اعتبر الشُرطيّون ، وَهْمَاً ، أنّ نظامَ الإنقاذ كانَ أكثر تقييماً لَهُم وقَطعاً نظام الإنقلاب !

 


 

 

قلنا أن الحصه وطن ومعَها تنحَسِر الرؤية عن بقية الأشياء والّتي قطعاً هيَ دُونَهُ. رأينا بأُمّ أعيُنِنا وشهِدنا ببقيّةِ حواسِنا عربة الشرطه ومَن هُم في زيّ الشرطه يَضرِبونَ بالعكاكيز أشخاصاً في قبضتِهِم أي في حراسّتِهِم القانونيه. ظللنا نسمع قرقعة العكاكيز على الرأس مع انّ التصوير يتم خِلْسَةً من الطابق الأول أو طابِقٍ أعلا لمبنىً مُجاور.. رأينا مدنيين بمسدّسات كان بينَهُم وبين القنص ثوانٍ حتى تمّ تنبيههُم من " زملائهِم بأنّ هنالكَ آلَةَ تَصوير ..ورأينا الدّهس الذي حدث مما أودى بحياةِ شابٍ جاءَ مع إخوَتِهِ يطلُبُ حياةً أفضَل لوطَنِه وشَعبِه.
ما الّذي يدعو للتشفي والضّرب بعد القبض إن كانت القوّه فعلاً هي قُوّةً شُرطيه؟ وإن لم تَكُن كذلِك فمن سَمَحَ لها بالتواجُد باسم الشرطه؟ مَن سَمَحَ لزيّ الشرطه أن يُهان ويُنتَهَك؟ مَن سَمَحَ بتواجُد قناّصه بالزيّ المدني؟ ثُمّ ألّا يَتِمُّ تنويرِ هذه القوات قبل خروجِها؟ يُعيدُنا كُلُّ ذلك إلى حديثِنا عن القيادات التي تُؤمِنُ بالثوره والتي ( لَن يَحدُثُ ) التغيير المنشود بدونِها.
تتكون قوات الشرطه من الضباط وصف الضباط والجنود. وجميع الرتب لها اهميتها في الناحيه العمليه التي تقودُ إلى تفعيل الأداء الشرطي كما هو مطلوب.
ظلت الشرطه صديقه للمواطن بصورةٍ تلقائيه غير مُتَكَلّفه حتى العام ١٩٨٩. كل ذلك كان نتاجاً لنفوسٍ سَمحه وحرصٍ من القيادات التي تعاقبت ومُقَرّراتٍ صارِمَه في الكليات والمعاهد الشرطيه فحدَثَ إيمانٌ عميق بأنّ ذلك هو الأصل فيما تُقَدّمُهُ الشرطه من خدمات. تطبيق القانون كان يحدُث بلا غبينه فليس هنالك ثأرٌ شخصي فغلَبَ الوُّدُّ في ما بين تحرير المخالَفَه وبين التوجيه فقط وإخلاء السبيل. وغَلُبَ إخلاء السبيل في كلّ القضايا التي تستوجبُ السِتر سِتراً وابتعاداً عمّا يمكن أن تتناسل من جرائم حال المُضي قُدُماً في أيّة إجراءات.
ثُلاثينيّة الإنقاذ أدّت ، من الناحيه الطبيعيه ، إلى تغييرٍ جذري في كل القوه بمعنى ذهاب أغلبية قوّة شرطة ما قبل ١٩٨٩ بأسباب الذهاب المعروفه وكان لاجتهاد الانقاذ في محو خارطة ما قبلِها أثَرَهُ في إقصاء الأفضَل. تمّ تجيير المقرّرات بمعاهد الشرطه لمصلحة المشروع الحضاري وصار التّرَقّي لأعلا لا يَحكُمُهُ إلّا أداء قَسَمٍ يُعلِنُ يمين الولاء للمؤتمر الوطني فصارت كل القوَه تحت يد المؤتمر الوطني و قطعاً صارت كل الولادات اللاحقه عليها خاتَم المؤتمر الوطني.
حكومة الإنتقال تركت وزارة الداخليه للعسكر بالمخالفه للوثيقه والعُرف العام وهم أصلاً أظهَروا زُهداً في ذلك الأمر ولم يُشَكّل لهم همّاً فتفَنّن المجلس العسكري في الإحالات لقيادات الشرطه تمهيداً لأرضيّةِ من أتى بهم لِتَصَدُّر المَشهَد من مَنظورِهِ بالطبع وبما يَخدُمُ مصالِحَهُ. الخلل الأمني الذي صاحَبَ تلكَ الحِقبه لم يكُن مسبوقاً في تاريخ السودان فوجد النهب والقتل والترويع طريقهم لقلب العاصمه وصار هنالك تلاعُبٌ في عدم تسمية البلاغات بأسمائها حتى لا تظهر في يومية الحوادث بوصفِها فقُلِبَت جرائم النهب الى سرقات بسيطه وهكذا. ورغم وضوح الخلل رأينا كيف انّهُ لم يُشَكّل أي هَم للشرطه ولم يؤثّر فيها الجأر بالشكوى ووصول الأمر لحدودٍ خطيره. في الأثناء فقدت الشرطه أيّ أثرٍ للعلاقه التي بُنِيَت عبر العقود بينها وبين المواطن وبدأت رحلة المعاناه للمواطن بين اقسام الشرطه لتدوين بلاغ او قضاء معامله.
لإنتفاء عامل وصول الثوره الى داخل الشرطة اعتقد الشرطيون ، وَهْمَاً ، أنّ حكم الإنقاذ كان أكثر تقييماً لهم. فبحُكم أنّهُ في فترة الإنقاذ كان فمَ المواطن مغلقاً بالضبّةِ والمفتاح إنفتَح ذلك الفم وصارت الأخطاءُ تُحسَب ولم يَعُد الحبلُ على القارب. وبتغليبِ النظرةِ الموضوعيه ما زالت الشرطه تدورُ في فَلَكِ الإنقاذ أو أسوأ تحت يد المجلس العسكري خلال فترة الإنتقال بعد أن بَصَمَ المفاوضون بالعشره على رغبة المجلس العسكري وسار على نهجهم ( البصمَجي ) هذا مدنيو الإنتقال الذين لم يكن لهُم من هَمٍّ إلّا التحاصُص بإعتبارِ أوزانِهِم الكذوبه. لم يستثِر إهتمامهِم الإنفلات الأمني الذي ضرب البلاد من أقصاها الى أقصاها ولا اعتبروا المسؤوليه التي علّقَها الشعبُ على رِقابِهِم.
الآن لا يخفى على أحد أنّ الشرطه تُناصِر الإنقلاب وأنها تتعامَل مع شعب السودان بكُلّ القُبح الممكن وتضربُ شَعبَها بيدٍ من حديد ولا يَهُمُّها القتل ولا أعدادَ من ماتوا على يديها ولا يفعَلُ ذلك إلّا من أُعطيَ شيكٌ على بياض بِأن لا يَدٌ قادِرَةٌ على النَيل منهُ أو مُحاسَبتَهُ . نَفس الضمان الذي كانَ قَد أُعطِيَ لسدنة الأمن ورأينا مُحاكَماتَهُم وصَغارَهُم عندما لاحت بارِقةُ الأملِ تلك. شَهِدنا كيفَ انسَحَبَت عَنهُم قياداتُهُم وتَرَكَتهُم لمصيرِهِم المحتوم بعد أن ضاعَ الصولَجان وانحَسَرَت السُلطَه وأرادَ الله.
إنّ الثمن الفادِح الذي ظلّ يدفَعهُ الشعب السوداني بعد التَفاوُّض وبعدَ الإنقلاب حَريٌّ به أن يجعَلَ من الثقه أمراً لا يُمكِن أن يُعطى مجّاناً مَرّةً أخرى هكذا تتعلّم الشعوب وكُلَّما زادَ الثَمن زادَ الحِرص.
إنّني أؤكّدُ من هُنا أن لا شيئ يُمكن له أن يقهر إرادة الشعوب وهذا ما لا تَعرِفَهُ هذه القيادات الغَرّه التي ما فَتِئت تُراهنُ على القوّه والسّلاح وضمان سلامَتِهِم مِمّن لا يملِكون. الطُغاةُ دائماً لا يعتبرون. بعضَهُم يُقَرّبُ اللهُ لهم العِبرَةَ حتى تكادُ تُلامِس حواسّهُم لكنّهُم يَنصَرِفونَ الى ما أُترِفوا فيه ولا يُدركونَ أنّهُ خزيٌ وندامه في الدنيا والآخره

melsayigh@gmail.com
////////////////////////

 

آراء