أ ليل السودانيين يطول!

 


 

عمر العمر
4 March, 2024

 

بقلم عمر العمر

أطراف الاقتتال الحمقى لا يدركون تصورا لنهايته مثلما لم يعرفوا شكلاً لبدايته أو يرسموا خطة لحسمه . لكن هذه الحرب الرعناء ستصل إلى خاتمة لامحالة. توقيت النهاية ليس مصدر القلق إنما كيفية الحال بعد سكوت المدافع هو مصدر الرهق. نهاية هذا الخراب لن تأتي في صيغة تسوية سلمية بل على هيئة صفقات. لذلك لن يمثل تصور المستقبل بندا ملحّاً في موازين صفقة القتلة الصُفقاء. هذه الجريمة تشكل الفصل الأخير لتراحيديا التقتيل والتدمير العشوائيين. فهذا الفصل يتضمن حتما مشاهد إغتيالات فردية تستهدف رؤوسا بعينها. دحرجة تلك الرؤوس تمثل مقدمة لتمرير الصفقات أو هي جزءٌ منها. كما لن يخرج أي طرف أو متربص - وهمُ كثرُ - من الحرب النتنة منتصرا كما لن يخرج من تلك الصفقات رابحا.فالخسران مصير الجميع. وحده الشعب يكسب وقتئذٍ حين يسترد فرص العودة إلى الماضي.
*****
لكن قلق الشعب أكبر من مكاسبه. فبعد معاناة على نار الحرب،لم يستطع قادة الساسة والتنوير إنضاج مشروع وطني يبدد قلق الخوف من المستقبل.الجميع مثقلون بأكداس التشاكس غير قادرين على الإنفكاك من النظرات الضيقة والنجاة من الغرق في التشظي أو ركوب أمواج النجاح حتى عندما يحاولون تلبيس تلك الصراعات المقيتة المزمنة أزياء الفكر السياسي.فهذه الحرب الخرقاء لم تغسل عقولهم رغم انهمار الدماء والدموع.البيانات الصادرة لم يلسعها لهب الحرب أو تتغشاها معاناة النائحات والأيتام.كأنما كاتبوها مصابون بالعمى فلم يروا -ان لم يعانوا-صنوف القهر والارهاب وامتهان كرامة الأحياء والأموات.
*****
كم يا ترى ينبغي سقوط عدد الضايا وارتقاء عددالشهدء حتى يغير القادة الأماجد نهج تفكيرهم؟ كم عدد السنين ينبغي هدرها حتى يعلو الهم الوطني على الذاتي؟ ماهو حجم الثروة يجب نهبها حتى لا يصبح الوطن ملكية والدولة غنيمة؟ ماهي حجم المعاناة الجماعية حيث لابد من خوضها حتى تكتسب حتمية الدفاع عن الشعب واجبٌ يجُب المرافعة عن النظام؟ كم هي الأهوال المفزعة بعدمااصبحت أعمار الأطفال تقاس بعدد الصواريخ والدانات فوق رؤوسهم؟ كل هذا لا يزال يحدث وكل القادة صانعي السياسة والرأي العام يتمتعون بحصانة ضد التغيير الذاتي وينادون بالتغيير على مستوى السلطة والثروة.لهذا ترتفع أصوات الصفقات والمحاصصات نهايات سعيدة لحرب قذرة.
*****
هذا الوطن الفسيح،(هذي الأرض الممتدة كالتاريخ) ضاقت بأهلها فاضطرهم تعسف المتقاتلين على السلطة والثروة إلى الخروج على عجل إلى المنافي. مادام لا كرامة لشعب في وطنه فما للجأر بالشكوى هناك من مبرر. كذب هراء إدعاء البعض تحسين ظروف المكدسين على ارصفة المنافي .الوطن لم يعد فقط منفى بل أمسى برمته مقبرة مفتوحةتضج بالجثث .كذلك صار في أضل هيئاته سجنا بلا جدران.لولا مايفعله الصهاينة في غزة لصح القول السودان مسرح أكثر الفظاعات في حق شعب في القرن الراهن.هذه التراجيديا ليست سوى ذروة ثلاثين سنة من اكذوبة ازدواجية الاسلام السياسي المكتسي زيا عسكريا .اذا افترست الدولة عصبة عمياء بشهوة الثروة ثم استسلمت بدورها لنزوات طاغية أخذ الشعب بأسره رهينة.
*****
لا فرصة امام أطراف الحرب النتنة لتحقيق انتصار. فعندما تسكت المدافع سيكتشفون ان الحرب ضد الفقراء أكثر شراسة منها ضد الأثرياء.كما سيكتشف أصحاب الألسن الطويلة ان قدرهم ليس بأفضل من أصحاب السكاكين الطويلة. فديباجات امتداح القتل والقتلة لا تصنع ثقافة تهضمها الشعوب أو تكسبهم حبا اوجماهيرة.فصورة ذلك العجوز الباكي في ثياب رثة على ناصية شارع يتعرض للنهب أكثر رسوخا في ذاكرة الشعب من كل ظهورهم على الشاشات البلورية . فصورة ذلك المجهول تفيض روحا أعمق وطنية أكثر وقارا وعفوية. كيفما تضع الحرب أوزارها فلم يعد هناك موطئ قدم لمن لايزال يطمع في قيادة مزيفة على صدر شعب منزوع السيادة وسلطة صنع القرار.
*****
كل السودانيين المتخمون والمعدمون قاسوا ليلا كابوسيا طويلا.غالبيتهم استبدلوا الارض بالأسرّة ليال ليست قصيرةجميعهم كابدوا من أجل الحصول على كسرة الخبز أو قرص الدواء، طويلا أو من أجل الإثنين معا.كلالسودانيين تثبّتوا انه ليست وحدها ليالي العاشقين الطويلة .لكن حتى لا يطول ليل السودانيين أكثر فليت قادة السياسة والرأي العام يستبقون سكوت المدافع -كيفما جاء-برؤية موحدة نرسم مسار الخروج من هذا الجب الظلامي إلى غد ينهي مغامرات فرسان الترهيب ،التركيع،الاذلال، الإبادة والفوضى.
*****
فكأنما كل تلك العذابات الفردية والجماعية لم يلسع لهيبها أدمغة القادة وضمائرهم ،إذ يتشاكسون في لجلجة المحاججات وارتباك الخطاب على نحو يتوغل بهم في أتون التشظي.قناعتي من رؤى قطاع عريض من المعذبين في دوامة الأزمة تتجسد في خروج عجول لاتتطلب مسالكه جدلا مترحلا بين عواصم الجوار واتفاقات مصنّعة الديباجات.فأول هذه المسالك تجميع موزاييك مايسمى بالقوى السياسية تحت بضع مظلات .كل مظلة تعتصر ذهنها ، تجربتها وطموحاتها الوطنية في برنامج يرتاد الشعب بهديه آفاقا جديدةحديثة.كل المظلات تلتزم بسودان واحد موحد ينبذ عصبيات التجزئة المقيتة .جميعها تتبنى الديمقراطية طريقا للبناءوالابداع.كلها تؤمن بالعلم الرافعة المحورية للخروج بالشعب من الجب واختزال ليل السودان الطويل.ما تبقى عظام تغري بالتنازع ليس غير!
*****

aloomar@gmail.com
//////////////////////

 

آراء