إستبيانات و نتائج مسبقة …. بقلم: د. عمر بادي
18 March, 2010
عمود : محور اللقيا
درجت أجهزة الإعلام المختلفة على عمل إستبيانات للإخوة الجنوبيين المتواجدين في العاصمة القومية عند عرضها لقضية جنوب السودان بين الوحدة و الإنفصال . هذه الإستبيانات في الغالبية العظمى تكون عاكسة لآراء القائمين بها , لأنه حتى المؤسسات المتخصصة عالميا في عمل الإستبيانات , و رغم مهنيتها العالية و شفافيتها و كثرة عدد المستبانين فيها من كل الفئات , رغم ذلك فإنها لا تخلو ممن يشكك فيها و يطعن في نزاهتها .
كان واضحا جدا تأثير أماكن الإستبيان في الإستقصاء ما بين تأييد الوحدة أو الإنفصال إن كان السؤال مباشرا , أو ما بين إستمرار البقاء في الشمال إذا ما تم الإنفصال ام العودة إلى الجنوب . داخل الأحياء المأهولة و في الأسواق و أماكن العمل كانت نسبة كبيرة من الإجابات تؤيد الوحدة و البقاء في الشمال , بينما في الأحياء العشوائية الطرفية أو في معسكرات النازحين كانت أعداد غالبة ممن شملهم الإستبيان يؤيدون الإنفصال و العودة الى الجنوب إذا ما تم الإنفصال و ( في نفس اليوم ) كما قال بعضهم ! الأمر برمته صحيح في كل الحالات , لكن و تتوقف النتيجة فيه على أماكن عمل الإستبيان نفسه .
إن الدراسات العلمية عن المهاجرين و النازحين في العالم , نجدها قد وضعتهم تحت ثلاثة مسميات أو فئات هي كالاتي : الفئة الأولى هي فئة المنعزلين , و هم في غالبيتهم من الجيل الأول , و هم إما يُعزلون في كانتونات أو معسكرات تأويهم حتى تحل أسباب هجرتهم أو نزوحهم و التي ربما لا تحل رغم تعاقب السنين , أو هم يعزلون أنفسهم بإرادتهم عن المجتمع الجديد كنوع من المحافظة على لغاتهم و تقاليدهم , و في كلا هذين النوعين تكون معرفتهم بالمجتمع الجديد ضعيفة جدا و ربما تكون سالبة نتيجة لترسبات كانت في الماضي . الفئة الثانية هي فئة المستوعبين , و هؤلاء يكونون قد إختلطوا نوعا ما مع المجتمع الجديد من خلال التعليم و العمل و العلاقات مع الجيران , لكن لا زالت روابطهم الإجتماعية و الدينية و الثقافية و الإقتصادية قوية بينهم . الفئة الثالثة هي فئة المندمجين , و هؤلاء قد إندمجوا في المجتمع الجديد و ذابوا فيه , و هم يكونون غالبا من الأجيال اللأحقة من المهاجرين و النازحين .
أعود كي أضع كل هذا في المحك العملي لفئات الإستبيان , و سوف أبدأ بالفئة الثالثة كما بدأ بها السيد ياسر سعيد عرمان حملته الإنتخابية لمنصب رئيس الجمهورية . لقد بدأ بحي الموردة و من منزل البطل علي عبد اللطيف رئيس جمعية اللواء الأبيض في عام 1924 و مفجر أول ثورة وطنية ضد المستعمر . هؤلاء من أصحاب الجذور الجنوب سودانية قد إندمجوا في المجتمع السوداني الجديد منذ زمان بعيد حتى صاروا جزءا مهما منه , و هم تمثلهم أحياء عدة أخرى في العاصمة القومية و في مدن الأقاليم , و قطعا هؤلاء جميعا يؤيدون الوحدة و يعملون لها .أما الفئة الثانية و هي فئة المستوعبين , فهؤلاء أراهم في كل أحياء العاصمة القومية و في مدن الأقاليم . هم قد إختلطوا بالسكان و لكن روابطهم لا زالت قوية بينهم . تجد أطفالهم يدرسون في مدارس تلك الأحياء , و تجد رجالهم يتقاسمون المهن مع إخوانهم الشماليين الذين قد مدوا لهم يد العون و أسكنوهم مجانا في البيوت التي تحت التشييد بل و أحيانا أتاحوا لهم أجزاء من بيوتهم , و تجد نساءهم يعملن مع إخواتهن من الشمال في نظافة البيوت و غسيل الملابس بينما يتقاسمون الأكل الموجود فيما بينهم , و يأخذون معهن ما فاض من اكل و ملابس في نهاية اليوم , بعد أن يتحممن و يتزين للعودة إلى البيوت لمقابلة أزواجهن ! بعد كل الذي عرفه الإخوة الجنوبيون من طيبة إخوانهم الشماليين , هل يعقل أن يتمنوا الإنفصال عنهم و العودة ( فورا ) الى الجنوب ؟ الأمر ( الكُتر ) يكون إذن في الفئة الأولى , و هي فئة المنعزلين الذين يسكنون في المعسكرات في أطراف المدن و في ظروف صعبة لا تسمح لهم بالإلتقاء بإخوانهم الشماليين . لذلك فإنهم يظلون بدون عمل و بدون دراية باللغة العربية و بأخلاق إخوانهم الشماليين و يظل الفقر طاردا لهم و حافزا للإنفصاليين ذوي الأجندة المشبوهة ان يندسوا بينهم و يوغروا صدورهم ضد كل من هو شمالي !
هل عرفتم كيف تختلف نتائج الإستبيان من منطقة إلى منطقة , و من فئة إلى فئة ؟
omar baday [ombaday@yahoo.com]