إنجلى الليل وإنكسر القيد .. وذهب السجن والسجان … بقلم: الشيخ/ أحمد التجاني البدوي

 


 

 


        سقط النظام المصري الذي كان يمثل الصخرة الموضوعة على صدر الأمة لتمنعها الحركة والإنطلاق وبسقوطه تكون الأمة الإسلامية والعربية قد أصبح صبحها وبزق فجرها تمشي الهوينى ثابتة الخطى مرفوعة الرأس تسعى في مناكب الأرض تأكل من رزق الله غير عابهة تتحسب ولا خائفة تترقب مستمرة في مشروعها الهادف لإسقاط جميع الأنظمة العميلة في المنطقة والتي كانت تمثل عقبة كئود أمام الإنطلاق والإنعتاق حاملة فكرة الإحلال والإبدال لهذه الأنظمة المتهاوية بأنظمة حرة في سياساتها مستقلة في قراراتها مسيطرة على ثرواتها لاتجهل تبادل المنافع بين الأمم ولا تعطل المصالح ولا تفترض العداوات مع الآخرين ولا تجتر مرارات التأريخ ولا تنكفئ ولا تتقوقع حول نفسها لكنها تنفتح بعزة المسلم وكرامة المؤمن وتتحاور حوار الوطني الغيور الذي ليس هو براغب ولا راهب وتعيد النظر في العلاقات الدولية التي كانت قائمة على التبعية والذيلية والتي لم يكن لها مبرر غير الجهل والوهم بأن هذه التبعية والذيلية تشكل حصناً منيعاً لهذه الأنظمة ضد التغيير ونسوا أن الحصن المنيع هو بسط العدل والشورى والحفاظ على الكرامة والسيادة ونسوا أن الملك لله يؤتيه لمن يشاء وينزعه ممن يشاء وما الشعب إلا وسيلة من وسائل النزع التي يحركها الله متى شاء وكيف شاء.
       والذي يعجب له المرء أن هناك أصوات لازالت تتحدث عن الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية ولجنة حقوق الإنسان مناشدين لهم بالتدخل لحماية الشعوب  ونقول لهم وهل كانت هذه الإنتفاضات إلا ضد هذه المؤسسات الوهم التي ما أنشأت إلا لتحيك المؤامرات ضد الشعوب وترفع التقارير وتتجسس على الدول متقنعة بأسماء كذب.
        لقد تغير النظام في تونس من قبل وعقب ذلك التغيير في مصر وليبيا على الدرب سائرة , فبارك الغربيون ذلك مباركة خجولة بقولهم أنهم مع إرادة الشعوب لكنهم لايريدون أنظمة متطرفة ونقول لهم إذا كنتم مع إرادة الشعوب فلا معنى للإسثناء ونذكر هؤلاء أنهم هم المعنيون بهذا التغيير لأن هذه الأنظمة تمثل الوجه الآخر للعملة للسياسات الغربية وأن الذي يقومون به من مناشدة للحكومات لضبط النفس وعدم إستعمال العنف سوف لا يشفع لهم ولا ينسي الشعوب أن الغربيين هم الذين صنعوا هذه الأنظمة وظلوا يدعمونها وهي تقهر شعوبها مقابل بترول وغاز بأسعار زهيدة وأسواق مفتوحة ورهن قرار وصفقات أسلحة قد طلاها الصدأ دعماً لخزائن الغرب وإقتصاده المنهار.
         والسؤال لماذا يقو لون هم مع إرادة الشعوب ولكن مع تخوفهم من البديل الإسلامي الإجابة أن البديل الإسلامي سوف يصحح كل الذي ذكرنا ولأن المسلم لايرى هناك من هو أعز منه على وجه الأرض ولا أشجع منه إذا حمي الوطيس وإلتقى الجمعان ولا أرحم منه إذا قدر ولا أوفى منه عهداً إذا عاهد ولأن الإسلام يمنح هذه العزة كل من إعتنقه دون إعتبار للونه أو عرقه.
        لأجل هذا هم يرفضون الإسلام ويرفضون أي فكر يدعو إلى التحرر والإستقلال والمساواة بين البشر وفي رأيهم لابد أن يكون في العالم مالك ومملوك وتابع ومتبوع ويجب أن يكونوا دائماً هم في قمة الهرم ولقد علمنا ما فعلوه بمارتن لوثر كنج , و لوممبا و نورويقا, ومافعلوه في فيتنام وحصار كوبا وإيران وبعض دول أمريكا اللاتينية وإقصاء حماس والجبهة الإسلامية في الجزائر وأخيراً السودان .
         فالذي لايستطيع أن يتعهد به أحد للغرب أن يكون البديل غير إسلامي لكن الذي نتوقعه أن لاتكون هذه الأنظمة البديلة بالصورة التي يتصورها الغرب زوراً وبهتاناً ويصورها للآخرين عن الإسلام والمسلمين ... ذلك أن هذه الأنظمـة البديلة شبابية الفكرة , عصرية الفهم سلمية الوسائل قد تجاوزت بعصريتها تلك أفكار الترابي والغنوش وبلحاج والعريان , ولا تنطلق من قاعدة بن لادن.
         وهذه الأنظمة المتوقعة وبهذه الصفات أظنها تعلم أن أي نهوض أو بناء حضاري يتجاهل الآخر أو يتجاوزه أو لا يفيد من إيجابياته لينميهـا ويعتبر بسلبياته فيتجنبهـا هو نهوض معزول عن الرؤية الإنسانية وناقص منهجياً وعلي الأخص في هذا العصر الذي بلغ شأواً مذهلاً في الإتصال والتواصل , فالذي لا يذهب إلي العالم يجئ العالم إليه , والذي لا يعد العدة ليتعامل مع الآخر لا يمكن أن ينجو بنفسه لكنه سوف يسقط من التاريخ والحاضر والمستقبل , والذي لا يحسن الإفادة من العطاء العالمي يحرم من الكثير , والذي لا يعتبر بالتجارب العالمية ويبدأ من حيث إنتهى الآخر يكون مصيره الإنقراض والتآكل لذلك نقول أن معرفة الآخر والإحاطة به عقيدة وتاريخاً وواقعاً تعتبر من اللبنات الأولى في نجاح المسيرة والتوجه الجديد.
         فإنه لا يمكن أن تكون معرفة الآخر والتحاور معه والإفادة منه عدول عن الإسلام ونهجه وإنما هو عين المنهج والهدى القرآني فلا مناص من عملية إستيعاب الحضارة أو التفكير بكيفية التعامل معها من خلال المرجعية الشرعية والقيم الثابتة في الكتاب والسنة والتفكير في ما تقدمه الأمة بحيث يشكل إضافة مفقودة في الحضارة المعاصرة أو على الأقل يشكل غياب تلك الإضافة الكثير من المعاناة والأزمات.
         فأي تفكير في منازلة الحضارة المعاصرة أو مسابقتهـا في المجال التقني والمادي يمكن أن يكون نوعاً من الإنتحار وضياع الأوقات والطاقات والقعود بالمسلم عن وظيفته الأساسية وهي الدعوة إلي الله لأن السبق الحضاري قطع شوطاً ومسافات من الصعب طيها , فإن هذه العولمة بكل منتجاتها الإعلامية والثقافية التي تمهد لها وتصنعها وتؤهل العالم لقبولها تشكل لنا مجالاً نحن المسلمين لمنحنا التقدم بما عندنا للعالم فلا بد أن ندرك موقفنا منها بدقة ونوع العطاء الذي يمكن تقديمه والذي يشكل اليوم حاجة عالمية علي مستوى الفرد والجماعة والإسلام لم يأت مسابقاً للحضارات السابقـة بكسبها المادي وإعمار الأرض , إنمـا جاء ليعيد للحضارات رشدهـا وعقلها وللقضاء علي الظلم وإستعادة إنسانية الإنسان , جاء ليعدل مسار الحضارة ويضبط حركتهـا بأهداف خيرة وتوازن سليـم.
         جاء لربط العالم بأهدافه الخيرة وليزيح فوارق اللون والجنس والقوم , وليزيل كل أسباب التعصب والتمييز والعلو في الأرض , ويعتبر ميزان الكرامة كسبي ومن صنع الإنسان.
         ولا شك أن السباق الحضاري والحوار الحضاري يؤدي إلي النمو والإرتقاء وإكتساب قدرات إضافية للقيام بمهمة العمران البشري.
         إن عصر العولمة هذا يقضي بأن تكون لكل أمة موقع في الحضارة العالمية قد يتسع وقد يضيق ولكل أمة نصيب منها سواء في ذلك الإنتاج الحضاري أو الإستهلاك لمنتجات الحضارة علي حد سواء , لذلك فمحاولات الرفض والإدانة والإنسحاب لم تعد مجدية لأنه لا يمكن أن توجد جزر معزولة عن سطوة الحضارة يأوي إليها الهاربون في عالم اليوم وإنما التقلب بين جنباتهـا.
         والإسلام مؤهل اليوم لإنقاذ الحضارة وإنقاذ إنسانهـا وهذا لن يتأتى بالإدعاء وإنما بإستيعاب الحضارة المعاصرة لتوجيه مسارها من الداخل صوب غايات خيرة , والذي يمكن من هذا الدور أن العرب والمسلمين يشكلون جزءاً كبيراً في جوف الحضارة المعاصرة وسوقاً كبيراً لإستهلاك منتجاتها إضافةً إلي الوجود الإسلامي المنتشر والمستقر في المواقع جميعاً ودعوة الحضارة الإسلامية إلي العالمية منذ خطواتها الأولى.
         والأمل كبير أن تتحرر الذهنية الإسلامية بعد أن بدأت قيود أسرها تتكسر وأبواب إنغلاقهـا تتفتح وذلك بعد بدأ سقوط الأنظمة المتسببة في ذلك والأمل أن تتحول تلك الذهنية من التقليد إلي التفكير والخروج من النصوص إلي كيفية إعمالهـا في الحياة وتنزيلها علي الواقع وإخراج الناس بها من الظلمات إلى النور , فعلى الغربيين أن يعدوا العدة لتغيير كامل في العالم الإسلامي والعربي وعليهم أن يستعدوا للتعامل مع أنظمة سوف تعيد النظر في كل السياسات السابقـة وفي جميع المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية بصفة خاصة وما يتعلق بالبترول وأسعاره وإنتاجه وهذا بالضرورة يقتضي أن تتجاوب الدول الغربية مع هذا التغيير وإلا إذا أصرت أن تتعامل بنفس السياسة ولو غيرت جلدها وخلعت ثوبها فهي سوف تكون الخاسر الأول لأن العالم العربي له بدائله وخياراته وليس للغربيين بدائل , ولا ننس نمو دول شرق آسيا المتزايد والذي ليس للغربيين ما يواجهونه به إلا خلق الأزمات بين دول المنطقة كما هو الحال مع كوريا الجنوبية والشمالية والصين واليابان , وهي نفس السياسة التي أدت إلي ما آل إليه الحال في منطقة الشرق الأوسط , فالعيب ليس في أن نخطئ لكن العيب أن نصر علي الخطأ.
         علي الغربيين أن يعوا هذا الذي يحدث ويعلنونها صراحـة إنهم مع إرادة الشعوب ولو أتت بأنظمة إسلامية وهذا يصبح قولاً إذا لم يصدقه تعاملهم مع الأنظمة القادمـة , وعلي الغرب كذلك أن يهيأ نفسه لمزيد من الإنتفاضات وسقوط الأنظمة والذي سوف يتجاوز منطقة الشرق الأوسط إلي الدول الآسيوية والإفريقية والذي يطال كل من يشتم فيه رائحة العمالة هذا بعد سقوط كل العملاء وحينها يضطر الغرب ليتعامل مع العالم الجديد تعاملاً جديداً وإلا سوف يكون في وضع غير مريح يألب عليه الشعوب الغربية والتي بتحركها تكون نهاية النظام الرأسمالي وحتمية البديل وأظنه الإسلام.

E-mail:ahmedtigany@hotmail.com

 

آراء