إعمار الخرطوم وقدوم البشرى

 


 

 

نعى صديقنا العالم المحقق البروفيسور أحمد إبراهيم ابو شوك استاذ التاريخ بجامعة قطر مؤخراً، أستاذنا الراحل البروفيسور سيد البشرى ١٩٣٥ -٢٠٢٣م، استاذ الجغرافيا والعمارة الحضرية معاً بجامعة الخرطوم، الذي انتقل الى جوار ربه الكريم في بحر هذا الشهر، مأسوفاً على رحيله من قبل اسرته وآله وذويه بالطبع، الى جانب عدد كبير من زملائه واصدقائه وتلاميذه بمختلف اجيالهم بكليات الاداب قسم الجغرافيا سابقاً، والجغرافيا وعلوم البيئة حالياً، بل بكلية الهندسة والعمارة بجامعة الخرطوم خاصة.
لقد جاء نعي البروفيسور ابو شوك للراحل البروفيسور البشرى في الواقع على نحو جذاب وغير تقليدي بصورة واضحة. فمن حيث اللغة والاسلوب، عمد ابو شوك الى استخدام التورية بصورة بديعة، على الرغم من غلالة الحزن الشفيف التي توشحت به تلك التورية. ذلك بانه قد اتخذ لمقاله التأبيني عنواناً هو: " حرب الخرطوم ورحيل البشرى ! ". أما حرب الخرطوم ، فإنها هذه الحرب التي جثمت بكلكلها الثقيل على السودان كله باشيائه وأحيائه وما تزال. وأما عبارة: رحيل البشرى، فهي بيت القصيد بالفعل، وللقارئ ان يفهم منها ان حرب الخرطوم قد آذنت برحيل البشرى والفأل الحسن عنها وعن السودان قاطبةً، وهذا هو المعنى البعيد، ولكن المعنى الذي عناه الكاتب ، هو رحيل البروفيسور سيد البشرى إلى دار الخلود ، في جنة عرضها السماوات والارض بإذن الله.
وأما لا تقليدية نعي البروف احمد ابو شوك للمرحوم بروفيسور سيد البشرى، فقد تجلى في كون أنه قد انطلق من حقيقة أن الراحل بروفيسور البشرى قد كان متخصصا في الجغرافيا البشرية والحضرية، وأن أطروحته للدكتوراه في هذا العلم التي أنجزها في جامعة لندن في عام 1970م، قد دارت حول موضوع التخطيط العمراني والحضري لمدينة الخرطوم الكبرى، لكي يطوف بنا هذا المؤرخ الحاذق، في سياحة علمية ومعرفية باذخة عن تاريخ مدينة الخرطوم، منذ الشواهد الاولى على اتخاذها موقعا استيطانيا بشريا في العصر الحجري، مروراً بسائر مراحل تطورها عبر الحقب التاريخية المتعاقبة، والى تاريخ اختيارها عاصمة للسودان في نحو عام 1824/ 1825م بواسطة عثمان بك شركس حكمدار عام السودان في اوائل عهد الحكم التركي المصري للبلاد 1821 - 1885م.
وبهذا يشهد العامان المقبلان 2024 و 2025م مرور قرنين بالتمام والكمال على اتخاذ الخرطوم عاصمة للسودان. وقد كنت في الواقع قد نشرت قبل بضعة اعوام من الان، مقالا بعنوان: " هذه المئويات التي باتت تظلّنا "، وكان من ابرز ما نوهت به بين تلك المئويات المعنية، المئوية الثانية للخرطوم عاصمةً للسودان، ودعوت المعنيين الى التفكير منذ نحو سبع او ثماني سنوات للتفكير الجاد ، واعداد العدة لتنظم مهرجان كبير للاحتفال بذلك الحدث المهم في تقديري، مستصحباً جميع الابعاد والمحاور العمرانية والحضرية والخدمية والسياحية والثقافية والمعرفية والفنية والاقتصادية والتجارية وهلم جرا. وطبعا لم يقل لي أحد رحم الله أباك، كما تجري بذلك عبارتنا التراثية، حتى حلت الذكرى المقصودة أو كادت، ثم حدث ما حدث، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !.

 

آراء