احداث ابيي وخطر تجدد الحرب

 


 

 



في يوم السبت: 4/5/ 2013م ، وقعت احداث مؤسفة في ابيي ، راح ضحيتها سلطان دينكا نقوك: كوال دينق مجوك، وهو حدث جلل يمكن أن يؤدي الي تجدد الحرب بين دولتي شمال وجنوب السودان، اذا لم يتم تداركه بالحكمة وضبط النفس، وقطع الطريق امام دعاة الحرب، ومخططات المؤتمر الوطني الهادفة الي اشعال نيران الحرب وتفكيك النسيج الاجتماعي للمنطقة الذي قام علي التعايش السلمي بين قبيلة المسيرية ودينكا نقوك لمئات السنين. هذا اضافة الي أن الحادث يمكن أن يؤدي الي عرقلة الجهود المحلية لتسوية قضية ابيي، باعتبار أن ابناء المسيرية ودينكا نقوك قادرون علي الوصول لحل عادل لمشكلة ابيي بعيدا عن دعاة الحرب، وهذا يستوجب ضبط النفس من دينكا نقوك والمسيرية ، وعدم الانجراف الي اتون الحرب التي لاتبقي ولاتذر ، وتكوين لجنة لتقصي الحقائق حول الحادث ومحاكمة المجرمين.ونزع سلاح المدنيين بصورة عاجلة.
كل التعازي لاسرة الفقيد وقبيلة دينكا نقوك في رحيل السلطان كوال دبنق مجوك الذي اسهم مع اسلافه في ارساء مبادي التعايش السلمي بين قبائل وسكان المنطقة.    
*  ما كان للوضع ان ينفجر في منطقة ابيي ويصل لذلك الوضع المأساوي لولا التلكؤ في تنفيذ اتفاقية نيفاشا، بما في ذلك الاتفاق الذي تم التوصل اليه في الاتفاقية حول ابيي، والواقع ان ابيي كانت حجر عثرة في التوصل الي اتفاق سلام بين طرفي التفاوض في نيفاشا، وعندها قدم السناتور دانفورث الي طرفي التفاوض مقترحا بعنوان (مبادئ الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية بشأن ابيي بتاريخ: 19/3/2004م)، قبل الطرفان اعلان المبادئ أساسا لحل النزاع. احتفظ اعلان المبادئ للمسيرية بحقوقهم التقليدية في حركة الرعي ، ولكن تدخل عامل آخر هو البترول الذي زاد من حدة الصراع حول الثروة في المنطقة، وبعد انفصال الجنوب كانت قضية ابيي من القضايا العالقة بين الدولتين، ولم يتم الاستفتاء الذي كان مقررا له في الاتفاقية، مما زاد من التوتر في المنطقة ، وفي العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب.
وبالتالي، لو كان الصراع بين المسيرية والدينكا، فما اسهل حله، لأن الاتفاقية اعترفت للمسيرية بحقوقهم في الرعي ، ولكن تفجرت المشكلة وزادت اشتعالا مع اكتشاف وجود البترول في المنطقة، مما احال النزاع من صراع قبلي محدود لصراع حول الثروة بين الشمال والجنوب.
ولايمكن معالجة قضية ابيي بمعزل عن مسار التنفيذ في اتفاقية نيفاشا، لأن المسائل مترابطة ولايمكن الفصل بينها، فمنذ توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005، كان هناك تباطؤ في تنفيذ الاتفاقية، ولم تنفيذ اهم ركيزتين في اتفاقية نيفاشا وهما : التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات، وتحويل وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005 الي واقع،
اضافة لعدم تحقيق شئ يذكر حول التنمية وتحسين احوال الناس المعيشية وتوفير احتياجاتهم الاساسية( التعليم، الصحة، خدمات المياه والكهرباء... الخ).
وتم  التلكؤ في  تنفيذ الاتفاقية: التحول الديمقراطي، ترسيم الحدود، عدم تنفيذ الاتفاق حول ابيي..الخ، وتم معالجة ذلك بالوصول الي مصفوفة جديدة لمتابعة تنفيذ الاتفاق، ولكن المصفوفة نفسها، تم التلكؤ في تنفيذها. مما ادي الي اندلاع الحرب في ابيي، وقرار التحكيم في لاهاي، وحتي تدخل الامم المتحدة وقرار وجود القوات الاثيوبية في المنطقة.
ورغم توقيع الاتفاق الأخير مع دولة الجنوب والذي يأمل المواطنون أن يؤدي الي حسن الجوار مع دولة الجنوب ، الا أن ذلك رهين بتحقيق الآتي:-
•    وقف الحرب في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ، والحل الشامل والعادل لقضايا تلك المناطق ، وهذا يتطلب المضي قدما في التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال لحل مآسي الحرب والقضايا الانسانية مثل : توصيل الاغاثة للنازحين ، وعودتهم الي قراهم والي الانتاج الزراعي والحيواني بدلا من تلقي الاغاثة.
•    حل قضية دارفور في اطار قومي شامل وعادل بعد فشل الاتفاقات الثنائية التي زادت الاوضاع تعقيدا في المنطقة، ووقف الحرب التي بدأت اثارها تمتد الي شمال كردفان( احداث ام روابة، وابوكرشولا، والسميح ، والله كريم..الخ).
•    الغاء حالة الطواري في مناطق التماس، وضمان حرية التجارة والتنقل بين حدود البلدين ، واطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين.  
*ورغم رفع شعارات الحوار، الا أن  النظام يستمر في سياساته نفسها التي قادت الي الكارثة والانهيار وتمزيق وحدة البلاد مثل : تصعيد الحرب في دارفور وجنوب النيل الأزرق، وجنوب كردفان، وتصعيد التوتر مع دولة الجنوب ومصادرة الحريات الصحفية وحرية التعبير وتسيير المواكب السلمية، والحريات الدينية، ومحاولة فرض الدستور الآحادي في غياب الآخرين والتي محكوم عليها بالفشل. ومواصلة الاعتقال التحفظي"، وبيع اراضي السودان، واغراق السوق بالاغذية والادوية الفاسدة ، والاتجاه مرة أخري لزيادة اسعار دقيق الخبز والسكر والمحروقات، وتصفية مؤسسات القطاع العام مثل مصانع السكر، والغاء مجانية العلاج.
ومعلوم أن من مقومات الحوار أن يعترف النظام بالازمة ، وتفكيك النظام الشمولي واطلاق الحريات العامة ، والغاء القوانين المقيدة للحريات ، والسماح بحرية اصدار الصحف الحزبية وندوات الأحزاب في الاماكن العامة، واطلاق سراح المعتقلين، ووقف الحرب والتفاوض مع الحركات المسلحة، وحل القضايا العالقة مع حكومة الجنوب ( ابيي وترسيم الحدود...).
بالتالي، فان طبيعة النظام لم تتغير، والتي تقوم علي النهب والقمع والمرواغة وكسب الوقت، وأن يكون الحوار والمشاركة تحت هيمنته وفرض "اجندته"، وهو نظام فاسد حتي نخاع العظم، لايجدي الحوار معه، فهو بطبيعته لايقبل الحوار والرأي الآخر، وشعاره سحق المعارضة، والتصوير بأنه لابديل غيره، وأنه اذا ذهب فسوف تعم الفوضي في البلاد، علما بأنه هو السبب الأساسي في الفوضي التي ادت لفصل الجنوب، وربما تمزيق ما تبقي من الوطن اذا كابر واستمر في سياساته السابقة.
وبالتالي، لابديل غير اسقاط النظام اذا اردنا انقاذ الوطن، والحفاظ علي وحدة ماتبقي منه، واعادة توحيده مرة أخري علي أساس الدولة المدنية الديمقراطية، وانجاز التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين، وضمان استقرار البلاد وحسن الجوار وعلاقاتنا الخارجية، وضمان سيادة البلاد، واعادة توحيد الوطن علي اسس طوعية وديمقراطية.

alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء