إستفتاء الجنوب و ضمان الحرية و النزاهة و الشفافية -2- بقلم: د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا
لقد تطرقت في مقالتي السابقة و التي مثلت الجزء الأول من العنوان أعلاه , إلى خلفية إستفتاء الجنوب الذي كان بندا من بنود إتفاقية نيفاشا للسلام . كما تطرقت إلى مسببات الوضع المتأزم الذي يعيشه السودان حاليا و أجملتها في ثلاث : أولا , إتفاقية نيفاشا نفسها و ما تمخض عنها من بنود , و كيف تم فيها الإنفراد بحزب المؤتمر الوطني من قبل شركاء الإيقاد خاصة أمريكا و اليمين المسيحي حتى طبقوا من خلالها برنامج إعادة صياغة العالم حسب المصالح الغربية . لقد كان جل الإتفاقية في صالح الحركة الشعبية التي نالت بالسلام ما لم تنله بالحرب , و لم ينل المؤتمر الوطني سوى الوعود الخلّبية بهطول المساعدات و رفع العقوبات ! ثانيا , شرط الإستفتاء الذي لم يكن شيئا مذكورا في الإتفاقيات التي جرت مع الحركات المتمردة في الجنوب حتى عهد الإنقاذ . ثالثا , ديمومة الشمولية و الآحادية و التربص و الإقصاء و بذلك لم تكن قرارات الإتفاقية عن بسط الحريات و إلغاء القوانين المقيدة لها و إشراك المعارضة إلا نوع من ( الكماليات ) غير الضرورية و غير المحاسب عليها من قبل المراقبين الدوليين . أخيرا تطرقت لمسالة سعي حكومة الجنوب للإستحواذ على نفط الجنوب و أيدت أن يترك نفط الجنوب للجنوب منذ الآن حتى لا يكون من ضمن الإغراءات المقنعة بالإنفصال لدى الجنوبيين , و في هذا الأمر طالبت بالعمل بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال مساهمة الإمارات المنتجة للنفط بنسب معينة في الحكومة المركزية لدعم الإمارات غير المنتجة للنفط .
الآن سوف أتطرق إلى كيفية ضمان الحرية و النزاهة و الشفافية في فترة الإستفتاء . إن الحرية بناءً على إتفاقية نيفاشا تشمل حرية المعتقد و حرية التعبير و حرية الصحافة و حرية التنظيم الحزبي , و التحول الديموقراطي يعني حرية الإختيار دون تدخلات بتغليب إختيار على آخر . من هنا فإنني أعتبر أن تصريحات مسؤولي الحركة الشعبية من جناح الإنفصاليين بأن غالبية الجنوبيين يؤيدون ( الإستقلال ) و أنهم سوف يصوتون لصالح الإنفصال كما صرح أخيرا النائب الأول لرئيس الجمهورية و رئيس حكومة الجنوب سيلفاكير ميارديت بعد عودته من أمريكا , أعتبر أن كل هذه التصريحات تؤثر في حرية الإختيار للمواطن الجنوبي لأن الغرض منها هو الترويج للإنفصال و إظهاره كأنه الخيار الأفضل للجنوبيين !
في تجربة الإنتخابات الماضية في الجنوب كان تدخل الجيش الشعبي واضحا في توجيه الناخبين للإقتراع لمرشحي الحركة الشعبية إما ترغيبا أو ترهيبا , كما كان يضيق على مرشحي الأحزاب الأخرى في طرح برامجهم و في اللقاءات الشعبية . هذه المرة أعدت حكومة الجنوب قوات الشرطة و زادت أعدادهم كي يقوموا بحفظ الأمن و متابعة الإستفتاء بدلا عن الجيش الشعبي الذي كان سببا في خروج مجموعات منه و تمردها عليه , و قد صرح المسؤولون في حكومة الجنوب أنهم لن يسمحوا بإشراك قوات الشرطة الشمالية و جهاز الأمن في عملية الإستفتاء , و هذا يعني أن الجو سوف يخلو لشرطة الجنوب أثناء الإستفتاء . إن الحريات غير متوفرة في الجنوب , و الرأي الآخر لا يلقى الترحيب من مسؤولي الحركة الشعبية و خير مثال لذلك إعتقال قيادات من الحركة الشعبية – التغيير الديموقراطي عند ذهابهم إلى مدينة واو لإقامة لقاءات جماهيرية لحزبهم , رغم التصريحات التي يكررها السيد رئيس حكومة الجنوب من أن حرية اللقاءات التوعوية مكفولة للجميع .
من هناكان حديث السيد علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي و دعوته لكل الوحدويين و الحادبين على مصلحة الوطن من الشماليين و الجنوبيين بالتوجه إلى الجنوب لتوعية المواطنين الجنوبيين بأهمية الوحدة و لدحض الآراء الإنفصالية . إنني ارى قبل التوجه للجنوب أن يتوجه الشماليون إلى الإخوة الجنوبيين في مناطقهم في الشمال لكسب تأييدهم للوحدة , خاصة بعد حديث السيد رئيس الجمهورية بأنهم سوف يظلون مواطنين كالشماليين و سوف يتقاسمون مع إخوانهم الشماليين لقمة العيش و العمل و المسكن و التعليم و العلاج , و لا أظن أن بعد هذا كله سوف يسمح الإخوة الجنوبيون في الشمال للإنفصاليين أن يتحركوا بينهم لأن مكان الإنفصاليين و إختيارهم هو الجنوب ! بهذه المناسبة فإن ما أدلى به وزير الإعلام الدكتور كمال عبيد من تصريحات ضد الوجود الجنوبي في الشمال بعد الإنفصال لا يعدو أن يكون مجرد تحريض للإخوة الجنوبيين في الشمال كي يختاروا الوحدة حتى يضمنوا سريان كل إمتيازاتهم في الشمال , و هذا هدف قد تفلت التسديد إليه فحسنت النية و سيء الظن ! أما عن ضمان الحرية و حتى لا تكون التهم سجالا بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية في فترة الإستفتاء , و التي قد تصل إلى عدم الإعتراف بنتيجته , فإنني أقترح أن يكون الإستفتاء تحت المراقبة الدولية ( الأمم المتحدة و الإتحاد الأوربي و مركز كارتر ) و تحت الإشراف الإقليمي ( الإتحاد الأفريقي و جامعة الدول العربية ) .
النزاهة في الإستفتاء تعتمد أولا على مفوضية الإستفتاء , و هذه المرة يبدو عليها الحيادية و المهنية و نظافة اليد , فلا بد إذن من تقوية سلطاتها المخولة لها و أن تعمل بالتنسيق مع المشرفين و المراقبين و مع حكومتي الشمال و الجنوب و أن تنقل إلى الشعب السوداني كل ما يدور في الإستفتاء بواسطة أمينها العام السيد السفير السابق جمال محمد إبراهيم و لا أدري هنا كيف فات على القناة الفضائية السودانية أن تخلط بينه و بين السفير الرائد جمال محمد أحمد يرحمه الله . إن ضمان النزاهة يكون في إبتعاد حكومتي الشمال و الجنوب عن الإستفتاء و مجرياته , هذا هو الضمان الذي يقضي على التزوير .
أما عن الشفافية فهي الوضوح و خلوص النية و إبراز الحقائق كاملة , و هي مهمة مفوضية الإستفتاء , أن تحدد موضع الخلل متى أحست به و أن تتخذ القرارات تجاهه , و أن تأخذ في الحسبان أي ملاحظات تصدر من المراقبين الدوليين و المشرفين الإقليميين . إن ضمان الشفافية يكون في عمل المفوضية كما ذكرت .
هكذا يتم القبول بنتيجة الإستفتاء أيا كانت , عن طريق تطبيق ضمانات الحرية و النزاهة و الشفافية .
omar baday [ombaday@yahoo.com]