استقالة في شكل وردة للفلول: مواجهة الخصوم أم الأحباب؟!

 


 

 

 

القضاة الذين أعلنوا استقالتهم من لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد بالسلطة القضائية (فعلوا خيراً) وليتهم تركوا ساحة القضاء بكاملها.. إذن لأراحوا أنفسهم وأراحونا..! فمهمة تفكيك الإنقاذ تحتاج إلي أشخاص أشداء على الظالمين (رحماء بينهم) لا يخشون لومة لائم في حق البلاد وفي تفكيك تركة الإنقاذ المرذولة، ولا تأخذهم شفقة في الذين (يحادون الوطن والشعب)..! إنهم يعلمون أن قانون اللجنة يمنحها حق تفكيك التمكين (في أي مكان كان) ولا استثناء لمجلس السيادة ولا هيئة القضاء (فالتمكين هو التمكين) بل إنه أخطر ما يكون في السلطة القضائية..!

لكن الشاهد (المريب) أن اللجنة لم تجتمع لتبدأ أعمالها.. فكيف تكون قد خالفت تطبيق معايير العدالة؟ وهل يحتاج تسييس السلطة القضائية في زمن الإنقاذ إلى بيان واستبيان؟ وماذا يقصد المستقيلون بعدم تمكينهم من مواجهة الخصوم واللجنة لم تعقد اجتماعها الأول..؟! هل يا ترى تقدموا باستقالتهم من (باب المجاملة)؟ أم للهروب من مواجهة القضاة الذين عينتهم الإنقاذ لخدمتها سياسياً وكانوا (يخرمون عيون القانون) من أجل حماية مجرميها وسارقيها؟!

لماذا لم يقدم القضاة استقالاتهم في أيام الإنقاذ الكالحة السوداء التي كانت جرائمها مما تشيب من هوله الولدان.. أيام القتل خارج القانون الذي طال مئات الآلاف وأيام تشريد الملايين من مواطنهم؟ ولماذا لم يستقيلوا عندما أعلن الرئيس المخلوع أن نظامه (حسب كلامو) قتل عشرة آلاف مواطن بغير ذنب؟ وأيام كانت الطائرات تقذف المدنيين في مساكنهم بالصواريخ والبراميل الحارقة، وعندما كانت بنادق النظام تصطاد المواطنين المسالمين وتحصد التلاميذ في معسكرات الموت، وعندما قامت بحرق الشباب أحياءً يهتفون وكتفت الإيفاع من أرجلهم وأياديهم وألقت بهم في النيل طعاماً للأسماك وعيونهم مفتوحة وصدورهم مكشوفة (بجراحها متزيّنة)..! ..هل لديكم شك في تمكين جماعة الإنقاذ وفسادها؟ أم تريدون إرضاء الإنقاذيين وإظهار الادعاء بأنكم أحرص على العدالة من الجميع..؟! وهل تعتقدون البراءة في قضاة الإنقاذ وسماسرتها وأذنابها المصطنعين؟ وهل يمكن أن يكون أيٌ من هؤلاء الذي جرى تمكينهم في مناصب القضاء بالموالاة السياسية بريئاً ومظلوماً.. أم تريدون أن تتشفعّوا له بهذه الاستقالة التي ليس من ورائها إلا خلق البلبلة وفك الحصار عن مجرمي الإنقاذ..؟!

عندما قبلتم بالعمل في لجنة إزالة التمكين ألم تعلموا أن صلاحياتها تشمل ملاحقة الذين استولوا على مناصب الدولة بسبب الولاء السياسي الحزبي.. وأن مهمتها تفكيك التمكين قانونياً وسياسياً؟ أم أنكم تريدون تحويل عملها إلى مماحكات و(انكراشات) وتسويفات وانتم تعلمون (علم اليقين) إن إجرام الإنقاذ يقوم على إخفاء الأثر حتى تخفي وجود وكلائها ومناديبها في مرافق الدولة المختلفة.. وكان القضاء على رأس هذه المرافق لأنها تعلم أن كل أعمالها تقع خارج نطاق القانون..! فهل القصد تعويق إزالة التمكين عبر بيان الاستقالة المهزول الذي يحمل (أنفاس الإنقاذ غير الطيبة) في الاستشهاد بالمأثورات الدينية في غير مواضعها وخارج سياقاتها للتمويه على الأفعال البشرية.. تماماً كما كانت تفعل الإنقاذ طوال عهدها..لقد فات زمن خديعة الناس بإظهار التنسّك والتدين وارتداء ثياب الواعظين والتستّر تحت الشعارات في محاولة للاختباء خلف (حشائش السافنا القصيرة)..!

مثل هذه الاستقالات المريضة لن تفلح في إيقاف مد الثورة (الذي عمّ القرى والحضر) وهناك بعض الناس.. قضاة كانوا أم غير قضاة لم يستطيعوا احتمال تفكيك الإنقاذ.. ولا يمكن لعاقل أن يتشكّك في فساد ومخالفات جميع الذين وردت أسماؤهم في قوائم لجنة تفكيك التمكين.. بل إن ما تمّ حتى الآن من فساد ومخالفات وسرقات ومحاباة (هو بعضٌ من كل)..! فلا يوجد سوداني (نصيح) يملك شكاً (بمقدار خردلة) في فساد منسوبي الإنقاذ وقادتها وأتباعها وأصحاب حظوتها و(محظوظيها) من أكبر رأس فيهم إلى آخر تابع (مخطوم الأنف) برسن الذل والانقياد..ولن تفلح محاولات تبرئة الإنقاذ التي أفسدت القضاء وجعلته مطيّة لإخفاء جرائمها.. وكل الناس تعلم إن الإنقاذيين كانوا يجتهدون في التغطية على الفساد ومحو أثر الأقدام والاعتماد على التوجيهات الشفاهية و(التمكين الخفي) من غير أوراق وإمضاءات ومستندات حتى يتمكنوا من بث كوادرهم في جميع مفاصل الدولة.. ولكن بعض الناس ينكر ضوء الشمس ويطالب بشهادات (مكتوبة ومختومة) لإثبات ضوء النهار وطلوع الشمس..! فما كان أشد معاناة الناس من وطأة أحكام قضاة الإنقاذ المروّعة التي أهدرت العدالة وهدمت سيادة القانون وناصرت الظالمين وأحرقت (ميازيب العدالة) وموازين القسطاس..! ألا يعلم هؤلاء أن الإنقاذ (معشوقة الحرامية) كانت تستبيح كل القوانين والحرمات وتعمل بالرشوة والمحاباة في كل حركة وسكنه طوال ثلاثين عاماً من عُمر السودان؟!..

هذه الاستقالة أراد بها المستقيلون التغبيش على نصاعة عمل لجنة إزالة التمكين أم لم يريدوا...تمثل جزءاً من حملة تعويق تفكيك الإنقاذ .. وهذا من أحلام اليقظة.. وما الإنقاذ إلا شراكة بين لص ومتلصّص وجلاد وتابع وساكت اخرس عن الحق يلبس طيلسان العدالة ومكانه قفص الاتهام..!
الله لا كسّب الإنقاذ..!

murtadamore@gmail.com

 

آراء