ارق ضريبي
9 August, 2009
تشكل بعض البدائل التي اقترحها صندوق النقد الدولي كاسلوب لمعالجة اثار الازمة الاقتصادية العالمية علي السودان ، تشكل بدائل غير مقبولة بمنطق العلاج نفسه. من ضمن رؤية الصندوق ضرورة الغاء الاعفاءات الخاصة بالضريبة علي القيمة المضافة الممنوحة للقطاعات المحلية الرئيسية ، مثل الكهرباء ( كما يدخل ضمن تلك الاعفاءات بعض السلع التي لم يشر اليها الصندوق مثل مدخلات الانتاج الزراعي و بعض أدوات إنتاجه و بعض الأدوية و السلع الخاصة بالأطفال و غيرها) . تضمن المقترحات ايضا رفع الحد الادني المعفي من ضريبة الدخل الشخصي و عدم اعفاء الاشخاص الذين تجاوزوا سن الخمسين من الضريبة نفسها . تعتبر تلك الاجراءات غير شعبية و مضرة بالعوامل الاقتصادية الاجتماعية من ناحية تاثيرها علي المستوي العام للاسعار و تقليلها من استهلاك شرائح واسعة من المواطنين الذين يعانون من ضعف دخولهم . كما تضع تلك الاجراءات عبئا اضافيا علي الاشخاص الذين تجاوزوا سن الخمسين او قضوا خمسة و عشرين عاما في الخدمة المتواصلة. كما ستزيد الوصفة المقترحة من تكاليف الانتاج و تؤدي الي الحاق ضررا جسيما بتنافسية الصادرات غير البترولية خاصة الزراعية. الملفت للنظر هو اشادة الصندوق برفع فئة الضريبة علي القيمة المضافة و بالرسوم الاضافية التي تم فرضها مثل المفروضة علي السيارات و بعض الواردات.
كما تلاحظون فان السودان قد شهدت موجات متتالية من الارتفاع في معدلات التضخم مع ثبات الدخول لغالبية سكان البلاد مع تراجع سعر الصرف للجنيه السوداني مما يعني فقدان نسبة مقدرة من المدخرات النقدية في المصارف و في الشهادات و الصكوك نسبة لان نسبة الارباح عليها لم ترتفع اذا لم تسجل انخفاضا. من ذلك نستنتج ان المضي وراء الصندوق في ذلك الاتجاه لن يكون مفيدا من الناحيتين الاقتصادية و الاجتماعية و هو ما يجب مراجعة الصندوق فيه و الصمود امام الضغوط التي سيمارسها من خلال ما يسمي ب " مراجعة الإصلاحات الضريبية " التي ستستمر حتي نهاية هذا العام.
لقد تسببت بعض التلميحات الصادرة من الإدارة الأمريكية حول إمكانية التراجع عن وعودها بعدم فرض ضرائب علي المواطنين من الطبقة الوسطي الذين يقل دخلهم السنوي عن 250 الف دولار ، تسببت في ارق حقيقي للطبقة الوسطي و انعكس ذلك من خلال التغطية الإعلامية المكثفة للموضوع في الميديا الامريكية و الاقتصادية الدولية. اذا كان ذلك الاجراء غير مقبول في الولايات المتحدة الامريكية و يثير جدلا كثيفا فكيف الحال في السودان؟. بالتاكيد فان الحد الادني المعفي من ضريبة الدخل الشخصي في السودان يقل كثيرا عن مستوي 250 الف دولار كدخل سنوي و كذلك تقل رفاهية الاشخاص الذين تجاوزوا سن الخمسين عن ذلك المعدل بكثير لسواد العاملين في السودان ما عدا قلة قليلة من فئة مميزة لا تتجاوز بضعة الاف من مجموع الاشخاص الذين تفرض عليهم ضريبة الدخل الشخصي. علي الصندوق لكي يثبت مصداقيته و صحة فرضياته ان يقنع الطبقة الوسطي الامريكية بصحة الاجراءات الخاصة بزيادة ضريبة الدخل الشخصي قبل ان ياتي لاقناعنا بذلك . ان اتباع نصائح الصندوق في السياسة المالية سيؤدي الي حالات من الارق المميت . لذلك نادينا بضرورة التعامل مع الصندوق و لكن برؤية جديدة بعيدا عن وصفاته التقليدية المدمرة خاصة في ظل الاحتقان الاجتماعي الذي يمر به السودان اليوم و الذي زادت من حدته تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية.
hassan mn bashir [mnhassanb@yahoo.com]