اقرأوا كتاب الثورة الرواندية

 


 

 

الجبهة الوطنية الرواندية، هي الحركة الثورية التي وضعت حداً للظلم والقهر والتطهير العرقي في جمهورية رواندا، وصنعت دولة وطنية حقيقية برغم سطوة اجهزة المخابرات الغربية، وعلى الرغم من العمق العميق الذي دست فيه أنفها حيال الشأن الرواندي، إلّا أن قائدها الرئيس الحالي - بول كاقامي – قد لعب دوراً بارزاً في الوصول بهذا البلد الافريقي الصغير الحجم العديم الميناء البحري، الى مصاف البلدان المشهود لها بالعمران والبنى التحتية القوية والانفتاح الاقتصادي والسياحي العالمي الملحوظ، هذا الشاب النحيل الجسد الطويل القامة والذي كان في مطلع الثلاثينيات من عمره، عندما قاد الثورة والثوار واقتحم عاصمة بلاده كيقالي، وفرض امراً واقعاً مازالت آثاره ممتدة حتى اليوم، على الرغم من كيد الخبيثين من بقايا المستعمرين الفرنسيين والبرتغاليين وخادميهم في بلاده، لقد هزم السيد بول كاقامي اسطورة النفوذ الغربي، بالاعتماد على الذات وبعدم التعويل على الآلة الاجنبية، فصنع المستحيل - حسب الصورة النمطية للمستعمر الأوربي ونظرته الدائنة للافريقيين والشرق اوسطيين، وبكفره البواح بالآلة االغربية ودخوله في مواجهة جريئة مع المستعمر الفرنسي وفلوله.
الجبهة الوطنية الرواندية هزمت مخططات الغرب في غضون سنوات قلائل، بتماسكها وصدق توجهها واتساق قيادتها مع المبدأ الوطني والثوري، فقائدها الجديد حينذاك - كاقامي – جاء من بلاد العم سام مؤمناً بقضية الوطن وداخلاً للأحراش، خلفاً لرئيسها الشهيد الذي ناشته سهام غدر الحكومة العميلة المدعومة رسمياً من فرنسياً - فريد رويجيما – الذي تقهقرت قواته واضمحلت ونقصت عدتها وعتادها وتضائلت اعدادها، فاعاد تنظيم الصفوف بعد ان ترك حياة الدعة والراحة بتلك البلدان الحافظة لكرامة مواطنها، وقاد جيشاً عرمرماً فاقتحم به العاصمة الوطنية وحرر المعتقلين الاعداء قبل فكّه لأسر المحبوسين الاصدقاء، واعلن نداءًا وطنياً شريفاً عبر الاذاعات والقنوات الاعلامية، دعا فيه الجميع للهدوء وعدم الارتجاف من احتمالية غزو جيش غاز، وطمأن المكوّن القبلي والشريحة الاجتماعية المنحدرة اصولها من اثنية الهوتو المناوئة لأثنيته (التوتسي) المرتكب بحقها جرم الابادة الجماعية، واخرج كل العملاء والمرتزقين المتربصين بالحكومة والدولة من بني جلدته، وعقد جلسات المحاكمات الخاصة والعامة بحق مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية.
الجبهة الوطنية الرواندية لم تنتقم من مواطن رواندي أياً كان انتمائه السياسي والاثني، عندما انتصرت وسيطرت على الأرض والاجواء، لذلك خفضت جناح الذل من الرحمة وقالت للشعب الرواندي اجمع - ربي ارحمه كما رباني صغيرا – لأن فقهها ومفهومها للنصر لا يعتمد على القوة العسكرية، وإنّما كان ديدنها اجلاء اعداء الوطن عن ارض الوطن، وترك الوطن للوطنيين والمواطنين ليقرروا في مصيره، لم تذهب الجبهة الوطنية الرواندية للمحاكم الدولية، ولم تعوّل على دوائر القرار الخارجي، ووثقت في شعبها وصدقت معه، وترك قائدها الحياة المثالية باعلام الأول ليأتي وينام على ارصفة ارضه الجرداء، لقد قدم ابطال الجبهة الوطنية الرواندية اعظم الأمثلة التي لا يضاهيها الا نماذج القيمة الاخلاقية للمعتصمين المغدورين بارض القيادة حينما قالوا (عندك خت ما عندك شيل)، ومع ذروة الحماس الثوري هنالك سند اخلاقي يدعم المتظاهرين التلقائيين الرافضين لوكلاء المحاور الاقليمية، وتماشياً مع مدرسة رسولنا العربي الأمي لابد من الوقوف عند مقولة: (من دخل دار ابي سفيان فهو آمن)، اعتباراً بنصح نلسون مانديلا لثوار ليبيا ومصر.
الجبهة الوطنية الرواندية عندما بنت وطناً اسمه رواندا، لم تتمكن من بناءه إلا بعد أن أسست لقيمتين اخلاقيتين معلومتين هما تنظيف الوطن من العملاء، وارساء دعامات التسامح واحقاق الحقائق بين ابناء الوطن الواحد - الشركاء في المصير المشترك، لقد اخذنا النموذج الرواندي في الاعتبار لأنه من اكثر النماذج تماشياً مع الحالة السودانية، التي اعيت الذين يريدون أن يداونها، فعلى الثوار والتروس والكنداكات والشفاتة والميارم أن يعووا ويعلموا أن الحل بيدهم، وليس بيد البراهان ولا بقدم حميدتي ولا يوجد داخل فؤاد حمدوك، فهم الوحيدون الذين يمتلكون مفتاح الحل في حال ازاحوا غشاوة الاعتقاد في ذلك الشخص (السوبر مان)، فهم الذين بيدهم الحل لو آمنوا بمقولة: (ماحك جلدك مثل ظفرك)، ولو ادمنوا ملحمة: (لن أُحيد) التي دوزن كلماتها ووضع الحانها الراحل حسن خليفة العطبراوي، عبر اوتار الوطن الجريح، ولكي نتناغم جميعنا مع اسماء الآلهة القادمين من اعماق افواه البائسين، القادمين مع الصباح من المصانع والحقول، محاولين استعادة تلك القافلة التائهة في متاهات الزمان، والسادرة في غيها بلا دليل ولا مُعين.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
23نوفمبر 2021

 

آراء