احتفالاً بالذكرى الثامنة والثلاثين .. حول تقديم الحزب د. النعيم كمحتفل (12)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
"يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ"
صدق الله العظيم

التمويل

في الحقيقة قد بدأنا الحديث منذ الحلقة السابقة، التي رأينا فيها أن عمل د.النعيم ليس هو مجرد عمل أكاديمي.. كل عمله كما رأينا هو عمل سياسي الغرض منه تفكيك الإسلام، وتفكيك الفكرة الجمهورية، لمصلحة أعداء الإسلام في الغرب.. وهو يعمل في جامعة تابعة لكنيسة، ومن المستحيل ان تقبل الترويج للإسلام الصحيح.. فهو يقدٍّم الإسلام الذي يرضى عنه الممولون.. الإسلام الذي أسماه : الإسلام الليبرالي.. حتى شريعة الأحوال الشخصية التي يزعم أنها ليست من الشريعة، ولا هي مُنزَلة!! حتى هذه، وهي خاصة بالزواج بين المسلمين، يتلقى المال لتغييرها، حتى تتماشى مع قيم وتقاليد الغرب.. وكل هذا العمل يتم باسم نشر دعوة أستاذه وتطويرها!! والعمل كله، وفي تفاصيله، تفكيك للإسلام وتفكيك للفكرة الجمهورية في جميع الأساسيات.

موقف النعيم من التمويل، واضحٌ، ومعلن.. فهو يقول مثلا: "أما في حالتي أنا فقد حرصت على مواصلة البحث في الأمور التي تهمني كمسلم وتلميذ للأستاذ محمود محمد طه، وأرى أن واجبي المباشر هو الإستفادة للدرجة القصوى الممكنة من الإمكانيات المتاحة في التمويل والدعم للبحث العلمي". الصالون نوفمبر 2011م..

إذاً هو يتلقى التمويل بصفته تلميذاً للأستاذ محمود محمد طه، وهذا وجه من الوجوه الخطيرة في تفكيك الفكرة، والإساءة إليها، وإلى مرشدها.. لاحظ عباراته: الإستفادة للدرجة القصوى الممكنة!!فقد حرصت!! واجبي المباشر!! ومع كل هذا يزعم د. النعيم أنه لا يتحدث باسم أستاذه!! ومع ذلك، مع قبوله المال باسم أستاذه، هو يعمل على تفكيك وتشويه دعوته، والإساءة الشخصية له.. فأيّ ظلم هذا؟
يتكلم د. النعيم في النص الذي أوردناه عن البحث العلمي!! وفي الواقع لا يوجد أيّ بحث.. هو لا يورد أيّ نصوص من الإسلام أو من الفكرة، ليبحث فيها، وإنما هو فقط يقرر.. أما كونه بحث علمي، فهذا محض استخفاف بالعلم وبالناس.. فالعمل كله لا علاقة له بالعلم، لا علم الدنيا ولا علم الدين..

خلاصة الأمر أن د. النعيم يقبضُ المال مقابل خدمة يقدمها للمموِّل، هي تشويه الإسلام، وتشويه الفكرة الجمهورية.. هنالك إتفاق بين الطرفين، غير معلن: د. النعيم يقوم بتشويه الإسلام والفكرة الجمهورية، والطرف المانح يدفع بسخاء كما قال د. النعيم نفسه.
يقول د. النعيم:
" “First, I’m pleased to gratefully acknowledge the generous financial supports of the Ford Foundation and the technical and administrative support of the Center for the Study of Law and Religion of the Emory School of Law”

أما في الترجمة العربية التي تم نشرها في عام 2010م، فقد جاء، من المقدمة، قوله: "لابد أن أتقدم بالشكر والتقدير لمؤسسة فورد التي قامت بتمويل هذه الدراسة من رئاسة مكاتبها في نيويورك. كما أتقدم بالشكر الجزيل لمركز دراسة القانون والدين بكلية القانون بجامعة ايموري، مكان عملي، بمدينة أتلانتا، الذي تكرم بتقديم العون الأكاديمي والمعنوي والتقني في جميع مراحل الدراسة".. وهذا النص هو ترجمة للنص الإنجليزي.

لقد جاء د. عبدالله، إلى الغرب، وهو مستعد منذ البداية لما آل إليه أمره، في النهاية.. في مقابلة أجريت معه، بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيس مركز دراسات القانون والأديان، بجامعة ايموري، ومنشورة بموقع الجامعة، سئل عبدالله:

كيف أثَّرَ وضعُك كزميل أساسي في المركز على عملك؟

"لقد قدمت من السودان، وقد عشت طوال حياتي بموارد محدودة جداً، ثم فجأة أجد أمامي ثروة هائلة كهذه من الموارد، والشهرة، والمكانة، والطاقة.. أعتقد أن أحد الميزات الأساسية كانت التركيز بدءاً، والتفكير أيضاً، في طرق جديدة مبتكرة أستطيع أن أمارس بها عملي كأستاذ للقانون، وكمفكر ديني مشارك، ومتفاعل. لقد وفر لي المركز البيئة وفرصة التركيز.. البيئة التي يمكنك أن تبتدع فيها الأفكار، أن تحلم، ما عليك إلا أن تتخيل الأشياء، وتجد من يساعدك لتحقيق ذلك"!!.

اللهفة واضحة!! وجد الجنة (ما عليك إلا أن تتخيل الأشياء وتجد من يساعدك لتحقيق ذلك)!! فقد ذهب في خياله بعيداً جداً، وخلَّف وراءه الواقع الذي قال عنه: (لقد قدمت من السودان وقد عشت طوال حياتي بموارد محدودة جداً)!!. وهؤلاء الذين، يساعدون على تحقيق الأحلام، هل هم من الأتقياء الأنقياء كالذين لا يريدون من مساعدتهم، إلا أجر العمل الصالح!؟

ما هي أحلام عبدالله هذه، والتي يحققها من يتحدث عنهم!؟ إنها لا تخرج من الشهرة، والثروة، فأصحابه محققو الأحلام هؤلاء، لا يملكون خلاف ذلك.. وهو لا يريد خلاف ذلك، ولكن ماهو الثمن؟! هذا السؤال المحرج لا يواجه به نفسه، ولا يريد أن يواجهه به أحدٌ.. الثمن هو، ما يشير إليه المقتطف التالي، الوارد في الصفحة الرئيسية لدكتور عبدالله، ويتحدث عن نشاطه الحالي، فقد جاء فيه:
(المشروع الحالي: المشروع الحالي لبروفيسور النعيم تحت عنوان "مستقبل الشريعة" يركز على سعي المجتمعات الإسلامية للتصالح والتعايش الإيجابي مع الظروف المحلية والعالمية التي تكتنفها. وأحد الجوانب المحورية لعملية التعايش هذه يستند إلى الأبعاد الدستورية والقانونية لتجارب المجتمعات الإسلامية في فترة ما بعد الإستعمار، خصوصا العلاقة بين الإسلام والدولة والمجتمع).

الغاية الأساسية للمشروع هي كيفية ضمان الفصل المؤسسي بين الشريعة والدولة، مع المحافظة على الوصل العضوي والحتمي بين الإسلام والسياسة"!! هذه هي العلاقة بين د. عبدالله، والمؤسسات الرأسمالية التي يعمل معها..
عبدالله من جانبه يسعى في نشر مشروعه الحالي القائم على (ضمان الفصل المؤسسي بين الشريعة والدولة..)، والمؤسسات الرأسمالية المعنية، توفر له الدعم المالي والمعنوي، والدعاية، والتخطيط الفني والإداري.

وبكل أسف، اختار عبدالله، أن يجري عمله هذا، تحت اسم التلمذة للأستاذ محمود!! جاء من نفس المصدر: "عندما غادر السودان عام 1985م، اعتقد النعيم أن مهمته الأساسية هي نشر وتطوير الأفكار الأساسية لمرشده الأستاذ محمود محمد طه.."!! والصنيع الذي قام به عبدالله، كما أثبتنا من أقواله المستفيضة، هو عكس ذلك.. لقد اختار د. عبدالله لنفسه أن يشوِّه دعوة الأستاذ محمود، أسوأ تشويه، مقابل الدعم الذي يجده من الجهات المذكورة.

وجاء من المصدر السابق عن نشاط د. عبدالله قوله: "هو يسعى لترويج هدفين مترابطين، هما الفهم الليبرالي الحديث للإسلام، والشرعية الثقافية... إلخ".. الفهم الليبرالي للإسلام هو الموضة، الفكرية، التي استحدثها الغرب، في إطار عمله في محاربة الإسلام، وعمل على تلميع عدد من الأسماء في العالم الإسلامي، من خلال أساليبه في الدعم والدعاية، كمفكرين إسلاميين، ومن بين هؤلاء د. عبدالله أحمد النعيم، الذي خَصَّص نشاطه للفكرة الجمهورية بالذات..

ونحن نتحدث عن منتدى الإسلام الليبرالي JIL ، الذي يشارك فيه د. عبدالله.. فهذا المنتدى موظف لنفس العمل (الإسلام الليبرالي) وهو أساساً يقوم على نقد النبي صلى الله عليه وسلم، ونقد القرآن.. وهذه أهم مطالب خصوم الإسلام في الغرب، وهي من المرتكزات الأساسية، التي يقوم عليها نشاط د. عبدالله..

وعمل هذا الموقع، وعمل عبدالله، وأي جماعة غيرهما، هو عمل واحد له نفس الموجهات ويقوم على مفهوم (الإسلام الليبرالي) هو عمل واحد، وله غاية واحدة، وتدعمه وتروج له جهة واحدة.. ونشاط جميع هذه الجماعات، يقع في إطار محاربة أعداء الإسلام في الغرب للإسلام.
د. عبدالله لم يذكر لنا المبلغ الذي دفعته مؤسسة فورد لنشر كتابه، واكتفى بالقول أنه دعم مالي سخي!! ولكن عن الترويج للكتاب، جاء ما نصه:
“An-Na’im will have help spreading his messages. The Ford Foundation has provided a new, $100,000 grant, this one to hire a public relations firm to promote the book throughout the United States.”

النص من خبر صحفي منشور بموقع جامعة ايموري بتاريخ 22/2/2008م تحت عنوان:
'Islam and the Secular State' Offers Universal Messages, Says Emory's An-Na'im
ويمكن ترجمته ب:
النعيم سيجد من يساعده لنشر رسالاته. مؤسسة فورد أعطته منحة بمبلغ 100.000 دولار أمريكي أخرى، هذه المرة لاستئجار مؤسسة علاقات عامة لترويج كتابه في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.
provided a new, $100,000 grant عبارة تفيد أن هنالك مائة الف دولار، كانت سابقة على هذه..

بالنسبة لي، كسوداني، مبلغ مائتي ألف دولار منحة لطباعة وترويج كتاب، هذا مبلغ ضخم جداً.. والترويج للكتاب، يعني بالضرورة، الترويج للكاتب.. ولماذا يٌرَوَّج لكتاب، فكري عن طريق مؤسسة مختصة، وكأنه سلعة تجارية؟! ولماذا تروِّج مؤسسة فورد لكتاب عن الإسلام؟! ما هي مصلحتها في ذلك؟!

في خبر آخر عن التمويل، جاء ما نصه:
His work has attracted nearly $2 million of support from the Ford Foundation over the last decade for a series of research and advocacy projects, including The Future of Shari’a.

من موقع جامعة ايموري، في مقدمة مقابلة مع (ايموري اند ذي ورلد) مع د. النعيم
الترجمة:
اجتذب نشاطه قرابة مليوني دولار (2 مليون دولار أمريكي) كمساعدة مالية من مؤسسة فورد خلال العشرة أعوام الماضية لتمويل سلسلة بحوث ومشاريع دعوية، بما فيها (مستقبل الشريعة)..

ما هي الشريعة المقصودة هنا؟! هل هي الشريعة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي؟! أم هي الشريعة في مستوى أصول القرآن؟! في الأولى مؤسسة فورد، ومن تمثلهم، يعتبرون (أهل ذمة)، فمن المستحيل أن تدعم فورد هذا الخط.. أما شريعة الأصول فهي تقوم على الإشتراكية، وأيضاً هنا، من المستحيل أن تدعم فورد هذا الخط..

بصورة عامة، لماذا تدعم مؤسسة فورد الأمريكية، الرأسمالية، مشروع يروِّج لنشر الشريعة الإسلامية؟! هل يمكن أن تنفق مؤسسة فورد ملايين الدولارات لمصلحة الإسلام والمسلمين؟! هذا، قول لا يجوز، حتى على طفل!!

في الواقع، دعم فورد، هو دعم للشريعة التي تقوم على (الفهم الليبرالي للإسلام)، وهي شريعة لا علاقة لها بالدولة.. فهي تقوم على الفصل بين الدين والدولة.. فهو دعم لهذا الفصل، وليس للشريعة نفسها.. فالشريعة المعنية، ليست الشريعة، التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بأي فهم لها، وإنما هي شريعة صنعت في الولايات المتحدة، وبمواصفات تخدم أغراض الولايات المتحدة، في مجال حربها ضد الإسلام والمسلمين.. ود. عبدالله ما هو إلا موظف لخدمة هذا الغرض، والترويج له.. وهو في سبيل أدآء وظيفته، يُجزَل له العطاء المادي والمعنوي، ويُدعَم، وتُسهَّل مهمتُه.. ففورد، وما معها من مؤسسات، هي التي تستخدم عبدالله، وتوظف نشاطه لمصلحتها، وليس العكس، وهي بالطبع تفعل هذا بشروطها هي.

ولكن لماذا تسمح فورد ومن معها من مؤسسات، بإعلان ولو جزء يسير من التمويل الذي تقوم به، مهما كان هذا الجزء صغيراً، بالنسبة للصرف الكلي؟! بمعنى آخر، لماذا لم تترك، أمر التمويل هذا كله، في إطار العمل السري؟!
إعلان جزء ولو يسير من التمويل يخدم عدة أغراض، نلخصها في النقاط التالية:

1. هو يظهر الموضوع كله وكأنه موضوع بحث علمي بريء.

2. الاعلان يضع قيوداً على من يتم تمويله، بالصورة التي تضمن استمراريته في العمل.. فهو يجعل الأمر كله عقد معلن بين طرفين.

3. ربما تكون النقطة الأهم هي أن الاعلان عن جزء من المبلغ المدفوع، يشكل دعاية، وإغراء، الغرض منهما اجتذاب آخرين، لتوظيفهم في نفس العمل.

خلاصة الأمر هي أن تشويه د. عبدالله أحمد النعيم، للإسلام، والفكرة الجمهورية، الذي عرضنا صورة له، هو تشويه يخدم أغراض خصوم الإسلام في الغرب.. وإذا كان د. عبدالله، قد سار في هذا الأمر، بوعي منه، أو بغير وعي، فالنتيجة واحدة، وهي أنه وظف نفسه لخدمة أغراض أعداء الإسلام، وقام بأسوأ، وأكبر تشويه للإسلام عامة، وللفكرة الجمهورية خاصة.

إذا ذكر د. عبدالله أساسيات دعوة الأستاذ محمود للإسلام، هل سيجد هذا الدعم والترويج، الذي وجده.. مثلا:

1. إذا ذكر لهم د. عبدالله أن أستاذه ـ الأستاذ محمود ـ يدعو، ويبشر، ببعث إسلامي جديد ينتصر فيه الإسلام على الحضارة الغربية، ويكون البديل لها، هل سيجد الدعم والتمويل الذي وجده؟

2. إذا ذكر د. عبدالله أن أستاذه يبشر بعهد قريب للإسلام ينتصر فيه على جميع الأديان، بحيث لا يصبح في الأرض إلا من يشهد شهادة أن (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هل سيجد الدعم والتمويل الذي وجده؟!

3. إذا ذكر لهم د. عبدالله أن أستاذه، في دعوته للبعث الجديد، يدعو إلى طريق محمد (صلى الله عليه وسلم)، المسلمين وغير المسلمين، ويبشر بوحدة الأمة حول النبي الكريم وشعاره (بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها).. هل كان سيجد التمويل والدعم الذي وجده؟!

4. إذا ذكر لهم أن أستاذه يدعو للدستور الإسلامي، ويعتبر دعوة المسلمين للدستور العلماني خيانة.. وأنه على الدستور الإسلامي، تقوم دولة الإسلام، على أساس من النظام الديمقراطي الإشتراكي، هل كان سيجد الدعم والتمويل الذي وجده؟!

5. إذا ذكر لهم أن أستاذه يعتبر أن سيادة الإسلام في الأرض كلها، وظهورها على الأديان جميعها، هو أمر حتمي، ووشيك وأن هذا النصر يتم على يدي المسيح المحمدي المبشر به، هل كان سيجد الدعم الذي وجده؟!
لماذا غيَّب د. عبدالله هذه الحقائق الأساسية التي تقوم عليها دعوة الأستاذ محمود؟ ولماذا استبدلها بما هو مناقض لها؟! هل يمكن أن يحدث هذا بمجرد الصدفة ودون تدبير؟! وهل يمكن أن يكون إلتقاء د. عبدالله، والمؤسسات الغربية المذكورة، مجرد لقاء عفوي غير مخطط له من أي من الجانبين؟!
هل نستطيع أن نقول أن الدافع الأساسي، لأن يقوم د. عبدالله بما قام به هو طلب المال والشهرة؟!

يتبع...

رفاعة
في 17/2/2023م

 

آراء