ابليس السوداني والخواجة الأمريكي!!

 


 

 

أرسل لي صديقي السوداني العزيز المحامي الضليع يحى حسن المقيم حالياً في السعودية مقالاً سودانياً كتبه طبيب سوداني يعج بسطور طويلة يجلد فيها الذات السودانية بأطول أسواط العنج ويبرز كل عيوبها كالكسل والنميمة والتفاخر ويخفي كل حسناتها كالعفوية والكرم والشجاعة ويحملها وزر نشوب الحرب السودانية الحالية ويطلب من الشعب السوداني الفضل في الخرطوم أن يقاتل مع الجيش السوداني حتى يستطيع الخرطوميون العودة إلى منازلهم التي يحتلها الدعم السريع حالياً وربما يبقون فيها إلى أجل غير مسمى!!
قمت بالاطلاع على جزء قصير جداً من المقال الطويل جداً جداً الذي مسح الشخصية السودانية بالبلاط ولم يعجبني التضخيم والتهويل النقدي ولم يروقني التعميم الذي يُعتبر في علم المنطق من أكبر أخطاء التفكير، ولم احبذ دعوة الشعب السوداني الشرد إلى بورسودان والشعب السوداني الفضل في الخرطوم إلى مواصلة الحرب السودانية وتدمير ما بقى من الخرطوم وأقول بأعلى صوت سوداني: لا للحرب نعم للسلام، لا للتصريحات العسكرية العنترية ونعم للحلول السياسية الودية، أما اغلب العيوب التي نسبها الكاتب للسودانيين فهي عيوب إنسانية وجودية توجد في كل الاجناس البشرية فهناك كسل اوربي ونميمة صينية وعجرفة أمريكية، ويكفي السودانيين فخراً أن أحدث بحث علمي أجرته جامعة أكسفورد البريطانية قد اثبت أن أصل وجد البشرية هو آدم السوداني وإذ كان جيراننا المصريين يقولون: إن مصر هي أم الدنيا فإننا كسودانيين نقول إن السودان هو أبوها، ومن المستحيل انجاب كل الدنيا بدون الأب السوداني!!
على العموم وعلى الخصوص أنا لا أملك الآن إلا أن أرد على مقال جلد الذات السودانية بمقالي المذكور أدناه والذي أدافع بموجبه عن الشخصية السودانية بكل الطرق بما في ذلك طريقة اللف والدوران السوداني:
كانت تلك الشلة السودانية المقيمة في إحدى العواصم الخليجية تعمل في شركة كبرى تضم عدداً كبيراً من الجنسيات الأخرى، كانوا أشبه بالعاملين في إحدى المنظمات الدولية حيث كانت تربطهم علاقات زمالة وصداقة مع أمريكيين، بريطانيين، استراليين، وفيليبينيين، سيريلانكيين وهلم جرا بجميع أنواع الحبال!!
على الرغم من أن ظرف العمل المختلط وواقع الاختلاف العرقي والثقافي كانا يحتمان التخاطب باللغة الإنجليزية وممارسة عادات اجتماعية لا علاقة لها بتراث بلادهم ، إلا أن تلك الشلة السودانية كانت تمارس سودانيتها بمزاج كلما سنحت لها الفرصة، فكانت اللهجة العامية السودانية تلعلع من وقت لآخر على مرأى ومسمع من أهل الألسن المختلفة، كما كانت ساعة الغداء تشكل ملاذاً آمناً لاسترداد كامل الهوية الغذائية السودانية حيث كان أفراد الشلة يتسللون إلى أحد المطاعم السودانية الكائنة في وسط المدينة فيلتهمون الكِسرة المُرة والمفروكات والمطبوخات السودانية وسط أجواء من التعليقات المرحة التي لا يجيدها أو يفهمها سوى المفطورين على حب التراث السوداني الشديد التنوع والثراء، أما المساء بأكمله فقد كان مكرساً لممارسة ما تيسر من العادات، الأهواء، الميول والأمزجة السودانية التي لا تسمح لغيرها بالتعايش معها نظراً لتفردها ، خصوصيتها وحميميتها الفذة!!
فجأة وقع انقلاب سلوكي وسط أفراد الشلة السودانية وبدأت تصرفاتهم تتأرجح بشدة بين السودنة والخوجنة حينما أصر أحد الخواجات على مصادقتهم ومشاركتهم في كل تفاصيل هويتهم السودانية على مدار ساعات العمل ولم يكتف بذلك فحسب بل صار يشاركهم حتى في امسياتهم المسربلة دوماً بالعادات المفعمة بالنكهة السودانية الخالصة!!
حينما دعا الخواجة أفراد الشلة السودانية إلى أحد المطاعم الغربية الفاخرة، راح عباس، عوض ومجذوب يثرثرون بالإنجليزية بطلاقة ويأكلون بالشوكة والسكين بمهارة أما عماد الملقب بابليس السوداني فقد انهمك في الأكل بيده ضارباً آداب العولمة الغذائية بعرض الحائط السوداني، ليس هذا فحسب بل أصر ابليس السوداني على التحدث بالعامية السودانية من وقت لآخر حتى مع الخواجة نفسه وسط دهشة بقية أفراد الشلة وانبهار الخواجة!!
عندما دعت الشلة السودانية الخواجة إلى ذلك المطعم السوداني المتواضع الشكل والخدمات، أسقط في يد الجميع فليس هناك شوكة ولا سكين لكن الخواجة كفى الجميع شر الحرج حينما شمر كمه وراح يستخدم يده ويلتهم ما لذ وطاب من التقلية والملوخية السودانية بل أن أحد أفراد الشلة السودانية قد أكد ذات مرة أن ابليس السوداني قد جعل الخواجة الأبيض يجلس على الأرض ويأكل المرارة السودانية وهو يلحس أصابعه بتلذذ شديد بعد أن اكتشف لتوه حداثة غذائية أفريقية شديدة التوهج والسخونة!!
بمرور الزمن توطدت علاقة الصداقة بين ابليس السوداني والخواجة لدرجة قيام الخواجة بزيارة السودان بصحبة ابليس أثناء إحدى العطلات السنوية، وشيئاً فشيئاً اصبح الخواجة مسكوناً حتى النخاع بمكونات الشخصية السودانية بكافة ايجابياتها وسلبياتها!!
بعد عدة أعوام من كورسات السودنة المكثفة، تخرج الخواجة من مدرسة ابليس السوداني بدرجة الشرف وتم منحه الجنسية السودانية الفخرية، صار الخواجة نسخة طبق الأصل من ابليس السوداني في كرمه، صراحته، عفويته وحتى في ضيق صدره ومزاجيته وقد فؤجيء الجميع حينما حضر الخواجة ذات يوم إلى ميز الشلة السودانية وهو مجلبب ، معمعم وممركب بصحبة ابليس السوداني المقمصن، المبنطل والمجزمن وهما يتبادلان الحديث بالعامية السودانية بعفوية عجيبة وبطلاقة منقطعة النظير!!
أما أحد أفراد الشلة السودانية فقد أكد وهو في قمة الدهشة أن الخواجة قد فسد نهائياً بعد أن تسودن فقد صار دائم التأخير ويحلف بالطلاق بمناسبة ودون مناسبة والأدهى من ذلك أنه أصبح حاد المزاج ولا يتورع أبداً عن استخدام شتائم سودانية يعف عن ذكرها اللسان إذا اعترض أي شخص على سلوكه المستحدث إلى درجة أن أحد السودانيين المتخوجنين قد علّق قائلاً بامتعاض ودهشة ممزوجة بالغضب بعد أن لدغه الخواجة المتسودن بعبارة سودانية سامة جداً جداً: يا اخوانا ما تغشكم خدرة العيون ولا البياض، على الطلاق الزول ده ما خواجة ولا حاجة ، الزول ده سوداني عديل كده !!
فيصل علي الدابي\المحامي

menfaszo1@gmail.com

 

آراء