إن تضرب شعبك نضربك … بقلم: محمد المكي ابراهيم
محمد المكي ابراهيم*
يبدو ان هذه الجملة الشرطية قد غدت التعبير الافضل عن حالة القانون الدولي الانساني المعاصر وذلك على ضوء التدخل الدولي المعزز الذي تم مؤخرا في الشأن الليبي فقد أمر به مجلس الامن التابع للامم المتحدة بناء على طلب الدول اعضاء المجلس زائدا دول الجامعة العربية ودول منظمة المؤتمر الاسلامي وشاركت في تنفيذه القوات العسكرية لحلف الناتو واثنتين من دول الجامعة العربية بما يمثل توافقا عريضا –إن لم يكن اجماعا- على وجوبه وقانونيته .
لقد ظل القانون الدولي الانساني يتقدم في ذلك الاتجاه لعدة عقود ولكنه لم يصل الى هذه الدرجة من التبلور والوضوح الا بعد نشوء القضية الليبية وتطوراتها المعاصرة .وقد كانت الحرب الباردة سببا من الاسباب الرئيسية التي عاقت تقدم القانون الانساني حيث تصلبت الكتلة الاشتراكية مدعومة بدكتاتوريات آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية على حق قانوني أخر هو حق الدول في السيادة والاستقلال ومنع الاخرين من التدخل في شئونها الخاصة.وبتعظيمهم لذلك الحق استطاع الدكتاتوريون ان يمنعوا تقدم القانون الانساني ومقاومة كافة انواع التدخل الخارجي في الشئون الداخلية حتى لو كان ذلك لحماية الارواح من الضياع او التعرض للبطش والتعذيب وغير ذلك من الشرور التي يحذقها الدكتاتوريون. والواقع ان الكتلة الاشتراكية نفسها كانت تعاني من المشاكل الداخلية وبحاجة لحماية نفسها من تشهير الغربيين وبسبب من ذلك تسترت على الاحداث الفظيعة التي جرت في المانيا الشرقية(17 يونيو1953) وبولندا(15 نوفمبر 1963 والمجر (وهذه الاخيرة هي التي قادت عائلة ساركوزي للهرب من بلادها الى فرنسا حيث اصبح ابنها رئيسا لفرنسا ولعب دوره الباهر في قيادة التدخل الغربي في ليبيا.)
كيف يصبح التدخل الاممي في ليبيا جزءا من القانون الدولي الانساني.؟
المدخل الرئيسي للتطورات الجديدة الى الجسم العام للقانون الدولي هو المادة 38 من ميثاق محكمة العدل الدولية والذي يعتبر احسن تلخيص لمصادر رالقانون الدولي العام :ونص هذه االمادة كما يلي:
1:38 - وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:
( أ ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
(ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
(ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
(د ) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياُ لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.
2 - لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك.
وتنطبق على الحالة الليبية الفقرتان 1 (ب) و(ج )الخاصة" بالعادات المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستخدام" والممارسات الدولية التي درجت عليها الدول المتمدنة في مواجهة الطغاة والدكتاتوريين وهي تلك المتدرجة من اعمال الشجب والادانة والتدخل الفردي وصولا الى التدخل الجماعي كما جرى لليبيا العقيد. ويمكن تفعيل ذلك المبدأ باحدى طريقتين:
1- بالتقاضي بحيث تصدر المحكمة الدولية حكما قضائيا يقول بأن ممارسات الدول قد كرست حق التدخل ضد الظعاة والدكتاتوريين أو
2- بتدوينه ضمن القانون الدولي العام في مؤتمر ينعقد خصيصا لتدوين الاعراف الدولية في معاهدة دولية تجمع اشتات القانون الانساني في معاهدة واحدة. والاقرب للحدوث هو الخيار الثاني حلا لاشكالات عديدة تواجه المشتغلين بذلك الفرع من فروع القانون.ولكنه يمكن الجزم منذ الان بمشروعية التدخل الدولي لانقاذ الشعوب من حكامها المستبدين .وبذلك يكون القانون الدولي قد حقق قفزة كبرى لصالح الشعوب المقهورة
*ممثل السودان الاسبق في اللجنة القانونية للامم المتحدة
Ibrahim ELMEKKI [ibrahimelmekki@hotmail.com]