احذروا فاننا نسير على درب الصوملة

 


 

 

المأزق الدامي .. وحصاد المؤتمر

 

ياسر حسن عبد القادر

الخرطوم

yassir hassan [yassirha@hotmail.com]

بتتبع المشهد السياسي الحالى للسودان والذي يعتبر في كل الاحوال محصلة طبيعية لجملة السياسات التي انتهجتها الانقاذ منذ قيامها يلاحظ تعدد القضايا والازمات والمخاطر المحدقة بالبلاد ومن كل اطرافها الاربعة ، واخر هذه المخاطر ما يجرى في ارض الشمال وبالتحديد ما يدور بين ادارة مشروع سد مروى وسكان تلك المناطق والتي تنذر بتطورات قد يصعب السيطرة عليها وقد تم اختصارها فيما يعرف بقضية ابناء المناصير مجاراة للعرف والسياسات الانقاذية والتي عملت على خلق وتوسيع النزعات القبلية والجهوية داخل المجتمع السوداني وذلك بغرض احكام سيطرتها على كل امور الدولة ، لذلك فان هذه القضية ليست خاصة بالمناصير وحدهم وانما هي قضية كل السكان الذين يرون انهم قد تضرروا من قيام هذا المشروع ويقطنون في هذه المنطقة بغض النظر عن القبيلة التي ينتمون اليها وقضية كل اهل السودان الذين يؤمنون ايمانا كاملا بوحدته ، وقد لا يختلف اثنان في اهمية هذا المشروع القومي الذي يتميز بكونه يصب في مصلحة السودان ويحقق العديد من المزايا الاستراتيجية للدولة الا ان الطامة الكبرى لهذا المشروع والتي تدخل ضمن السياسات المعروفة للانقاذ انها قد عملت على توظيفه للكسب السياسي واوكلت امر تنفيذه الى الذين يقومون بمباشرة العمل السياسي لصالح التنظيم بدلا من النظر والتمعن والتركيز في الابعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذا المشروع العملاق ، وعلى هذا الاساس سعت ادارة المشروع الى التعامل مع كل القضايا التي تحيط بتنفيذ المشروع بالعقلية السياسية والامنية التي ادمنت التعامل بها وتشبعت بها من خلال عملها التنظيمي مما قد يجر البلاد الى كارثة اخرى تضاف الى جملة الكوارث التي ظلننا نعاني منها طوال العقود السابقة ورغم انه من المعروف ان كل المشروعات التي يتم تنفيذها تسبقها عادة ما يعرف بدراسات الجدوي الاقتصادية والتي تتضمن دراسة كل الجوانب المحيطة بالمشروع المراد تنفيذه ومن ضمنها الجوانب الاجتماعية الا ان انفجار هذه القضايا والمشاكل بين ادارة السد والسكان المتضررين يشير الى التسرع والاستعجال الذي لازم كل خطوات تنفيذ هذا المشروع وعدم كفاءة الدراسات والبحوث التي تم اجرائها وعدم كفاءة الادارة المشرفة على قيام المشروع.

ويؤكد ذلك تعنتها واصرارها على المضى قدما في تنفيذ ما تراه صوابا من وجهة نظرها دون الالتفات الى رغبات وحقوق السكان المتضررين ودون معالجة كل القضايا التي تسببت فيها مما ادي الى تأزم الاوضاع هناك وقابليتها للانفجار في اي لحظة حسب ما يرد من الاخبار التي تتناولها الصحف اليومية ، ولتفادى تصعيد هذه الامور فان من واجبات سلطة الانقاذ وبحكم مسؤوليتها المباشرة عن السياسة التي اتبعتها ادارة هذا المشروع ان تعمل على تغيير هذه الادارة والتي اثبتت فشلها الذريع في حل كافة القضايا التي واجهتها وان تأتي بادارة جديدة للمشروع تعمل على الجلوس مع كافة السكان الذين تضرروا من قيام هذا المشروع وعلى ان تعمل على تركيز المشروع في الاطار الاقتصادى والاجتماعي الذي يحقق مصلحة كل اهل السودان دون اكراه او ضغط على اي مجموعة سكانية معينة ، وفي حالة اصرار السلطة على استمرار نفس هذه الادارة وبنفس السياسات التي اتبعت من قبل فان الخيارات المتاحة امام اولئك السكان تصبح محدودة ولهم في ذلك الحق في اللجوء الى المجتمع الدولى بكافة منظماته بما فيها الامم المتحدة لعرض قضيتهم والتي سوف تجد كثيرا من الاهتمام والمتابعة خاصة واننا تعودنا على فشل الانقاذ في ادراك مالات الامور الا بعد فوات الاوان ومن خلال الاستجابة للضغوط الخارجية والاذعان لمطالب من يحمل السلاح في وجهها كما تعودنا من المجتمع الدولى سرعة الاستجابة لكافة القضايا المتعلقة بحقوق الانسان والمجموعات والفئات التي تنتهك حقوقها ، هذا على ساحة الشمال اما على ساحة الشرق فان الاوضاع لا تختلف كثيرا عن ما يجرى في الشمال بل انها اكثر سخونة بدليل الاخبار الواردة عن الجيوش التي يتم حشدها وعن حملات التجييش التي يتم اعدادها استعدادا للمرحلة المقبلة وتلك التقارير التي تتحدث عن التوقعات بانفجار الاوضاع هنالك خاصة تقارير مجموعة الازمات الدولية والتي اشارت الى امكانية انفجار الاوضاع هنالك عقب انسحاب قوات الحركة الشعبية من منطقة همشكوريب واصرار قادة المعارضة على حلول قواتهم محل قوات الحركة مما ينذر بامكانية اندلاع معارك بين الجانبين (الحكومي والمعارضة) ، يترافق كل ذلك مع الحديث الممل عن موعد انعقاد المفاوضات بين الجانب الحكومي من جهة وبين جبهة الشرق من جهة اخرى وهو حديث امتد زمنه لفترة طويلة بما يشير الى التلكؤ المتعمد بغرض تضييع الزمن وقتل كل الامال التي صاحبت قيام جبهة الشرق واصرارها على ايجاد حلول دائمة لتلك الازمة وترافق كل ذلك مع بعض الادوار المشبوهة التي بدرت من بعض مجموعات الوسطاء الاقليميين الذين سعوا للتدخل والتوسط في هذه الازمة رغم ان كل المؤشرات تدل على عدم قدرتهم السياسية لايجاد الحلول السياسية المناسبة ، وفي هذه الحالة فان تلك الازمة تتطلب تدخل المجتمع الدولى بكل منظماته ومجموعاته الدولية للمساهمة في ايجاد الحلول المناسبة خاصة الامم المتحدة وذلك للضغط على كل الاطراف المشاركة خاصة الجانب الحكومي والذي ادمن المماطلة والمماحكة في القضايا المصيرية رغم انه السبب المباشر في اندلاع كل هذه الازمات والقضايا ولابد ان يكون هنالك دور فاعل للامم المتحدة من خلال الاشراف والمتابعة وبنفس القدر الذي يبذل حاليا في امر تطبيق اتفاقية نيفاشا.

ولا يختلف المشهد في الغرب عن بقية الاطراف وفي ظل احتدام المعارك هناك وتفاقم الاوضاع الانسانية التي شكلت مأساة عالمية فان مفاوضات ابوجا مازالت تراوح مكانها رغم الضغوط الدولية التي تركزت في الآونة الاخيرة من خلال تحديد سقف زمني للمفاوضات ، وفي ظل التمترس الذي تبديه المجموعات المتفاوضة خاصة الجانب الحكومي فان كل المؤشرات التي تصدر من هناك تؤكد ان هنالك كثير من المصاعب التي تعترض سير المفاوضات، وفي كل الحالات فان الامر يسير باتجاه ان تتولى الامم المتحدة ذمام الامور بدلا عن الاتحاد الافريقي بما يتطلب ذلك من تولى كل ما يتعلق بهذا الملف وبما يتطلبه من ضرورة استقدام قوات دولية لحفظ الامن والضغط على كل الاطراف للاسراع بايجاد الحلول المناسبة ، اما ما تبديه الحكومة من رفض تجاه قدوم هذه القوات الدولية لاقليم دارفور فهو رفض غير مبرر وغير مقنع في ظل استفحال الازمة الانسانية هنالك والعجز والاخطاء التي ارتكبت في حق هذا الاقليم طوال الفترة السابقة ومنذ اندلاع هذه الازمة ، اما على ساحة الجنوب فان كل الازمات والقضايا التي تبدو على السطح السياسي فان امرها يرتبط مباشرة باتفاقية نيفاشا وما تمخضت عنه من حلول اثمرت في ايجاد دستور انتقالى وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وخلق الكثير من المؤسسات التي تسعى جاهدة لتثبيت امر تنفيذ هذه الاتفاقية ، الا ان هنالك كثير من العقبات تعترض امر التنفيذ لهذه الاتفاقية وهنالك التباطؤ المتعمد الذي يلازمها مما يشكل احدى المهددات الاساسية للاوضاع السياسية الحالية في البلاد ، وقد يعزو البعض هذا الامر للضعف الذي لازم مسيرة الحركة الشعبية والتي تعتبر الشريك الاساسى في هذه الاتفاقية خاصة بعد الظروف والاوضاع التي مرت بها بعد فقدانها لمؤسسها وقائدها الدكتور جون قرنق في الحادث المأساوى الذي اودى بحياته الا ان كل ذلك ترافق مع منهجية وسياسات المؤتمر الوطني الذي يسعى الى احداث خروقات في صلب الاتفاقية بالقدر الذي تسمح به وذلك لاستمرار فرض هيمنته وتمكينه على امور ادارة الدولة واستخدام استراتيجية الايحاء لاقناع الذين استبشروا وتفاءلوا بتوقيع هذه الاتفاقية بعدم جدواها مستخدما في ذلك العديد من الوسائل والاساليب التي اتقنها طوال فترة حكمه، ولكن دعونا نتفاءل بما تمخض عنه مؤتمر رومبيك الذي عقدته الحركة الشعبية مؤخرا والذي تم فيه وضع استراتيجية جديدة لمسيرة الحركة بما يؤهلها للعب دور كبير في المسيرة السياسية القادمة وهي قادرة على احداث التوازن المطلوب بما يحقق الهدف الاكبر وهو تحقيق التحول الديمقراطي المنشود بما يرافقه من تثبيت دعائم احترام حقوق الانسان وحقوق الاقاليم والمجموعات التي عانت من التهميش ومعالجة امور توزيع السلطة والثروة بعدالة .. وهذه الامور اصبحت الشغل الشاغل لانسان السودان ليس في الاطراف وحدها بل في الوسط وفي قلب العاصمة حيث مثلث الفقر الذي يحيط بها من كل الجوانب نتيجة للاوضاع التي انتجتها سياسات المؤتمر الوطني.

لكل تلك الامور والتي تمثلت في تلك القضايا والازمات التي تمددت في كل الاطراف يحق لنا التساؤل عن تلك الوجهة التي يأخذنا اليها المؤتمر الوطني من خلال سياساته المعلنة وغير المعلنة والتي تسعى دوما الى القهر والافقار والتهميش ، ويتم التساؤل وفي البال العديد من النماذج السياسية منها الحالة الصومالية والحالة الافغانية والتي تظل ماثلة وشاخصة في التارخ السياسي ، لذلك فاننا نقولها وبالصوت العالى حتى يسمعها اهل المؤتمر الوطني وليدركوا ان مآلات سياساتهم تصب في اتجاهات تحقيق الصوملة او الافغنة ، حيث ان كل الدلائل والمؤشرات تصب في هذا الاتجاه، وهذه الصيحة مرفوعة لكافة القوى السياسية التي جف حلقها من المطالبة والالحاح في ايجاد التسويات السياسية الكفيلة باخراج البلاد من هذا النفق المظلم حتى لا يحيق بنا ما حاق بالصومال او افغانستان حيث ان المشهد السياسي الحالى يشير الى ذلك.

 

آراء