احترس .. أمامك حقول ألغام

 


 

 


faizalsilaik@yahoo.com
كتبت على سحابة
فلتسقط الرقابة
فصادروا السماء

حين أعلن حاجب محكمة الخرطوم شمال، اسمي للمرة الثانية خلال يوم واحد في قضيتين، مختلفتين؛ رفعهما ضدي جهاز الأمن الوطني والمخابرات " بصفتي الاعتبارية بصحيفة "أجراس الحرية" فك الله أسرها، أذكر أن القاضي مولانا مدثر الرشيد مازحني قائلاً" يا استاذ فايز حقو تقعد معانا هنا لحتى تنتهي قضاياك بدل  ما كل مرة تطلع وتاني تجي راجع"، وهي مناسبة أذكرها للأستاذ سعد الدين أبراهيم رئيس تحرير صحيفة "الجريدة"، والتي أتشرف أن أكتب فوق صفحاتها بعد انقطاع طويل عن الكتابة فوق صحفات الصحف اليومية، وأذكرها ، وأنا أعرف مشقة "المسساقة" بين النيابات ، والمحاكم لدرجة قد تجلعك أحياناً تنسى في أي القضايا تقف الآن خلف قفص الاتهام؟، وذلك لكثرة القضايا المرفوعة ضدنا في أزمنة المشروع الحضاري، و" عقلية جوبلز"، والسعي المحموم لتكبيل الصحافة بترسانة من القوانين.
وكثيراً ما أقول "إن تكون لصاً  فهو أفضل لك أحياناً من أن تكون صحافياً في دولة المؤتمر الوطني، اذا ما ذهبت إلى محكمة، أو فتح ضد بلاغات في قضية نشر،  فاللص يحاكم بقانون واحد، وهو القانون الجنائي، وغالباً ما تكون التهم  موجهة  ضك تستند على مادة واحدة من مواد القانون، أو ربما مادتين، أو حتى ثلاث، إلا أن الصحافي يحاكم ببضع قوانين، ابتداءً من قانون الصحافة والمطبوعات، واستدعاءات المجلس المهتم "بتسوير " المهنة، أكثر من " تطويرها"، مروراً بالقانون الجنائي لسنة 1991، وحتى محاولات اتحاد الصحافيين  "لضبط سلوك الصحافيين"، وهناك مجموعة من المواد الجاهزة، والتي نحمد للمحاكم أن حولتنا إلى قانونيين، نحفظ المواد، ونعرف أي المواد ستفتح امامك في حالة هذا الخبر، أو ذاك المقال، ومنها " تقويض النظام الدستوري" و" اثارة الفتنة والكراهية"، وانتقاص هيبة الدولة، و"وربما "التجسس" !، وعقوبة الاتهام بهذه المواد - وهي تدخل في تعريف " الجرائم الموجهة ضد الدولة"- تصل حكم الاعدام، أو السجن لسنوات ومصادرة "الممتلكات" ، لو كان للصحافي مثلنا ممتلكات، غير سيارات  " مرهونة للبنوك" برغم طول مدة عملنا في مهنة المتاعب، وهنا " المادة 66" والمتعلقة بانتقاص هيبة الدولة" وعقوبتها السجن لمدة ستة أشهر أو الغرامة، أو العقوبتين معاً، وهناك مادة نشر أخبار كاذبة، أو "الكذب الضار واشانة السمعة" وهي المادة 159" وعقوبتها السجن لمدة شهر، أو الغرامة، أو العقوبتين معاً.
لذلك ؛ أبشر الأستاذ سعد الدين، وأقول له بأنني سأقوم "بسنسرة قانونية" ذاتية، حتى أقيه شر " مساسقة المحاكم"، وأفتخر شخصياً، أنني ظللت في كتاباتي أتحاشى كل " المزالق القانونية" ، و" المنعطفات التي تجرجر بين النيابات والمحاكم، وأكتفي "بهفوات آخرين"، أو " هفواتي لكثرة العمل"، لأن رئيس التحرير هو المتهم الأول في كل ما يكتب.
وهذا هو اتفاقي مع نفسي، لكن لن أضمن عقلية " جوبلز"، وجوبلز هو مسؤول دعاية النازي ، وكبير الفاشية هتلر، وله مقولة شهيرة، وهي كلما سمعت كلمة ثقافة " تحسست مسدسي"، وهي عقلية راسخة في نظام " الانقاذ" ، وهي التي لها القدرة على " تحويل الأخبار الصادقة، إلى كاذبة"، وهي التي " تجعل للأجهزة الاعتبارية " سمعةً، وإن كانت هذه الأجهزة تتكون من "أفراد"، و"بشر عاديين" يخطأون مثل بقية خلق الله، ومن كان منهم بلا خطيئة فليرمنا بحجر!. وهم حين يخطأون فهم " معصومون" من الحساب"، سوى حساب الله يوم القيامة، بل،  فلو سولت لك نفسك بتوجيه اتهام لهم بارتكاب خطأ ، ولو أن الخطأ وقع أمام مليون شخص فسيكون نصيبك العقاب، لتطاولك، على الذات "المتحكمة"، أو " القامعة"، بل هي " مؤسسات" تبحث عن الأخطاء، " وتترصد" الناس، وتعد أنفاسهم، وربما تفسر ما  في نفوسهم، وتسبر أغوارهم لتعرف النوايا ما بطن منها، وما ظهر.
ولذلك، فليس غريباً بأن توجه شخصية مثل وزيرة الدولة بوزارة الاعلام، الأستاذة سناء حمد، شخصاً في مقام "البروفيسور" علي شمو"، وتصدر له الأوامر "العليا" باغلاق صحيفة ما؛ على حسب  ما جاء في حوار البروف شمو مع صحيفة "الرأي العام" الشهر الماضي، حين طالبته بتعليق صدور صحيفة ، باعتبارها  " أجنبية" ؛ برغم أن كل مؤسسي الصحيفة " شماليين" سوى واحدا!، وكان يمكن أن تعالج القضايا عبر توفيق الأوضاع، أو البحث عن مساحة للحوار، والتعامل بمرونة، بدلاً عن روح الترصد، وسبق الاصرار، والتعمد،  أقول هذا وفي ذهني أن الوزيرة سناء، هي وزيرة شابة، ويقولون إنها " جيل جديد " من "الانقاذ"، وقد سمحت يوماً ما بنشر صفحة كاملة لاحدى كاتباتنا الكبيرات في "أجراس الحرية" عن الوزيرة وتفكيرها، وشخصياً لم أتشرف بمعرفة الوزيرة  سناء  ، ولم اسمع بها سوى " وزيرة"، وقد سعدت كذلك حين أجرت مداخلة هاتفية خلال برنامج بقناة النيل الأزرق للزميل الأستاذ طاهر حسن التوم، وكنت أحد ضيوفه، وعلقت على حديثها، لأنها تحدثت عن دور "السلطة الرابعة"، وضرورة أن تقوم الصحافة بدورها، وتحدثت الوزيرة سناء للأمانة حديثاً " نظرياً" يختلف كلياً عن " ممارسات السلطة"، وظننت ، وأن بعض الظن اثم، أن هذه الوزيرة فعلاً "جيل جديد" ، لكن بعض أشهر قرأت لها بعض التصريحات، أو حديث الندوات عن الجمهورية الثانية، وما أدراك ما الجمهورية الثانية؟!. فضحكت على " سذاجتي"، أو "قل " حسن نيتي"، وأنا الذي يؤمن أن "الاسلاميين يفوقون سوء الظن". فالأستاذة هي " نسخة جديدة" من ذات المشروع "الشمولي"، وهي ، ولا غيرها من "الشباب" ، والذين تعلن "الانقاذ" عن اسناد مواقع  مهمة لادارة الدولة لهم، بما فيها ترشيح أحدهم لرئاسة الجمهورية، بعد أن أعلن "الانقاذيون " أكثر من مرة عدم اعتزام الرئيس البشير ترشيح نفسه في "الانتخابات المقبلة"، و"يقيني" أن سناء لن تختلف عن الدكتورة سعاد ، أو الأستاذ سمية، وهن كن مثلها في ذات العمر، وأن "أسامة" لن يختلف عن الدكتور " نافع" بل ربما يكون نسخته، قبل عشرين عاماًٍ وأن فلان " لن يكون سوى "امتداداً طبيعياً " لصاحب "المنبر العنصري".
ولذلك سنكتب ، وحالنا " حال من يمشي في طريق " مزروع بالالغام"، و" ندرك تماماً "أن جوبلز" يمشي بيننا، وأن المشروع الحضاري لا يعدو سوى أكدوبة كبرى، وأن الكتابة في مثل هذه الظروف ، وفوق صفحات الصحف " هي " مغامرة"، أو "رقص على السلالم"، أو مشي " فوق الحبال"، هذا أن أردنا كتابة من أجل الوطن، ومن أجل الناس العاديين، ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من تراب البلد، إلا أن عزاءنا أن " الفضاء أوسع من أن يتحكم أحد فيه، وأن العالم كل صار قرية كونية صغيرة، ما يحصل هنا، سيعرفه الجميع، وأن القيود لن تجدي، وهي تشبه تلك المقولة العتيقة " ممنوع الاقتراب والتصوير"، وبالمناسبة، اذا ما ضبط أحد المصورين يحمل كاميرا، أو جهاز تسجيل ، وهناك شبهة التخطيط لاتقاط صورة من هذا المكان، فهو معرض للعقاب وفق القانون الجنائي، وتظل عبارة " ممنوع الاقتراب والتصوير"  مكتوبة رغم أنف "العم قوقول"، وما يحمله من صور حية، من أقاصي الدنيا، ومن داخل الكهوف، ورغم ذلك ليس أمامي سوى أن أقول "ليتنا نتعلم"، "ليتنا نعرف"، ولو جاء جوبلز مرةً أخرى لأدخل مسدسه داخل جيبه، لكنه ترك نسخاً تعمل مثل "الروبوت". وسلامي للجميع، ولكل من فقدني خلال تلك الأشهر، ورمضان كريم.

 

آراء