احتفالا بالذكرى الثامنة والثلاثين حول تقديم الحزب د. النعيم كمحتفل (7)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

" حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ * وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ * وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ"
صدق الله العظيم

القانون الطبيعي والحساب: الثواب والعقاب

القانون الطبيعي:

القانون الطبيعي في الفكرة هو الأساس المتين، الذي يقوم عليه الدستور، والقانون والأخلاق، كما يقوم عليه الحساب.. وهو الذي يعطي هذه جميعها، وحدتها، والمرجعية الأساسية التي يقوم عليها.. وهذا أمر غير متوفر في أي جهة من الجهات غير الإسلام.. وارتباط الدستور في الإسلام بالقانون الطبيعي، هو الميزة التي يتميز بها الدستور الإسلامي، وتجعله آصل من أي دستورٍ آخر.. فالدستور الإسلامي ينبع من طبيعة الوجود والطبيعة الإنسانية، وهذا أمر يتفرد به الإسلام.. فجميع الدساتير في الأرض هي مجرد اجتهادات بشرية، ليست لها علاقة بطبيعة الوجود والقانون الذي يحكمه.

هذا القانون الطبيعي، ومع كل أهميته هذه، أنكره د. النعيم!! فهو عندما سئل: "إذاً أنت لا تعتقد أنه من الممكن الحديث عن (القانون الطبيعي) من داخل الإسلام؟!" أجاب: "مرة أخرى، مصطلح القانون الطبيعي مصطلح مسيحي نبع من ظروف معينة"؟؟ فرد صاحب السؤال: "إنه ليس مصطلحاً مسيحياً فقط، بل في الواقع فلاسفة اليونان استخدموه"1!!
إن الأمر محيرٌ، هل يجهل د. النعيم، القانون الطبيعي في الفكرة، أم يتجاهله عن قصد؟!
لا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن د. النعيم لا يعرف القانون الطبيعي.. فهو وارد في كتاب (أسس دستور السودان) وهو من الكتب التي ذكر د. النعيم أنه اهتم بها.
جاء الموضوع في كتاب (أسس دستور السودان)، في قوله: "إن القرآن يبشر بعودة الإنسانية، على هذا الكوكب، إلى الاهتمام بمسألة الجبر والإختيار من جديد، وهو لا يبشر بتلك العودة فحسب، وإنما يقدم لتلك المسألة التأريخية الحل الأخير حينما يقول في جملة ما يقول (أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ) ويطيح في جملة واحدة بالوهم الذي يسيطر على عقولنا ويخيل لنا أننا نستقل بإرادة، ثم هو يطوع جميع تشاريعه لتعين عقولنا حتى تقوى على مواجهة النور، وذلك أن الوجود وحدة، يخضع لإرادة واحدة من ذراته إلى شموسه، فتلك الإرادة هي القانون الطبيعي، الذي اختط للعوالم المختلفة والحيوات التي تعج بها تلك العوالم، بداياتها ونهاياتها، ثم رسم لها خط سيرها فيما بين ذلك رسماً محكماً لا مكان فيه للمصادفة، وإنما كل ما فيه بحساب دقيق وقدر مقدور: وهذا القانون الطبيعي المحكم الدقيق هو أثر العقل الكلي القديم، الذي ما عقولنا الجزئية المحدثة إلا أقباس منه. والقرآن يهدف إلى تحرير عقولنا بأن يوجد بينها وبين العقل الكلي القديم صلة موصولة، وذلك بأن يقيدها بقانون يحكي في دقته وفي وحدته القانون الطبيعي. ليخلق بقانون الوحدة من عقولنا المنقسمة بين عقل باطن وعقل واعٍ كلاً واحداً متسقاً قادراً على التوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة، وبذلك تقوم في أخلادنا الصورة الصحيحة عن الحياة وعن حقيقة البيئة التي نعيش فيها" ص 26 .. هذا ما غيَّبه د. النعيم متعمداً ..

الحساب:

ود. النعيم له رأي غريب، وشاذ في أمر الحساب، فهو يقول: "أحد الطرق التي يلجأ إليها الناس لتعزيز إيمانهم في نظامهم العقائدي هو المبالغة في نوعية أو كمية الامتيازات التي يحصلون عليها أو سوف يحصلون عليها، وفداحة الخسارة التي سيتكبدونها إن لم يلتزموا بالمذهب العقائدي المحدد. وبهذه الطريقة يصبح لدى العديد من الناس إحساس بالمصلحة أو الملكية في نظامهم العقيدي ويكونون نظرة سلبية عن النظم العقيدية الأخرى"2.. د. النعيم إذاً، لا يؤمن بوجود حساب، ويعتبر كل الحديث الذي يجيء عن الحساب هو من صنع أرباب العقائد.. فإذا كان الأمر كما يقول: لا حساب، ولا ثواب ولا عقاب، فإن النتيجة الحتمية هي فوضى أخلاقية شاملة، وهذا فعلاً ما يدعو له د. النعيم، وسنرى أقواله في ذلك.. ولد. النعيم نصٌ آخر فيه الكثير من الاستهتار.

3. يقول: "أنا شخصيا مقتنع بأنه لما أمشي على ربنا أقول ليهو أنه دي قناعتي بالإسلام ‏وعملتها، حا يقول لي كويس!! (يؤشر بيده علامة الموافقة)!! اتفضل!! (يؤشر بيده ‏أيضا علامة السماح بالانصراف، ويضحك، وبعض الحضور يضحكون)!! طبعا، ‏اتفضل دي وين، أنا ما عارف!! (يضحك بصوت عالٍ والحضور يضحكون ثم ‏يجلس)!!)"3.. هذه خفة لا تليق بمجرد السن!! فإذا كان هذا أدبك مع الله، فمن الطبيعي أن يكون أدبك مع غيره أسوأ.

على كل د. النعيم لا يؤمن بالحساب، ويعتبره من صنع البشر، وهذا يؤدي إلى الإنهيار الأخلاقي.

4. وهو يرى أن نبعد المرجعية الدينية من سياسة الدولة فيقول: "لذلك فإن نقطتي هي أن أي مسألة تتعلق بسياسة الدولة، سواء كانت تشريعا أو سياسة، يجب أن تتم عبر المنطق المدني، وليس من أي منظور ديني أو مرجعية دينية. مثلاً، موضوع الحدود، وأنا أعارض أيضا فرض الحدود من قبل الدولة، فسواء كان الموضوع يتعلق بالحدود أو العلاقات الجنسية، أو أي موضوع آخر، يجب علينا أن نناقش الموضوع ونضع أسباب تكون قابلة للنقاش أو القبول دون أي مرجعية للدين أو العقيدة الدينية".4

5. ويقول في نفس المعنى: "فيما يخص هذا الموضوع، وهذا هو الموقف الذي أتبناه وأقدمه في هذا الكتاب، وهو أني أريد أن أقول إن أي سياسة عامة أو تشريع عام لا يمكن تبنيه بالرجوع إلى المرجعية الدينية. ومعنى ذلك أنك إذا أردت أن تمنع العلاقات الجنسية المثلية، بين الأفراد من الجنس الواحد، لا يمكنك أن تفعل ذلك بسبب أنها حرام، وتقول للناس لا يمكنكم أن تفعلوا ذلك لأنها خطيئة من وجهة نظر الدين".5!!
كل أقواله هذه في الشأن العام.. وهو يقول: "أنا تلميذ للأستاذ محمود محمد طه في جميع أحوالي، وفي كل ما أدعو إليه في أمور الحياة العامة"، فهذا يعني بالضرورة، أنه ينسب للفكرة كل ما قد قاله وقرره فهو قد قاله بصفته جمهوري.

نحن لنا رجعة إلى هذا الموضوع، بشيءٍ من التفصيل عندما نتحدث عن الأخلاق.

إن سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه سلم، بمجرد رفع الصوت فوق صوته يحبط العمل، فكيف يكون الحال إذا كان سوء الأدب مع الله نفسه، ومع نبيه؟!
إن الحساب على العمل فوري، ويكمل في الآخرة.. فالآن يجد د. النعيم طرفاً من الجزاء على عمله، ولكنه من الغفلة بحيث لا يشعر.

رفاعة
5/2/2023

المراجع:

1. مقابلة برنانديني
2. من ورقة له بعنوان: نحو تفسير إسلامي لحقوق الإنسان
نشرت على الباب 16 في كتاب بعنوان: حقوق الإنسان والقيم الدينية.. الكتاب من تحرير عبدالله أحمد النعيم، جيرالد د. جورت، هنري جانسن، هندريك ام. فروم
إصدار: اديشنز رودوبي، أمستردام الناشر: ويليام بي ادرمانز ببليشينج كومباني – ميتشيجان
3. من المحاضرة التي قدمها النعيم بالدوحة، 17/5/2013، على الرابط التالي:‏‎ ‎
http://www.youtube.com/watch?v=uild8jbimGA
4. من محاضرة عنوانها (من هو الإنسان في حقوق الإنسان) ألقاها النعيم في المؤتمر الذي انعقد في جامعة هارفارد بعنوان (Rethinking the Secular) في شهر أكتوبر 2007: رابط المحاضرة:
Ref:www.hds.harvard.edu/cswr/resources/lectures/annaim.html
5. المرجع السابق

 

آراء