إصلاح القطاع الأمني في السودان كما ورد في الوثائق الانتقالية

 


 

 

مقدمة
وقعت قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات العمالية، وثيقة الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 ، مع المؤسسة العسكرية من أجل إعادة الحكم المدني الديمقراطي في السودان و إنهاء الانقلاب الذي قادته جنرالات الجيش في 25 اكتوبر 2021 ضد الحكومة الانتقالية. تم تأجيل الاتفاق السياسي النهائي إلى وقت بعد مناقشة خمس قضايا حاسمة وهي:
- تفكيك مؤسسات وتنظيمات النظام الاستبدادي ،
- تقييم اتفاقية جوبا للسلام الموقع في أكتوبر 2020 ،
- مناقشة قضايا شرق السودان.
- العدالة الانتقالية ، و
- إصلاح القطاع الأمني
واجهت عمليات التحضير لورشة إصلاح قطاع الأمن العديد من الأسئلة: من سيقود الإصلاح في قطاع الأمن؟ كيف ستتم مناقشة قضايا الإصلاح في الأجهزة الأمنية؟ ما هي الهيئات والمؤسسات التي ستخضع للإصلاح؟ ما هي قضايا الإصلاح؟ ومتى يتم هذا الإصلاح ؟. وما زالت من المتوقع أن تأتي أسئلة أخرى قبل أن تنعقد ورشة العمل.
للإجابة على هذه الأسئلة المتشابكة، من الضروري الإشارة إلى أن عملية إصلاح قطاع الأمن عملية فنية وتتضمن العديد من الإجراءات المعقدة. كما يصح القول إن مناقشة موضوع إصلاح قطاع الأمن في السودان لن يبدأ من فراغ. تنص الوثيقة الدستورية لعام 2019 واتفاقية جوبا للسلام في السودان على أحكام ومبادئ مفصلة تتعلق بالإصلاحات التشريعية والهيكلية لمؤسسات قطاع الأمن. لذلك، تعمل الوثيقة الدستورية و اتفاق جوبا كإطار عمل لإصلاح قطاع الأمن في السودان.
أولا: إصلاح القطاع الامني في الوثيقة الدستورية لعام 2019:
لم تولي الوثيقة الدستورية إهتمام كبير بمسألة إصلاح القطاع العسكري، و بالتالي بالكاد جاء ذكر اصلاح الموسسة العسكرية في جزء من فقرة من مادة في الوثيقة، و هي بذلك لم تأتي بشئ نشاذ اذ ظلت كل الدساتير السودانية المؤقتة دون استثناء تغفل الاشارة لمسالة اصلاح المؤسسة العسكرية. لقد نصت ديباجة الوثيقة الدستورية انه و من منطلق الايمان بوحدة التراب السوداني و السيادة الوطنية يجب اعتماد منهج اصلاح اجهزة الدولة و الخدمة العامة. و في اطار بناء مؤسسات الدولة و تأسيس الديمقراطية أقرت الوثيقة الدستورية مبدأ ( سيادة حكم الشعب – المادة 4 ) مما يعطي المؤسسات التمثيلية سلطة علوية على بقية السلطات، و بالتالي لا تكتسب السياسات العامة صفتها الدستورية ما لم تعكس مقتضيات مبدأ سيادة حكم الشعب. و يتصل مبدأ سيادة حكم الشعب بمبدأ سيادة حكم القانون ( المادة 5) و ذلك لكون ان التشريعات تصدر في الدولة الديمقراطية من مؤسسات منتخبة من الشعب و بالتالي يكون سيادة حكم القانون إنعكاس مباشر لسيادة حكم الشعب. و من ذلك نفهم بان مؤسسات الدولة كلها، بما فيها المؤسسات العسكرية، تخضع لسيادة حكم القانون، و لمبدأ المساءلة و المحاسبة.
نصت المادة 8 من الوثيقة الدستورية على مهام الفترة الانتقالية، و التي جاءت الفقرة 12 منها على ان تلتزم الدولة بوضع برامج لاصلاح أجهزة الدولة خلال الفترة الانتقالية بصورة تعكس استقلاليتها و قوميتها و عدالة توزيع الفرص فيها دون المساس بشروط الاهلية و الكفاءة على ان تسند مهمة اصلاح الاجهزة العسكرية للموسسات العسكرية وفق القانون.
تحليل المادة 8 يستلزم مناقشة تلاث ملاحظات، الاولى أن هذا النص هو الوحيد في الوثيقة الدستورية الذي تناول مسألة اصلاح القطاع الامني. و الثانية، أن الوثيقة الدستورية جعلت مسألة إصلاح القطاع الامني عملية تقوم بها المؤسسات العسكرية و الامنية وحدها، و بذلك تكون الوثيقة قد كرست إقصاء المؤسسات المدنية في الحكومة، و الاحزاب السياسية و المجتمع المدني من المشاركة في اصلاح القطاع الامني، بالمناقشة او بتقديم المقترحات، او في عملية المصادقة و الموافقة النهائية. و الملاحظة الثالثة، أن الوثيقة الدستورية نصت على أن تتم مسالة اصلاح المؤسسات العسكرية و الوكالات الامنية ( وفق القانون) و لكنها لم توضح القانون المقصود، لان القوانين السارية و التي تنظم عمل تلك المؤسسات الامنية، ستكون خاضعة أيضا للاصلاح القانوني، لذا من الارجح أن الوثيقة الدستورية تشترط اجازة قانون جديد ينظم عمليات اصلاح المؤسسات العسكرية و الامنية.
و من ذلك نستنتج، ان الاعلان الدستوري لم يقدم احكام و شروط و موجهات واضحة لعملية الاصلاح المؤسسي و التشريعي لقطاع الامن في السودان. و يبدو أن اتفاقية جوبا استعرضت احكام أكثر تفصيلا من تلك التي جاءت في الدستور الانتقالي، و هذا ما سنلاحظه في الجزء التالي من هذه الورقة.
ثانياً: إصلاح القطاع الامني في اتفاقية جوبا لسلام السودان اكتوبر 2020:
تم التوقيع على اتفاقية جوبا للسلام في اليوم الثالث من اكتوبر 2020 بين الحكومة الانتقالية و الجبهة الثورية. و تكتسب هذه الاتفاقية أهمية في مسار التحول الديمقراطي في السودان بسبب أن الجيش، و الذي هو العنصر الاقوى في مؤسسات الحكم الانتقالي، كان قد قاد المفاوضات في جوبا بالانابة عن الحكومة الانتقالية، ووقع عليها في ختام المفاوضات. إكتسبت الاتفاقية موثوقية أكبر لدى المجموعات المسلحة الموقعة عليها بسبب أن قيادات الجيش هي التي التزمت للحركات المسلحة بتوقيعها على الوثيقة.
لقد إكتسبت مسالة اصلاح القطاع الامني في السودان أهمية ضافية بعد أن نجحت ثورة ديسمبر 2018 في الاطاحة بالحكم العسكري بعد ثلاثين عام من الحروب و النزاعات المسلحة و الانتهاكات الجسيمة على صعيد حقوق الانسان و القانون الدولي الانساني. و بعد الانقلاب الذي قادته قيادات الجيش على الحكومة الانتقالية - بالتحالف مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، في 25 إكتوبر 2021، بعد حوالي عام من توقيع اتفاق جوبا للسلام - إذدادت اهمية اعادة النقاش و البحث عن توليفة لانجاز الاصلاح التشريعي و المؤسسي في القطاع الأمني بما في ذلك المؤسسة العسكرية، لضمان انجاز التحول الديمقراطي في السودان، و تأسيس دور للقطاع الأمني يدعم مبادئ سيادة حكم القانون و الديمقراطية و السلام، و لا يتأمر على تلك المبادئ.
لقد وقعت معظم الاطراف المدنية الرئيسية في التحول الديمقراطي وثيقة الاتفاق الاطاري مع المؤسسة العسكرية في الخامس من ديسمبر 2022، بهدف انهاء الانقلاب و استعادة الحكم المدني الديمقراطي في السودان. تم تأجيل الاتفاق بخصوص الاتفاق السياسي النهائي، بعد مناقشة خمسة قضايا مهمة و هي: مسألة تفكيك مؤسسات و منظمات النظام الدكتاتوري السابق، مراجعة اتفاق سلام جوبا، مسالة وضعية شرق السودان، العدالة الانتقالية، و اصلاح المؤسسة العسكرية. واجه التحضير للورشة الخاصة باصلاح القطاع الامني، العديد من الاسئلة الخاصة بمن الذي سيقود الاصلاح في القطاع الامني؟، و كيف ستتم مناقشة قضايا الاصلاح الأجهزة الامنية؟، و ما هي الاجهزة و المؤسسات و الوكالات التي ستخضع للاصلاح؟، و ما هي موضوعات الاصلاح؟، و متى سيتم هذا الاصلاح؟، و غيرها من أسئلة التي مازالت تبحث عن اجابات قبل البدء في جلسات الورشة.
في إطار الاجابة على تلك الاسئلة المتشابكة، من المهم الاشارة الى ان عملية اصلاح القطاع الامني هي مسألة فنية و تتضمن العديد من الاجراءات المعقدة. و كذلك يصح القول، أن مناقشة مسألة إصلاح القطاع الامني في السودان لن تبدأ من العدم فقد أسست الوثائق و الاتفاقيات الانتقالية العديد من الاحكام الخاصة بمسالة اصلاح القطاع الامني خلال الفترة الانتقالية. و من بين تلك الوثائق نصت اتفاقية جوبا بشكل تفصيلي على العديد من الاحكام و المبادئ المهمة الخاصة بالاصلاحات التشريعية و المؤسسية الخاصة بمؤسسات القطاع الامني. بالتالي اصبحت تلك النصوص خير معين في تأسيس مبادئ و إجراءات الاصلاحات المطلوبة على القطاع الامني.
المبادئ التوجيهية لإصلاح القطاع الامني في السودان:
نصت اتفاقية جوبا على العديد من المبادئ التوجيهية لعملية اصلاح و تطوير و تحديث القطاع الامني في السودان (الفصل الثامن – المادة 9) و تلك المبادئ التوجيهية حددت أهداف عملية الاصلاح و المعايير التي يجب اتباعها في عملية اصلاح المؤسسة العسكرية و الاجهزة الامنية الاخرى. و من بين تلك المبادئ التوجيهية ما يلي:
أ) إن إنشاء قوات أمن وجيش وطني واحد تثق به المجتمعات المحلية في جميع أنحاء السودان ، وخاصة في مناطق النزاع ، هو عنصر أساسي في إرساء السلام والأمن والتنمية المستدامة في السودان (المادة 9 (6)).
ب) يجب أن يمر تنفيذ إصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية وغيرها من الخدمات الأمنية / قطاع الأمن بإصلاحات قصيرة وطويلة الأجل لتعزيز أهداف وأحكام اتفاقية جوبا للسلام.
ج) دعم إنشاء قطاع أمني دائم ومهني ومستقل لتحسين قدراتهم وفعاليتهم وحيادهم وشمولهم ومهنيتهم.
د) تعزيز سيادة القانون في السودان وفقا للقانون الدولي وأفضل الممارسات وإنشاء قوات مسلحة تمثل تنوع السودان وقادرة على الدفاع عن السودان ضد الأعداء الخارجيين والحفاظ على سيادة السودان وسلامة أراضيه (المادة 9 ( 7)).
هـ) يجب أن تركز الإصلاحات الأمنية الشاملة طويلة الأجل بشكل خاص على ضمان أن القوات المسلحة السودانية والمؤسسات الأمنية الأخرى ليست موالية لأي حزب أو جماعة أو قبيلة أو منطقة بمفردها ، بل تدين بالولاء لدولة السودان (المادة 9 ( 8)).
ماهي المؤسسات التي تخضع للاصلاح؟
برغم الاتفاقية قد استخدمت العديد من التعابير و المصطلحات و المترادفات التي قصدت منها الاشارة الى القطاع الامني، إلا أنها في الفقرة 12 من المادة 9 نصت على انه يقصد بمصطلح القطاع الامني: المؤسسة العسكرية و الاجهزة الامنية. و للمزيد من التفصيل نصت المادة على المؤسسات و القوات التي تندرج تحت القطاع الامني المقصود في عمليات اصلاح القطاع الامني و ذلك وفق ما يلي: يُقصد بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية (القطاع الأمني) في السودان ما يلي:
- "المؤسسة العسكرية" و تشمل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
- قوات الشرطة السودانية الموحدة.
- دائرة المخابرات العامة.
وفقا لما ورد أعلاه، فان التعريف لا يشمل القوات الغير حكومية و المليشيات التابعة للحركات المسلحة التي وقعت اتفاق جوبا. هذه القوات تخضع لتدابير ببرنامج نزع السلاح و الدمج و التأهيل الذي نصت عليه الاتفاقية في اتفاق وقف اطلاق النار و التدابير الامنية النهائية.
مجالات الاصلاح في قطاع الامن:
لقد توافقت القيادات العسكرية في الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة في الجبهة الثورية السودانية في اتفاق جوبا على عدد من موضوعات اصلاح القطاع الامني. نصت الفقرة 4 من المادة 33 من الاتفاقية على مجالات عامة للاصلاح في المؤسسة العسكرية و الاجهزة الامنية و ذلك وفق ما يلي من بيان:
- تعديل قوانين ولوائح المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.
- تفكيك المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية التابعة للنظام السابق.
- وضع خطة لإصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.
- مراعاة التنوع الديموغرافي في جميع تشكيلات ووحدات المؤسسات العسكرية و الاجهزة الأمنية.
- رفع مستوى التدريب وإيلاء الاهتمام للبحث العلمي كأحد الأدوات الرئيسية لتنمية القدرات الذاتية وتطوير الأسلحة والمعدات.
- تنفيذ العقيدة القتالية للقوات المسلحة السودانية وفق السياسة التدريبية في المعاهد والكليات ومراكز التدريب العسكرية.
نلاحظ ان مجالات الاصلاح التي إقترحتها اتفاقية جوبا للسلام جاءت عامة و لا تتطرق للموضوعات الفنية الدقيقة. و على الرغم من ان الاتفاقية نصت على ان تقوم حكومة السودان بتمويل تلك الاجراءات الخاصة بإصلاح و تطوير و تحديث المؤسسة العسكرية و الاجهزة الامنية، إلا إنها اشارت لدور المجتمع الدولي في تقديم الدعم الفني و المالي لعمليات اصلاح القطاع الامني (الفقرة 7 من المادة 33).
المؤسسات التي ستقود عملية إصلاح القطاع الأمني في السودان:
(أ) دور مجلس الامن و الدفاع و المجلس الاعلى المشترك: تنص المادة 33 من الفصل الثامن (وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية) على ما يلي:
- يضع المجلس ويقر الخطة العامة لإصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ومراقبة تنفيذها.
- إسناد تنفيذ إصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية وسياسات وخطط الأجهزة الأمنية الأخرى إلى المجلس الأعلى المشترك.
- يعقد مجلس الأمن والدفاع اجتماعات دورية لمراجعة تنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية.
بتحليل المادة 33 اعلاه، يتضح بأن مجلس الدفاع و الامن و المجلس الاعلى المشترك، يقومان بالجوانب الفنية المتصلة بتقديم مقترحات الخطط الخاصة بإصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية و لاحقا يتم تنفيذ تلك الخطط بواسطة المكون العسكري في الحكومة بعد اجازتها. و من ذلك نفهم بأن المؤسسات العسكرية تقوم بجزء او جانب من عمليات الاصلاح، و التي حصرتها المادة 33 في تقديم الخطط و التنفيذ. لاحقا سندرس في هذه الورقة الادوار التي تقوم بها بقية المؤسسات في الدولة، و مدى تكامل تلك الادوار مع بعضها البعض.
(ب) دور مجلس السيادة ومجلس الوزراء:
يتولى المجلسان ، من بين مهام أخرى ، مراقبة تنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ خطة الإصلاح والتحديث والتطوير المتفق عليها (المادة 33.2.1).
(ج) دور المجلس التشريعي الانتقالي / الرقابة البرلمانية:
تنص الفقرات 3.1 من المادة 33 من الفصل الثامن من اتفاق وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية على ما يلي: على لجنة الأمن والدفاع في المجلس التشريعي الانتقالي ، من بين مهام أخرى ، أن تولي اهتمامًا خاصًا للإشراف على تنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية و خطة الإصلاح والتحديث والتطوير للمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية.
حقق اتفاق جوبا بلاءً حسنًا عندما أعطى المجلس التشريعي الانتقالي دورًا فعالاً في مراقبة ومناقشة ومتابعة تنفيذ خطة إصلاح وتحديث الخدمات العسكرية والأمنية. تمنح الفقرة 3 من المادة 33 من اتفاقية السلام للجنة الأمن والدفاع التابعة للمجلس التشريعي الانتقالي دورًا أساسيًا في تنفيذ مهمة مراقبة تنفيذ خطة الإصلاح. تعد مراقبة قطاع الأمن دورًا أساسيًا للبرلمانات في الدول الديمقراطية ، حيث إنها تعكس الدور الشعبي في مراقبة تنفيذ السياسات العامة. في الدولة الديمقراطية الحديثة ، يكون المجلس التشريعي على اتصال مباشر ودائم مع المواطنين من أجل عكس رؤاهم أمام الهيئة الشريعية الانتقالية وأن يسترشدوا بمقترحاتهم. بهذه الطريقة ، يمكن لأعضاء الهيئة التشريعية الانتقالية أن يعكسوا اهتمامات وآراء المواطنين فيما يتعلق بالقوانين والسياسات المتعلقة بقضايا الأمن وعرضها على البرلمان عند مناقشة هذه القوانين والسياسات.
الفترة الزمنية المحددة لانجاز الاصلاح:
مع الوضع في الاعتبار التعقيدات التشريعية و المؤسسية و اللوجستية و الفنية، تقرر ان يتم تصميم الخطط لتنفيذ الاصلاحات على المدى المتوسط والقصير (المادة 33-6 من الفصل الثامن). و في ذلك من المتصور ان تصدر إجراءات و تشريعات و سياسيات بصورة سريعة بينما ستخضع عمليات التنفيذ الى تقديرات زمنية متباينة تتحكم فيها الموضوعات المالية و الفنية و اللوجستية. و حجم الاصلاح المطلوب و الجاهزية المتوفرة لدى المؤسسة المعينة قد تؤثر في تحديد المدة الزمنية المطلوبة للاصلاحات المطلوبة. و ضمن ذلك من المتصور أن تخضع بعض المؤسسات العسكرية و الامنية الى الاصلاح بشكل اسرع من غيرها. و يجب أن تركز الإصلاحات الأمنية الشاملة طويلة الأجل بشكل خاص على ضمان عدم ولاء القوات المسلحة السودانية والاجهزة الأمنية لأي حزب أو مجموعة أو قبيلة أو منطقة او جهة، بل تكوم موالية للسودان ( المادة 9.8).

تعزيز التنوع في المؤسسة العسكرية:
بجانب المبادئ التوجيهية أعلاه، نصت اتفاقية جوبا للسلام الى العديد من الاحكام التي تجعل من اصلاح القطاع الامني أكثر شمولاً، و ملبياً لمتطلبات السلام الشامل و المستدام. و من بين تلك الاحكام التي نصت عليه الاتفاقية هي المبادئ المتصلة على تعزيز التنوع الاثني و القبلي و الاقليمي و الجهوي داخل المؤسسة العسكرية و الاجهزة الامنية. من بين تلك المبادئ التي اتفق بخصوصها الاطراف الموقعة على اتفاق سلام جوبا، ما يلي:
- تعزيز التنوع السكاني والاجتماعي واستخدام سياسات تكافؤ الفرص عند الالتحاق بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى، مع تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي لصالح المناطق المتضررة من الحرب (المادة 9 الفقرة 13)
- أن يشمل الاصلاح ضمان تمثييل جميع ابناء و بنات السودان في كافة مستويات المؤسسة العسكرية من القاعدة الى القيادات العليا (المادة 33 الفقرة 5)
- إن إصلاح و بناء وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية يجب أن يشمل إيلاء دور فاعل للمرأة داخل هذه المؤسسة، وبخاصة في الوحدات الفنية (المادة 33 – الفقرة 5)>
إصلاح القطاع الامني في توصيات مؤتمر تجديد عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989:
- انعقد مؤتمر تجديد عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 في الفترة من 9 - 12 يناير 2023 في قاعة الصداقة في الخرطوم. و هذا المؤتمر هو الاول من مجموع خمس مؤتمرات الهدف منها تجسير العملية السياسية من خلال توافق سياسي عريض. تكمن أهمية هذا المؤتمر في أنه يهدف الى دعم التحول الديمقراطي بازالة كل مؤسسات و منظمات الدكتاتورية و الفساد الذي كان سائدا قبل ابريل 2019. حظي مؤتمر التفكيك بحضور سياسي و اعلامي و دولي كبير، و بمشاركة واسعة و متنوعة من كل مكونات المجتمع.
- خلصت المؤتمر الى عدد التوصيات الختامية، نتناولها كما يلي:
اولا: التوصيات العامة:
- بجانب توصيات أخرىن خلص المؤتمر الى مجموعة من التوصيات العامة، من بينها توصيتين ذات صلة باصلاح المؤسسة العسكرية. نصت التوصيتين (8) و (9) على الاتي:
- التوصية (8): التأكيد على أن مهمة و إختصاص تفكيك عناصر البائد داخل القوات النظامية يجب أن يكون مشمولاً في قانون التفكيك. يشمل إختصاص التفكيك تعديل القوانين الخاصة بأي مؤسسة في القطاع الامني. و تشمل عمليات التفكيك إزالة عناصر المؤتمر الوطني ( الحزب الحاكم في عهد الدكتاتورية) من القوات النظامية.
- التوصية (9): أن تنص الأحكام المتصلة باصلاح المنظومة الامنية و العسكرية على صياغة واضحة و جلية تحدد المهام و الاختصاصات و أليات إزالة عناصر النظام الدكتاتوري في القوات النظامية.
ثانيا: المعايير:
- المعيار (1 - ج): تشمل معايير الفحص للعاملين في القطاع الحكومي، و التي بموجبها يخضع الموظف لاجراءات التفكيك، أن يكون الشخص قد شغل وظيفة قيادية في نظام الثلاثين من يونيو 1989 او واجهاته او المشاركة في الحروب و النزاعات المسلحة. و هذا المعيار يستثني الموظفين و الضباط الصغار و الجنودالذين لم يشغلوا مناصب قيادية او لم يكونوا في مواقع صناعة القرارات.
ثالثا: أولويات إستكمال التفكيك:
- الاولوية (2- ب): تفكيك الشركات المرتبطة بتمكين النظام البائد و شركات المنظومة الامنية لنظام ال 30 من يونيو 1989 وواجهاته.
- الاولوية (2 - ج): الاصول و الشركات التي تم ضمها الى المؤسسات العسكرية و الامنية بعد ابريل 2019 حتى تاريخ اليوم.
- هذه التوصيات الختامية لمؤتمر تجديد عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 و الخاصة باصلاح القطاع الامني مهمة جداً لانها تعكس المشاركة المدنية في اصلاح القطاع الامني. و بالفعل نجح المؤتمر في الاستماع الى رؤية المواطنين بخصوص قضايا التحول الديمقراطي، و الدور الذي يجب ان تقوم بها المؤسسات الامنية للحفاظ على المسار الديمقراطي لشعب السودان.
رابعا: إستعادة الاصول و الاموال المنهوبة:
- الاجراء (2 - ي): تأمين و حماية الاصول المستردة بصورة كاملة على أن يكون أمر تنفيذ قرارات لجنة التفكيك مع الاستعانة بالمؤسسات العسكرية و الامنية. هذا الاجراء يشمل استعادة المؤسسات التي استولت عليها المؤسسات العسكرية.
الختام:
يجب أن يهدف إصلاح قطاع الأمن في السودان إلى تعزيز الانتقال الديمقراطي والسلمي وتعزيز حوكمة وقدرات قطاع الأمن. كان قطاع الأمن مكونًا نشطًا في النظام السابق وكان متورطًا بشكل كبير في انتهاكات حقوق الإنسان. و حتى تكون المؤسسة العسكرية و الوكالات الامنية عامل فاعل في تعزيز التحول الديمقراطي و حامية لحقوق الانسان و الكرامة ءفي السودان من المهم إجراء إصلاح بنيوي مفاهيمي في المؤسسة العسكرية. الاصلاح الذي يستجيب لمتطلبات بناء الديمقراطية في السودان يتطلب إنشاء نظام قطاع أمني مهني ومستقل و تحسين قدرته وفعاليته وحياديته وشموليته ومهنيته. بجانب ذلك، تتطلب معايير الحكم الراشد تعزيز سيادة القانون في المؤسسات الامنية باتباع القانون الدولي وأفضل الممارسات وإنشاء قوات مسلحة تمثل تنوع السودان وقادرة على الدفاع عن السودان ضد الأعداء الخارجيين والحفاظ على سيادة السودان وسلامة أراضيه.
تقدم الوثيقة الدستورية و اتفقية جوبا إطار عمل لإصلاح القطاع الأمني لاستدامة السلام والديمقراطية في السودان. تطبق الوثيقتان نهج الضبط و التوازن من خلال جعل عملية إصلاح القطاع الأمني أكثر شمولاً ، حيث تشارك المكونات المدنية الأخرى في الحكومة الانتقالية في عملية إصلاح القطاع الأمني إلى جانب المؤسسة العسكرية. يتضمن هذا النهج مبادئ المساءلة والرقابة والتنوع ويتوخى إصلاحات لإدارة وتحديث المؤسسات العسكرية والأمنية.
وبما أن الوثيقتين كانتا نتيجة مفاوضات كان الجيش طرفاً فيها ، فيمكن الافتراض أن هذه البنود هي نقطة انطلاق مناسبة لتحقيق الإصلاح الأمني دون أي عقبات.

advosami@hotmail.com

 

آراء