إفريقيا : البحث عن المدينة الفاضلة …. بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
د. حسن بشير
6 July, 2009
6 July, 2009
انفض اجتماع القادة الأفارقة الذي انعقد بمدينة سرت الليبية بدون أي مفاجآت. مارس الزعيم الليبي معمر القذافي ضغوطا كبيرة من اجل اقرار مؤسسات السلطة الافريقية التي من المفترض ان تحل محل المفوضية القائمة للاتحاد الافريقي. كما سعي الزعيم الليبي الي توسيع عضوية الاتحاد الإفريقي لتضم دولا من الكاريبي في سابقة تعد الاولي من نوعها في لعالم ‘ ذلك علي خلفية انتماء نسبة كبيرة من سكان تلك الدول الي إفريقيا حسب جذورهم العرقية. لكن دول إفريقيا الكبري لم توافق علي تلك الرؤية. انتهت القمة اذن دون الاتفاق حول " الحكومة الإفريقية " الممهدة لمشروع الولايات المتحدة الإفريقية. من العادة ان تسيطر الجوانب السياسية و النزاعات علي أجندة القمم الافريقية و بالتالي من المستغرب ان تصل الدول ال 53 المكونة للاتحاد الافريقي الي إقرار مؤسسات مشتركة مثل تلك المعمول بها في الاتحاد الاوربي. يعود ذلك الي ان النزاعات و الصراعات الداخلية و ما بين دول القارة تعوق الوصول ألي أي تعاون جدي و مثمر بين دول الاتحاد. حتي الان لا توجد مشاريع مشتركة او استثمارات ضخمة بين الدول الإفريقية كما ان التجارة البينية لا زالت تشكل أرقاما متواضعة. يحدث ذلك في الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم الكبري علي الثروات الإفريقية بينما تنجح دول القارة في إثارة الفتن و البلبلة فيما بينها. لا توجد قمة دولية تنعقد هذه الأيام الا و كانت الازمة المالية العالمية و تداعياتها الاقتصادية علي رأس أجندتها ما عدا قمم الاتحاد الافريقي . كيف يمكن لدول تعاني من كل تلك الأزمات و من التخلف الاقتصادي و لا تعطي عمليات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية الأهمية التي تستحقها ان تتحد؟ تتحد علي أي شيء؟ و ما هي الفوائد التي ستعود علي الشعوب الافريقية من اتحاد مثل تلك الأنظمة؟ معظم الحكومات الافريقية غير منتخبة ديمقراطيا و لا تجد القبول اللازم من غالبية الشعب في دولها المنفصلة، كيف اذن يمكن فرض تلك الحكومات علي الشعوب الافريقية؟ الملاحظ ان دولة من دول الاتحاد لم تطلب استشارة شعبها في استفتاء وانما دعت لعرض الاتفاقيات علي البرلمانات و هي في غالبيتها المطلقة برلمانات صورية لا تمثل الشعب بشكل حقيقي. من الاجدي لدول الاتحاد الافريقي ان تعمل من اجل التحول الديمقراطي و ارساء المؤسسية و حكم القانون داخل بلدانها و التصالح مع شعوبها قبل ان تبحث في اقامة حكومة افريقية او ولايات متحدة. عندما تري الشعوب الافريقية ان حكوماتها تهتم بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و محاربة الفقر و الاستخدام الرشيد للموارد و التصدي للمشكلات البيئية و تعمل من اجل قسمة عادلة للثروة و اقامة آليات و مؤسسات للمشاركة الجماهيرية في اتخاذ القرار في مختلف الدول الافريقية ، عندها يمكن ان تؤيد اتحاد حكوماتها لانها ستضمن ان في ذلك خير لها. كل ما تقوم به دول الاتحاد الإفريقي الان لا يعدو ان يكون أحلام زعامة و البحث عن إقامة مدينة فاضلة توجد في مخيلات الزعماء لكنها بدون أي جدوي حقيقية. ما فائدة الاتحاد اذا كان الفقر و الامراض و الجوع و الحروب تحصد ارواح ملايين الافارقة سنويا ؟ و ما جدوي الاتفاق علي حكومة اذا كانت تلك الدول لا تتفق علي محاربة الايدز و الملاريا او التصدي لانفلونزا ( H1N1 )؟ ادرسوا اجراءات الوحدة الاوربية التي بدأت لبناتها الاولي في خمسينيات القرن العشرين و لم تصل الي شكل صلب الا مع بداية الالفية الثالثة و لا زالت حتي اليوم تصطدم بارادة الشعوب هناك حتي حول دستورها الموحد. من المفيد الاستفادة من تجارب الاخرين و التعلم من انجازاتهم و إخفاقاتهم سواء في الجوانب السياسية او الاقتصادية او الجوانب الاجتماعية بالغة التعقيد في القارة الإفريقية.