَقطُرُ حُزناً وألَماً :
دفّار شرطه قُربَهُ بوكس شُرطه.. مجموعه مِمّن يرتدون زي الشرطه بعضُهم يربطُ رأسَهُ بشال مُلَوّن يحملون كلهم عصي تختلفُ في أشكالِها سطوةً وفتكاً. بعضها عكاكيز .. اللبس الرسمي غير منتظم خاصةً الأحذية.. العدد الكلي يفوق العشرين فردًا إجتمعوا واجتمعت إرادَاتُهم قُبالَةَ مواطنٍ أعزَل أتوا يسوقونَهُ أمامَهُم وهُم يضرِبونَهُ في غيرِ ما رحمه وكيفما اتّفَق بعض الضربات تقع على الرأس والبعض على باقي الجسد. كان واضحاً ان القصد هو ان لا يُفَوّت أحدٌ منهم شرف ضرب هذا المواطن وإيقاع أكبر أذى به. الذين في الخلف كانوا يتدافعون للأمام لكيلا يفوتهم هذا الشرف. فعلوا ذلك بحِقدٍ لا تُخطئُهُ عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت ولا إن حُكِيَ إلى قَلبِ بَشر.
أُصِبتُ بالغثيان ليس لما فَعَلَهُ احد الضبّاط وهو يُشيرُ لِعُضوِهِ في مواجهةِ المُتظاهرين مُحتَمياً بسلاحِهِ ورَهطِهِ ولكن لأنّني لم أسمع تعليقاً من القياده بوضعهِ في الإيقاف الشديد ومحاكمتهِ او طردِهِ من القوّه حتى من غيرِ تحقيق ورُبّما سَجْنِهِ.

كان للشرطه الدور المِفصلي في انهيار نظام مايو حيث كانت شرطه متماسكه من أعلا قيادتِها حتى القاعِده فجاءَ الإخراج سلِساً وصَديقاً حافَظَ على العلاقه حميمةً بين كلّ فئات الشعب وقُواه على دَرب البحث عن وطنٍ فاضلٍ يسع الجميع.

لا غَروَ أن بذلت الإنقاذ وُسعَها لضرب هذه القوّه وتشتيتِ شملِها وتشكيلِ ما تبقّى منها كعجينةٍ تخدمُ أغراضها. أتت عبارة " من هنا تبدأ الشرطه " لقائلها الزبير محمد صالح عند تخريج اول دُفعه بعد انقلابهم كحَدَثٍ يُوَضّحُ مدى جديتهم في خلق وضعٍ وشرطه تخدُمُ أغراضهم التي عملوا عليها في غيرِ ما تهاوّنٍ او تقاعُس فدانَت لهُم البلاد لثلاثين عاماً حسوما.

ونحنُ في قلبِ الحَدَث عندما انهارَت المنظومه الإنقاذيه فوجئتُ بأحدِ الزُملاء يقولُ لي فلنذهَب وتستولي على وزارة الداخليه. أقولُ فوجئت لأنني فعلاً فوجئت وكان معها ، للأمانه ، بعض الإستنكار. الآن وبعد مُضي ثلاثة أعوام كم نَدِمت. ندمتُ على عدم استيلائنا على وزارة الداخليه بالحقّ الثوري وبالشرعيةِ الثوريه حينها وندمتُ لشعور الإستنكار الذي اعتراني. الجانب الأمني الذي أعمَلَت فيه قحت ورئيس الوزراء وبِطانَة رئيس الوزراء استطاعتهم في التدمير فُرادى وبمُناصرة الجنرالات على إمتداد سنواتٍ الإنتقاليه الثلاث ما كانَ لهُ ان يكون بالحال الذي آلَ إليهِ الآن وما كان للخسائر التي نحنُ فيها ان تبلُغ ما بلغتهُ. أشكالٌ من الأسى وسُحُبٌ من الحُزن تُطبِقُ على الأنفاس والموتُ والدمار والنهب. كان إعتقادي أنّ كُلُّ مَن ستأتي به الثوره سوفَ يكونُ ثوريّاً قويّاً حاسماً " أميناً " بقدرِ ثلاثينَ عاماً من الوانِ القَهر والتخلُّف وبما يوازي ، في حَدّهِ الأدنى ، ما فَعَلَهُ الإنقاذيون في إرساءِ دعائمِ نِظامِهِم البائس ولم يُضَيّعوا دقيقةً في تدعيمِ مُلكِهِم العضوض بكُلّ أنواعِ الشرور والبؤس ومُجانَبَة الخُلُق القويم.

على إمتداد تاريخ الوطن عمرت الشرطه دائماً بالكوادر الوطنيه التي دائماً ما رَجّحَت البقاء في خانَةِ الخُلُق الحَسَن والوجدان السليم. لم تَخْلُ قطعاً مسيرَتَها من بعضّ الهَنّات التي في أغلَبِها كانت فَرديّه وهذهِ سرعان ما كانت تُحسَم بقوّه وتُبعَد ما أمكَن عن مسار الإعلام بإيمانٍ حقيقي من القاده أنّ العلاقة بين الشرطه والشعب متى مُسّت بسوء فلا خيرٌ سيُرجى من الشُرطَه فحافظوا على سُمعة الشرطه وحيادِها و إبرازِ ما يُعَضّدُ ذلك.

إنّ مساندة جنرالات الإنقلاب بالقتل المجّاني الممنوح لهُم من قيادات الشرطه والسكوت على زي الشرطه الذي مُرّغَ في وحل المليشيات بأنواعِها والأجهزه الأمنيه بأنواعِها وعدم إدراك ما يُحيط بالوطن من مخاطر يقومُ بها حُكّام خارجين عن الوطنيه والقانون ومناصرتِهِم لمجرّد كونهم استولوا على السلطه دون تبصُّر بعواقب ذلك الإستيلاء كلُّ ذلك يصُبُّ في نفس بِركَة الخيانه العظمى الآسِنَه. إنّهُ نفَس التقاعُس الذي مضت فيهِ قَحَت الحاضِنَه ورئيس وزرائها وبِطانَة رئيس وزرائها ومن عَجَبٍ أنّهُ لا توجد مُحاسبه ولا رادِع أخلاقي يُبعِد مَن أجرموا في حق الوطن وأهلِهِ .. فالكُلُّ يبحثُ عن مَوطِئِ قَدَمٍ مَرّةً أخرى لإستمرارِ تدويرِ الفشل ولإستمرارِ الوصايه على شعبِهِ

melsayigh@gmail.com

 

آراء