إضاءات حول تجربة الحركة النسوية بالسودان

 


 

 

إن الحركة النسوية بالسودان كانت مدار نقاشات طويلة بين تيارات فكرية مختلفة بعد ظهورها فى منتصف القرن الماضي ، فالنساء بالسودان يمثلن أكثر من 50 % من نسبة سكان السودان.
إن النساء السودانيات لعبن دوراً بارزاً في مقاومة الإستعمار والأنظمة الدكتاتورية التي أعقبته ، ناهضن القوانين التعسفية الجائرة التي تميز وتهين وتحط من شأن المرأة وكرامتها ، وقاومن قيود المجتمعات وسلب الحقوق والحريات.
بعيد إنقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989م ، قاومت المرأة السودانية مشروعه الإسلاموعروبي وقوانينه المذلة ، وواجهت صلف النظام وآلته القمعية بلا هوادة ، وقد كانت من أبرز ضحاياه ، وتعرض للقتل والسجن والإعتقال ، ومورس بحقها سياسة الإغتصاب لا سيما في مناطق النزاعات بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، ولكن لم تنكسر لها إرادة ولم تلين لها عزيمة.

ظهرت العديد من التنظيمات والتجمعات النسوية التي تنادي بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل ، وقد دخلت المرأة السودانية المعترك السياسي باكراً إلا أن مشاركتها في مؤسسات وأجهزة الدولة دون المستوي رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها في سبيل التغيير وإشعال شرارة الثورة ، وهي من أكبر المتضررين من النظم الإستبدادية ، لجهة تعرضها للعنف بكافة أشكاله من قتل وإغتصاب جماعى وفردى ، والأذي النفسي والبدني ، والتعذيب فى المعتقلات ، والحبس دون محاكمات ، والتشريد من الخدمة العامة ، والنزوح واللجوء بسبب الحروبات وغيرها.

إن النساء السودانيات قد ساهمن في الحراك السياسي قبل إستقلال السودان 1956م وبعد ثورة ديسمبر المجيدة 2018م بفاعلية كبيرة ، وكان لهن القدح المعلي في مناهضة كافة أشكال الظلم والقهر عبر مختلف الوسائل منها : المشاركة فى التجمعات والحراك الشعبي ومواكب التظاهرات بصورة فردية أو جماعية ، وعبر الدعم المادى والإعلامى والطبى والحقوقي وخلافه.

●لمحة عن تأريخ الحركة النسوية بالسودان :

المتتبع لتأريخ تبلور الحركة النسوية بالسودان يلحظ بأنها لا تسير وقع الحافر بالحافر كما يقال مع مراحل تبلور الحركة النسوية في مصر مثلاً والذي حظى بدراسة كثيفة وواسعة ـ مثلما ذكرتها الدكتورة مارجو بدران في كتابها (فتح المداخل ـ قرن على الكتابات النسوية العربية) ، وإن كان متأثراً بها ، فمرحلة التبشير بالوعي النسوي ـ هي المرحلة الأولى من مراحل نشأة المنظمات النسوية ، فكان الشيخ بابكر بدري أول من فتح مدرسة لتعليم البنات بالسودان في العام 1906م بمدينة رفاعة بوسط السودان ، وقد جوبهت هذه الخطوة برفض إجتماعي حاد وحملة إعلامية عنيفة في الصحف السودانية آنذاك ، بدعوى أنها خطة إستعمارية تستهدف طمس الهوية العربية الإسلامية ومسخ العادات والتقاليد السودانية ، ودعوة للفساد بإخراج النساء من منازلهن ، ولكن بمرور الوقت تم تقبل هذا الأمر بعد أن قام عدد من المثقفين السودانيين (كلهم من الرجال) بقيادة حملة الدفاع عن حقوق النساء في التعليم والمشاركة السياسية ، منهم: عرفات محمد عبد الله والشاعر عبيد عبد النور الذي أصبحت قصيدته " يا أم ضفائر قودي الرسن أهتفي فليحيا الوطن " شعاراً للمظاهرات ضد الإحتلال الإنجليزي ، وغيرهما من المثقفين السودانيين.

●مرحلة الجمعيات النسائية الخيرية:

في هذه المرحلة قد إختلطت نشأة الحركة النسوية السودانية بالمرحلة الثالثة والتي تكونت فيها منظمات نسوية مدافعة عن حقوق النساء السياسية والنقابية وغيرها ، إذ نشأت معظم هذه المنظمات في فترة الأربعينيات وهي نفس فترة نشأة الأحزاب السياسية ، وقد ظهرت فكرة (نادي الخريجات) كأول منظمة نسوية سودانية في عام 1914م إلا أن الحرب العالمية الأولى وتداعياتها حالت دون إفتتاحه في ذلك الوقت ، وقد تم إفتتاحه بعد نهاية الحرب ، وضم في عضويته عدد من خريجات المدارس ، ثم تكونت رابطة المرأة السودانية برعاية الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) في عام 1946م ، وفي أوائل عام 1947م نشأت جمعية المرأة التي يُتهم الإستعمار بإنشائها ، وفي نفس العام تمكنت الممرضات السودانيات وللمرة الأولى من الإشتراك في نقابة الممرضين السودانيين ، وفي العام التالي أي عام 1948 تقدمت عدد من مدرسات المدارس الأولية بطلب لسلطات الإحتلال للسماح لهن بتكوين نقابة ، وقد رفضت السلطات ذلك الطلب وسمحت لهن بتكوين إتحاد ثقافي حولته قيادته في عام 1949م إلى نقابة ظلت تعمل منفصلة عن نقابة المعلمين. في عام 1950م تكونت جمعية خيرية بمدينة الأبيض من بعض زوجات الموظفين والتجار ، وفي يناير 1952 نشأ الاتحاد النسائي من عدد من عضوات رابطة المرأة السودانية سابقة الذكر، بالإضافة إلى بعض القيادات الأخرى ومن ضمنهن أول طبيبة سودانية الدكتورة خالدة زاهر ، وفاطمة أحمد إبراهيم أول برلمانية سودانية ، وحاجة كاشف وثريا أمبابي والدكتورة سعاد الفاتح وغيرهن من السودانيات النشاطات في مجال العمل العام ، ومن المعلوم أن ثريا أمبابي و الدكتورة سعاد الفاتح من كوادر الجبهة الإسلامية واللائي إنشققن وغيرهن عن الإتحاد النسائي في عام 1964م.

● فترة السودنة (1953-1955):

عرفت مرحلة إنتقال السلطة من الحكم الإستعماري إلى أيدي السودانيين عقب التوقيع علي إتفاقية الحكم الذاتي في 12 فبراير 1953م بفترة السودنة ، وقد شهدت هذه الفترة حملة قوية لحصول النساء على حقوقهن السياسية قادها الإتحاد النسائي بعد قراره في عام 1953م المطالبة بالحقوق السياسية للنساء ، وكانت نتيجتها حصول خريجات الجامعة والثانوي فقط على حق الإنتخاب دون الترشيح.
كما شهدت هذه الفترة بداية العلاقة بين الحركة النسوية العالمية والحركة النسوية السودانية بإنضمام الإتحاد النسائي إلي عضوية الإتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في عام 1954م ، وإلى الإتحاد النسائي العربي وكذلك الإتحاد النسائي الأفريقي.
في عام 1955م صدرت مجلة ( صوت المرأة ) وكانت صاحبة الإمتياز فيها الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم ، وبالرغم من ملكيتها الخاصة إلا أنها كانت تعبر عن أراء مواقف الإتحاد النسائي.

● فترة الديمقراطية الأولى ( 1956 ـ 1958) :

إنحصر نشاط المنظمات النسوية القائمة في هذه الفترة في النضال من أجل حصول النساء على حقوقهن السياسية ، والنص عليها في الدستور، الذي انشغلت الساحة السياسية في السودان بالنقاش حوله في تلك الفترة ، وتكونت اللجنة القومية للدستور ، وللأسف لم تحوي في عضويتها على أي عضو من النساء!.

●فترة العسكري الأول ( 1958 ـ 1964) :

قام نظام عبود الذي إنقلب على الديمقراطية الأولى في نوفمبر 1958 ، بحل جميع منظمات المجتمع المدني في السودان ، بما فيها الإتحاد النسائي ، ولكنه لم يستطع مصادرة مجلة (صوت المرأة) المعبرة عن مواقف الإتحاد بإعتبارها ملكية خاصة ، وقد لعبت المجلة دوراً هاماً في إستمرار عمل الإتحاد أثناء تعطيله عن العمل رسمياً وأوصلت صوته ومواقفه إلي الجميع ، وقد تركز نشاط الإتحاد في هذه المرحلة على العمل السياسي والمشاركة في مناهضة الحكم العسكري.
يختلف تأريخ نشأة الجبهة النسائية التي أسستها الأخوات المسلمات اللائى إنشققن عن الإتحاد النسائي كما سبق القول ، بينما يؤرخ كتاب "(الحركة النسائية العربية ) لنشأتها قبل ثورة إكتوبر 1964م ويتهمها بالتعاون مع النظام العسكـري الأول ؛ يذكر كـتاب (المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في السودان) للدكتور حيدر إبراهيم ، أن الأخوان المسلمين قاموا بتشكيلها بعد ثورة 1964م.

●فترة الديمقراطية الثانية ( 1964 ـ 1969) :

إستطاع السودانيون إسقاط نظام الجنرال عبود في 21 أكتوبر 1964م عبر العصيان المدني والمظاهرات الشعبية التي شاركت فيها النساء بشكل فعال ، كما يروي شهود العيان آنهن قد قاومن بضراوة وشراسة وإعتلين الدبابات التي إنتهكت حرم جامعة الخرطوم ، ونتيجة للمشاركة الواسعة للنساء في ثورة إكتوبر أستطعن الحصول على حق الترشيح وحق التصويت أيضا لجميع السودانيات بلا إستثناء ، بعد أن كان حق التصويت فقط قصراً على خريجات الثانوي والجامعة ، كما فتحت الأحزاب السودانية عضويتها لهن لأول مرة في تأريخها ، عدا الحزب الشيوعي الذي ضم في عضويته نساء منذ تكوينه في 1946م.
في عام 1965م ترشح إثنتين من السودانيات لإنتخابات الجمعية التأسيسية هما: ثريا أمبابي وفاطمة أحمد إبراهيم التي تمكنت من الدخول إلي الجمعية.
ثم تكونت لجنة الدفاع عن حقوق المرأة العاملة من الإتحاد النسائي ، ومجلس العاملين الذي يضم إتحاد نقابات العمال ، والمعلمين ، والموظفين ، وإتحاد الطلاب ، منظمات الشباب ، والتي تقدمت اللجنة في مطالبها حتى تم إدخال الموظفات في الخدمة المعاشية في سبتمبر 1968م ، كما تم تعديل قانون المخدم والمستخدم لمنح النساء العاملات إجازة وضوع بأجر كامل لمدة شهر قبل الولادة وشهر بعد الولادة بعد مضي سنة من الخدمة.
ونشطت في هذه الفترة بعض الجمعيات النسوية الأخرى مثل رابطة المرأة الجامعية.

●الحكم العسكري الثاني ( 1969 ـ 1985) :

قوض الإنقلاب العسكري الثاني الذي قام به النميري في 25 مايو 1969م التجربة الديمقراطية الثانية في السودان ، وقام الإتحاد النسائي بتأييده في ذلك الوقت ، ولكن عندما بدأ النظام في معادة الشيوعيين عام 1970م ، هجم أيضا على الإتحاد النسائي بإعتباره واجهة للحزب الشيوعي السوداني وتم حله ، وفي عام 1971م تم فصل عضواته من العمل وإعتقال بعضهن وزج بهن في السجون، فأصبح الإتحاد يعمل بصورة سرية شأنه شأن التنظيمات السياسية والنقابية الأخرى ، وتركز نشاطه في مقاومة النظام الحاكم.
تحت مظلة نظام النميري أُعلن عن قيام إتحاد نساء السودان الذي تزعمنه كل من حاجة كاشف ، فاطمة عبد المحمود ، آمال عباس ، خدوم عوض وأخريات ، كما شكل النظام أمانة المرأة ضمن الهيكل التنظيمي للإتحاد الإشتراكي التنظيم السياسي الأوحد في تلك الفترة.
وفي عام 1975م نشأت أول جمعية علمية تهتم بالدراسات النسوية ولم تكن جمعية مطلبية أو إجتماعية ، وهي جمعية بابكر بدري لدراسات المرأة.

●فترة الديمقراطية الثالثة ( 1985 ـ 1989) :

عقب سقوط نظام النميري إثر الإنتفاضة الشعبية في عام 1985 ، عاد الإتحاد النسائي للعمل العلني بعد إتاحة الحريات العامة ، وفي نفس العام تكون إتحاد النساء الديمقراطي من عدد من عضوات حزب البعث العربي الإشتراكي وعدد من المستقلات ، وقامت بعض الأحزاب بإنشاء أمانات خاصة بالنساء ، كما نشطت الجمعيات النسوية العلمية ، فعقدت جمعية بابكر بدري لدراسات المرأة مؤتمراً دولياً عن الخفاض ( المرأة الأفريقية تتكلم عن الخفاض في العام 1985م ) ، وبرزت كثير من الوجوه النسائية في مختلف الساحات السياسية والنقابية والثقافية والأكاديمية.

●الحكم العسكري الثالث (1989ـ ) :

في 30 يونيو 1989م أطاحت الجبهة الإسلامية بالنظام الديمقراطي في السودان ، وقامت بحل جميع التنظيمات السياسية والنقابية والإتحادات النسوية والمنظمات الأخرى ، وعاد الإتحاد النسائي مرة أخرى للعمل السري وتشردت كوادره بين القاهرة ولندن ؛ ولم يسمع لإتحاد النساء الديمقراطي أي صوت خلال تلك الفترة ، وقام النظام الحاكم بتكوين الإتحاد العام للمرأة للسودانية الذي ضم في عضويته رموز وقيادات الجبهة النسائية التي أشرنا إليها سابقاً ، كما تشكلت عدد من الجمعيات الموالية له مثل نهضة عزة وغيرها ، والتي تعتبر مهمتها الأولى هي التعبئة السياسية للحرب الدائرة في الجنوب والمساهمة في حشد قواها والإسهام في تمويلها عبر أنشطة زاد المجاهد وأخوات نسيبه وغيرها.
وفي العام 1992م نشأ التجمع النسائي السوداني الذي يضم في عضويته بعض الناشطات السياسيات المعروفات مثل السيدة سارة نقد الله ، ونعمات مالك وغيرهن ، وفي عام 1993م سير التجمع مسيرة لتسليم مذكرة إلي مكتب الأمم المتحدة بالخرطوم ورئاسة الوزراء إحتجاجاً على الزج بطلاب المدارس في ساحات القتال الدائر في الجنوب ، دون علم ذويهم في بعض الأحيان، فتصدى النظام بعنف لتلك المسيرة السلمية ، وقدم بعض المشاركات فيها لمحاكمة فورية ، حكمت بجلدهن في ساحة عامة ، كما لم يتم تنفيذ الجلد بواسطة السلطة المختصة بتنفيذ الأحكام بل قاموا بأمر السجينات في قضايا بيع الخمور والقضايا الأخلاقية بتنفيذ الجلد بحق المشاركات في المسيرة ، بل إنه تم جلد سيدات يفوق عمرهن الستون عاماً ولهن مكانتهن المرموقة في المجتمع مثل الأستاذة سعاد أحمد إبراهيم الأستاذة الجامعية المعروفة والتي تعد من أوائل السودانيات اللائى عملن في سلك التدريس الجامعي.
في عام 1994م تم تكوين الإتحاد النسائي الإسلامي العالمي بجهود واضحة للإتحاد العام للمرأة السودانية وقد جمع لهذا الحشد كل المنظمات النسوية التي أفرزها تيار الإسلام السياسي.
وفي منتصف التسعينات أُنشأت بعض أقسام الدراسات النسوية في جامعتي الخرطوم والأحفاد بهدف إجراء البحوث والدراسات عن أوضاع النساء في السودان بغرض الحصول على الدرجات العلمية.

● دور الحركة النسوية فى مناهضة نظام الإنقاذ:

كان ولا يزال للنساء السودانيات دوراً كبيراً وفاعلاً فى مواجهة نظام الإنقاذ لسبب رئيسى وهو أن إستمرار وجوده يعنى إنهن أمام خيارين لا ثالث ، أما أن يفنين أو أن يعشن خاضعات ذليلات فاقدات للطموح وروح الحياة ، وهذين الخيارين مردهما هو تكوين النظام الفكرى و ممارساته بشكل عام تجاه المواطن السودانى وتجاه النساء بشكل خاص ، لذا كانت المواجهة النسوية مع هذ ا النظام فى عدة أشكال مع فترات الإنقاذ المختلفة ، وهي كالتالي:

●المرحلة الأولى:

وهى منذ مجئ الإنقاذ بإنقلاب عسكرى فى يونيو 1989 وحتى قبيل توقيع إتفاقية السلام الشامل 2005م ، فقد كانت المواجهة النسوية للنظام تتم عبر التنظيمات السياسية المعارضة وتجمعاتها وعبر المواجهة الفردية من خلال الصدام مع أجهزة النظام الأمنية مثل المواجهات التى تتم مع العاملات فى المجتمع المدنى والمجال الصحفى ، وأيضا مع النساء العاملات فى القطاع غير المنظم ( مثال بائعات الشاى والأطعمة ) وكذلك العاملات فى الأماكن العامة ، وقد كان المقاومة النسوية لرجال الشرطة والأمن بشكل مباشر وما يستتبع تلك المواجهات من عنف قد يصل للموت أو الإغتصاب أو الحبس بدون محاكمات ، وبقوانين إستثنائية مثل قانون النظام العام لولاية الخرطوم والذى توجد قوانين مشابهة له فى الولايات بصورة أو بأخرى ، وكان كل ما سبق حيزه الجغرافى هو المدن الكبرى ، أما في الأطراف وخارج المدن الكبرى فقد دارت الحروب ضد نظام الإنقاذ لذا كانت المواجهة أعنف ، وقد إستخدام النظام سلاح الإغتصاب بحق النساء فى دارفور علي نطاق واسع بعد إندلاع الكفاح المسلح في 2002م ، لذا نجد أن نساء الأرياف قد عانين أكثر من نساء المدن ، وكلهن فى المدن والأرياف عانين فى حياتهن اليومية من تردى الخدمات الصحية والتعليمية وعدم توفر المياه والكهرباء وإن كانت معاناتهن بمستويات مختلفة.

●فترة الإنقاذ الثانية :
بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل وحتى إستقلال جنوب السودان ، كانت المقاومة النسوية للنظام تتم بشكل مختلف فى المدن عما سبق، فتوقيع الإتفاقية أتاح فرصة للعمل الجماعى بشكل أكبر فى كل الأشكال التنظيمية ، كما تم تجميع لجهود العمل الفردى فظهرت حركات إحتجاجية مختلفة مثل ( لا لقهر النساء) و هى حركة احتجاجية نسوية ، و (حركة قرفنا) وهى حركة احتجاجية سياسية تسعى لإسقاط النظام عبر الوسائل السلمية ، وفى المدن الكبرى عموما قلًت مواجهات الأجهزة الأمنية مع البائعات فى القطاعين المنظم وغير المنظم ولو ظاهرياً ، ولكن إستمر العنف نفسه من قتل وإغتصاب وأحكام بالجلد ومحاكمات مثل (قضية وفاة بائعة الشاى عوضية عجبنا فى ميدان جاكسون بعد مطاردة الشرطة لها ، قضية لبنى أحمد حسين ، قضية سلفيا ، قضية صفية إسحاق ، ومحاكمة أمل هبانى ) ، أما خارج المدن المدن الكبرى فقد تجددت الحرب فى الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان و إستمر تردى الخدمات الأساسية ، وفى دارفور قد فشلت كل الإتفاقيات الموقعة فى تحقيق السلام الكامل الذي يوفر الإستقرار ويوقف القتل اليومي.

●فترة الانقاذ الاخيرة:

وهى الفترة الممتدة من بعد إستقلال الجنوب وحتى الآن ، فقد وصلت الأزمة لمداها ، من حرب فى النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور ، وتدهوراً في الوضع الإقتصادى بصورة متسارعة ، وإزدياد معدلات التضخم وإرتفاع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار ، وزاد القمع الممنهج للحريات السياسية والإجتماعية ، وأصبح الفساد الحكومى بائن لكل مواطن ، وإرتفعت الفروقات بين الأغنياء والفقراء ، والمحصلة النهائية هى دولة فاشلة بامتياز ، مما أثر على كل المواطنين رجالاً ونساءًا ،
وفى هذه الفترة زادت أوضاع النساء فى المناطق خارج المدن الكبرى سوءًا ، بعد فترة ظن فيها الجميع أن الأمور ستتحسن ، أما فى المدن الكبري فقد زاد تردى الخدمات بشكل عام وإزداد الإحتقان السياسى وزاد تضييق الأجهزة الامنية على التنظيمات بكافة أشكالها ، سياسى ومهنى وإحتجاجى ومجتمع مدنى وصحافة ، وتعرض النشطاء لمضايقات وملاحقات ، وكان نصيب النساء من هذه الممارسات هو الأكبر ، فتعرضن لأشكال متعددة من العنف من محاكمات وإستمرار للقوانين المهينة مثل قانون النظام العام وما يترتب عليه من محاكمات جائرة وممارسات تحض من الكرامة الإنسانية من قبل الأفراد الممارسين له ، وفى الإحتجاجات الأخيرة تعرضن للضرب والسجن والملاحقة ، وتم تسجيل حالات إغتصاب للنساء والشباب في داخل المعتقلات وخارجها كما حدث في موكبي 19 و 25 ديسمبر 2021م ، ومع ذلك لقد كن مميزات فى خطابهن وعبرن بشكل حقيقى عن مشاكل السودان والنساء السودانيات بشكل خاص، وكانت لهن مساهمة مقدرة عبر التنظيمات والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى، وقد شاركن بفعالية فى الحراك السودانى بالخارجد حيث شاركن فى تنظيم المظاهرات والوقفات الإحتاجاجية.

إن الحركة النسوية السودانية علي مر تأريخها قد حققت إنجازات عدة مثل نيل الحقوق السياسية للنساء ودعم العمل الإجتماعى ومحاربة العنف ضد النساء بكافة أشكاله إلا أن الحركة النسوية قد وجدت نفسها أمام تحدى كبير بعد مجئ نظام الإنقاذ ، ووجدت نفسها فى مواجهة نظام يحط من مكانة المرأة ويعمل على قمعها بشكل ممنهج ، كان ومازال يتم ذلك عبر عدة طرق وعبر ترسيخ الصورة النمطية للنساء كفاقدات للحيلة وتابعات للرجال و ذلك عبر وسائل الإعلام والمناهج التربوية ، وتم القمع الممنهج أيضا من خلال العنف الممارس من قبل الأجهزة الأمنية على الناشطات فى المجتمع المدنى والتنظيمات السياسية والصحافة ، بكل الطرق من تشويه لصورتهن أمام المجتمع ومن عنف لفظى وعنف جسدى وعنف جنسى ، وممارسة منهجية للإغتصاب.
بدأت تتشكل حركة نسوية سودانية جديدة بمفاهيم ورؤى وأدوات للعمل تختلف عن سابقاتها ، فقاد قامت الناشطات بتنظيم أنفسهن فى أشكال جديدة تعبر عن مطالبهن والقيام بالتظاهرات وقت حدوث أى إنتهاكات صارخة ضد النساء من قتل أو أغتصاب أو غيرها ، وعبر تقديم الدعم الإجتماعى للضحايا وأسرهن ، وقد تزامن ذلك مع ظهور عدد كبير من القياديات الشابات وسط التنظيمات السياسية والحركات الإحتجاجية والمجتمع المدنى السودانى ، قياديات مسلحات بالعلم والمعرفة ، وعدد منهن حاصلات على دراسات عليا فى المجالات النسوية المرتبطة بقضايا المجتمع مثل قضايا السلام والتنمية وحقوق الإنسان ، وبعضهن له إرتباط بالحركات النسوية والشبابية الإقليمية والدولية.

●التحديات التي تواجه الحركة النسوية السودانية:

إن الخطاب النسوي مواجه بعدة تحديات ثقافية ومجتمعية، حيث تنطلق النسوية من عدة مدارس فكرية متباينة إنطلاقًا من التوجهات والأفكار السياسية والعقائد التي تحملها النساء، بناءً على خلفية المرأة الثقافية والفكرية ،ما يجعل من الصعب تحديد هوية واحدة للخطاب النسوي ، مع إتفاق جميع الخطابات النسوية على رفض العنف القائم على النوع، والمطالب العادلة التي ترفعها الكيانات النسائية مثل المشاركة السياسية للمرأة ، ونأمل أن تشهد الحركة النسوية خلال الفترة المقبلة عملاً داؤوباً من أجل إيجاد حلول حقيقية لقضايا المرأة والسودان ، وأن يتم إبتكار أساليب جديدة لإنتزاع الحقوق ، تمزج بين عصرية الطرق الإحتجاجية من وقفات ومذكرات إحتجاجية وإستغلال أفضل لسلاح الإعلام والإستفادة من منصات التواصل الإجتماعى (الإعلام البديل) وإستخدام الفنون وغيرها من الوسائل والآليات ، وبين إستخدام الوسائل القديمة من ندوات ومنشورات ، والعمل علي ربط قضايا المرأة السودانية سواء كانت في الريف أو المدن ، مع العالم الخارجى والحركة النسوية العالمية.

 

■مراجع:
1. خصوصية واقع المرأة السودانية - تاج السر عثمان.
2. ويكيبديا.
3. تدوينات من الشبكة الشبكة العنكبوتية.

//////////////////////////////

 

آراء