ombaday@yahoo.com
عمود : محور اللقيا
التحية أسديها الي جموع طلبة الجامعات و هم يبذلون أرواحهم داخل أحرام الجامعات و في الميادين العامة و الطرقات فداء لهذا الوطن السليب .. التحية للشباب في منظمات كفاية و قرفنا و شرارة و التغيير الآن و أحرار السودان و هم يقدمون الوعي و الأمل و معاني الفداء للسابلة في الميادين و لمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت .. التحية لجماهير فريق الهلال الذين خرجوا في مظاهرة ضد رئيس ناديهم بعد أن قام بشطب لاعبين متميزين من كشوفات النادي و اذا بهم بعد مداهمة الشرطة لهم يلتحمون مع الطلبة المتظاهرين و يهتفون ضد النظام .. التحية لكل من رفض القهر والذل والجوع واستل سيف صوته عاليا وخرج للطرقات .. والتحية أسديها أيضا للمترددين , فالتردد هو نصف المسافة بين القفز فوق الاحتمالات و بين الخنوع .
انني لا زلت على رأيي الذي كررته كثيرا , أن الطلبة هم كتيبة الصدام الأولى , مع اعتباري لهم أنهم جزء لا يستهان به من فئات الشباب , و هكذا يكتمل انطباق طوق الشعر على أرجل طائر الشؤم ! هذه المرة ظلت الهتافات الهادرة في المظاهرات تطالب بالحرية و ليس بالخبز , لأن في ظل الحرية ستعم العدالة و سيمحي الجوع !
الحرية , العدالة , الديموقراطية , شعارات قد ظللت أرفعها كثيرا , و كم تمنيت أن ننالها بأقل خسائر في الأرواح و الممتلكات . لقد كتبت قبلا و أسديت النصح لحكومة الانقاذ بأن تتصالح مع الشعب و أحزاب المعارضة و تعود الى النهج الديموقراطي السليم لا المخجوج حتى تجنب البلاد ويلات الاحتراب و التنازع , و حتى تنجو بنفسها من المصير الذي آلت اليه الأنظمة المتهالكة في ثورات الربيع العربي . كتبت أيضا و ضربت أمثلة عن رؤساء يقتدى بهم في نهج التحول بالحكم الانقلابي العسكري الى حكم ديموقراطي مدني , كونوا فيه أحزابهم و رشحوا أنفسهم و فازوا و عادوا ثانية رؤساء و لكن بدون أزياء عسكرية , كما حدث لأورتيقا في نيكاراغوا و أوباسانجو في نيجيريا و شافيز في فنزويلا و محمد ولد عبد العزيز في موريتانيا , و تمنيت أن يتم هذا النهج عندنا . لكن رغم ذلك كانت نتيجة كتاباتي كنتيجة دعوات سيدنا نوح لقومه !
النتيجة الحتمية لتعنت حكومة المؤتمر الوطني هي الاستمرار في بسط نفوذ القوى الأمنية , حتى تكون حارسة للنظام من أية تحركات شعبية مضادة , و النتيجة المزيد و المزيد من الضحايا , و ما كانت الهبة الطلابية الأخيرة الا بسبب مقتل أربعة طلاب من جامعة الجزيرة على أيدي مشبوهة . حقا لقد صار الشباب هم وقود و قياد الثورة ! أقول قولي هذا و أنا أتمعن في موقف تحالف قوى الاجماع الوطني الذي لم يفعل شيئا سوى اعلان بيان هزيل يدين فيه قتل الطلبة و يطالب بعمل تحقيق فوري ! أما في قيادة حزب الأمة فقد انشغل رئيسه باصدار بياناته التي ينكر فيها أي صلة له بالمؤامرة الانقلابية الأخيرة كما ورد على لسان السيد صلاح عبد الله قوش و لم يحرك ساكنا تجاه المظاهرات المندلعة , أما الأمين العام فلا زال يكرر في مقولة اسقاط النظام و الخروج الى الشوارع في مظاهرات سلمية دون أن يحرك ساكنا أيضا ! عليه , فلنترك الأحزاب و قادتها جانبا غير عابئين بهم , و لنلتفت الى الشباب .
لقد دعوت الشباب كثيرا الى نبذ العمل الفردي و الشروع في العمل الجماعي عن طريق التنسيق بين منظمات الشباب حتى يتصاعد الزخم الثوري , كما حدث في لجان تنسيق العمل الثوري في أقطار الربيع العربي و التي كان لها الدور الكبير في استمرارية الثورة رغم سلبية ارادة البعض في البداية .
هنالك عوامل داخلية و خارجية سوف تساعد حتما هذه المرة في دفع الثورة نحو غاياتها . أما العوامل الداخلية فتتمثل في اثنين :
أولا , اعلان ميزانية السنة المالية الجديدة و ما فيها من عجز يعادل العشرة مليارات جنيه ( تعادل بالقديم عشرة تريليون جنيه , أي عشرة و أمامها أثنا عشر صفرا ) و الشعب صار موعودا بالمزيد من الضرائب و رفع الأسعار و بالمزيد من المعاناة .
ثانيا , الصراعات الدائرة داخل الحكومة جراء الانقسام في صفوف الحزب الحاكم و في القوات المسلحة بعد العملية الانقلابية الأخيرة و التي لا زالت التحقيقات جارية فيها و الاعتقالات لا زالت تترى , و لا أحد يستطيع أن يتكهن بما تأتي به الأيام القادمة , و لكن اتضح في مسيرة المظاهرات الحالية أن قوات ردع المتظاهرين لم تعد كما كانت قبلا , و هذا مؤشر له اعتباره .
أما أهم العوامل الخارجية التي سوف تلقي بظلالها في عملية استمرارية الثورة فهو ما يحدث حاليا في الشقيقة مصر من مقاومة لتسلط حكم الاخوان المسلمين , فقد تصاعدت النخوة عند رجل الشارع السوداني و هو يرى صمود شقيقه في مصر من أجل الكرامة و الحرية بينما هو متقاعس رغم سوء أحواله . لقد عرف أخيرا المعارضون في مصر نوايا التنظيم الاخواني , بينما نحن في السودان قد عرفنا منذ عقود عدة نوايا التنظيم الاخواني في السودان و لكننا لم نقاومه مقاومة جماعية في شراسة . في مصر تقدم قادة أحزاب المعارضة المسيرات و عقدوا الندوات و اللقاءات الجماهيرية و دعوا للاعتصامات , بينما قادة أحزاب المعارضة عندنا يجتمعون فقط مع أنفسهم و يشجبون !
أقولها هنا , لا خير في هذه القيادات القديمة التي تركت الشباب وحيدين كاليتامى في الساحات أمام أجهزة النظام التي لا ترحم . على الشباب اذن أن يعتمدوا على أنفسهم و أن يتنظموا و ينسقوا مع التنظيمات الجادة و أن ينشطوا في نشر الوعي و أن يتقبلوا من يأتيهم طائعا مختارا بعد أن يتيقنوا من نواياه .
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !