اعادة تعريف دور الاحزاب (٢-٢)

 


 

 

الاحزاب هي منظمات مجتمع مدني وهي مرحلة متطورة في النمو الاجتماعي باعتبارها قومية فوق قبلية لانها تضم افراداً من كل فئات الشعب. سوف تتطور الاحزاب من مجرد بنايات طائفية او جهوية لمؤسسات برامجية مع تطور الفعل السياسي والوعي الشعبي. ولكي ترتقي هذه المؤسسات المدعومة من بعض الشعب ممن ينتمون لها سواء بالجهد العملي الميداني، البذل الفكري والارتقاء الثقافي وبالمال الذي يساهمون به، عليها ان تمتن اساسها الفكري والبرنامج وتنشر الديمقراطية وسطها وتتفق على معايير اخلاقية واسس مراقبة ومحاسبة لعضويتها وان تعتمد الشفافية في عملها.

سمعة كل الاحزاب وسط الشعب سيئة في ادائها التنظيمي والفكري والسياسي، ويلومها الكثيرون انها سبب فشل الثورة في تحقيق شعاراتها. لدي احزابنا تراث طويل ممتد منذ مؤتمر الخريجين يميناً ويساراً لتجيير منظمات المجتمع المدني التي لها ادوراها المختلفة والتسلق عبرها للسلطة في مستوياتها المختلفة، بدلاً من ان تقوم بدورها.

تتكون قحت ومجلسها المركزي في غالبها من الاربعة احزاب الكبرى (الامة ومجموعات الاتحاديين والمؤتمر السوداني والبعث) مع وجود احزاب صغيرة وتنظيمات. لقد دخلت قحت في متاهات كبرى واخرها ارتباكها الشديد في بناء موقف متسق مع شعارات المرحلة ولاءاتها، ورفض الشارع لمشروع الاعلان السياسي وتخبطها في شق لجان المقاومة ومنع وحدتها وتعطيل وحدة مواثيقها. لكي تتسق قحت مع المرحلة وتبدأ في طرح برنامجها ضمن قوى الثورة تحتاج لتغيير اسمها الذي اصبح من تراث الشعب السوداني الذي كونها طبقا لاعلان الحرية والتغيير. كما انها تحتاج ايضاً لاعلان تكوينهم الجديد كتحالف احزاب لها دور في اسقاط الانقلاب، وتبعد عن السيطرة على النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وسوف نوضح مهامها كاحزاب حالاً.

يتكون تحالف التغيير الجذري من الحزب الشيوعي منفرداً كحزب ومنظمات يساهمون في بنائها وثلاث لجان للمفصولين (الخدمة المدنية والجيش والشرطة) والتحالف الاقتصادي، وهي منظمات مجتمع مدني تضم كافة تيارات قوس قزح السوداني. طرح الشيوعي برنامج التحالف في يونيو ٢٠٢١ ومن المفترض انه برنامج سياسي للتحالف مع احزاب تقبل به، هذا لم يحدث، عكس الاجماع الوطني.. لقد وضح رفض الشارع السوداني للتحالفات الاستقطابية القائمة على الانتماء السياسي في النقابات والمنظمات المدنية، في فشل قائمة الشبكة (والتي لها تاريخ نضالي كبير وايدتها دوماً) في انتخابات الصحفيين. وفي الارتباك وفقدان موقف متسق في الموقف من قحت. ليطرح الشيوعي ماشاء من برامج وينشيء ما شاء من تحالفات ولكن ليس مع منظمات قومية مستقلة فهذا ليس دورها.

تصور لدور الاحزاب في المرحلة القادمة

لقد وضح جلياً ان قيادة الثورة في يد لجان المقاومة وتحالفاتها وهو مايعترف به كلا التحالفين ولو على تحفظ، و من مصلحتهما اسقاط الانقلاب والدخول في عملية تحول ديمقراطي حقيقي ومستمر. ان الاحزاب مؤسسات شعبية لطرح البرامج وعليها ان تلتقي مع بعضها مهما كانت الشقة واسعة، لانه من خلال الحوار والحوار فقط تستطيع ان تقدم خدمة كبرى لمصلحة انتصار الثورة. هذا هو الدور الاساسي للاحزاب. اثبتت التحولات والاحداث انه لن يكون برنامج اي منهما له الغلبة وان ما يحتاجه السودان هو مكان في المنتصف ثوري ويحقق شعارات الشارع.

جاء الميثاق الثوري معبراً بشكل او اخر عن مجمل افكار اليسار (ايدت ميثاق الجزيرة فكريا وخالفته سياسياً) بالتركيز على العدالة الاجتماعية، وميثاق التأسيس يمثل فكر احزاب قحت بشكل عام بتركيزه على الديمقراطية والسوق الحر. جاء الميثاق الموحد مزيجاً من التيارات الاساسية في المجتمع السوداني، متوازناً وشاملاً. لكن طارحاً سلطة الشعب كجسر بين نظام قديم واحلام المستقبل. اذا كانت احزابنا ضعيفة والديمقراطية داخلها هشة وتؤرقها الاختراقات والفتن من جوانب كثيرة، فلجان المقاومة كذلك تعاني من صعوبات وتحديات كثيرة وخبرتها السياسية محدودة (وان كانت نظيفة) وتحتاج من الاحزاب ان تتفق على ١) اسقاط النظام بقيادة لجان المقاومة وورائها الاحزاب مجتمعة، وتقديم ٢) "الدعم" ٣) و"الاسناد" للجان المقاومة لتقدم نموذجها الجديد في الحكم والادارة.

الدعم اعني به تقديم المشورة السياسية والبرامجية والاعلامية والاتصال الخارجي وهي مجالات تحتاج لخبرات موجودة في الاحزاب. والاسناد واعني به تقديم كوادر حزبية ذات كفاءة في مجالات بناء الدولة وتوفير المعلومات المتوفرة عن جرائم الانقاذ وسرقاتها والمشاركة في المؤسسات القادمة من مجالس على كافة المستويات ومراكز بحوث وتخطيط وغيرها.

هناك قضايا كبرى مطروحة امام الاحزاب لابد ان تلتفت لها من منظورها القومي وهي قضية تفكك البلاد وتنامي الدعوات الجهوية تارة بالانفصال او الفصل والبروز العالي لخطاب الكراهية. كما ان السلام، خاصة مع الحركة الشعبية الحلو وتحرير السودان عبد الواحد، يحتاج لمناقشات وحوارات مكثفة لكيلا تعود الحرب الاهلية. لدي الاحزاب فرصة ان تبدأ مسيرة بنائها المؤسسي الديمقراطي والفكري لتكون جاهزة لتقود البلاد بعد المرحلة الانتقالية.
--
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء