إنفصال الجنوب.. ومنطق الهادي نصر الدين!
9 October, 2009
سطر جديد
أخونا الهادي نصر الدين هو ظريف أمدرمان الأشهر الذي تحل الطرفة والضحك أينما حلّ حتى في سرادقات العزاء! ومثله مثل كل الظرفاء أحياناً تُنسب إليه نكاتاً ودعابات لم يقلها، ومن بينها ما تناقله البعض (من أن الهادي حينما أبلغوه بأن حركة التمرد إستولت على أحد المدن الطرفية في السودان رد عليهم بلا مبالاة قائلاً (ما يشيلوها أصلهم شالوا الملازمين!))... أشك أن هذه الطرفة مصدرها الهادي لما يتمتع به من حس قومي ووطني رغم أهمية الملازمين في اهتماماته الإستراتيجية.
هذا المنطق الذي يُنسب ظلماً إلى الهادي لا يختلف كثيراً عما تردده بعض القوى السياسية التي ظلت تقرع طبول الانفصال وتصوره كأنه الحل الأمثل لأوجاع السودان المزمنة، فالجنوب في نظرها هو الضرس المعطوب الذي لا تجدي معه المداواة ولا يستوجب سوى الخلع والإستئصال. ملأوا الدنيا ضجيجاً وزحموا الآفاق برايات الانفصال وهم يمنون الناس براحة البال السياسي التي طال انتظارها وبفردوس الاستقرار السياسي متى ما مضى الجنوب إلى شأنه. ظلوا يتعامون عن منطق العصر الذي يجنح إلى مد جسور الوحدة حتى بين أمبراطوريات العالم العتيقة التي راحت تواجه رياح العولمة بالتكتلات السياسية حتى أصبحت أوربا كلها بمثابة كيان سياسي واحد، ومضوا في التبشير بالإنفصال وهم يصمون آذانهم ويغمضون أعينهم عن التعقيدات الهائلة وضرام النيران التي سيشعلها فتيل الانفصال.
آخر الدواء الكي كما يقال ولكن من خطل الرأي وغياب الفطنة السياسية أن نجعل منه أولوية، فعدوى (أن يصبح الانفصال هو الحل) سرعان ما ستنتقل داخل البقية الباقية من الوطن المحتقن بدعاوي التهميش والإستعلاء العرقي وعدم توازن التنمية. كذلك واهم من يظن أن حدود الانفصال ما بين الشمال والجنوب ستكون ترياقاً ودرعاً واقياً ينام الطرفان أمامها وخلفها كل حسب موقعه وهو آمن مطمئن، فتلك الحدود المفترضة هي منذ الآن وقبل الانفصال ملأى بالثقوب العراض والقنابل الموقوتة.
وبنفس القدر وذات المنطق فإن التشبث بالوحدة ومحاولة فرضها بصورة تعسفية عبر أُطر ديمقراطية أو إبراء النفس من الوزر السياسي للإنفصال، دون الوفاء باستحقاقات التوجه الوحدوي الصادق هو عمل يجب تأثيمه تماماً كقرع طبول الانفصال. من المؤسف أن الخطاب السياسي لكافة القوى السياسية بات اليوم ينعي الوحدة ويستبق التعامل مع الانفصال كأمر واقع بعد أن أضاع الجميع سنوات ذهبية تم إهدارها في المماحكات السياسية وتدبيج (الإنشاء السياسي) دون أن يضعوا سهماً فعلياً وواقعياً في كنانة الوحدة.
أخي الهادي نصر الدين... كم هو ظالم أن تُنسب هذه النكتة على ما فيها من طرافة لك، فحيثيات اللامبالاة فيها يجعلها جديرة بأن توضع في فم آخرين.