اكتب لي حتى افهمك

 


 

 

مخطئ من يظن أن الكتابة شيء سهل، وقد أشرنا في مقالاتنا السابقة إلى رهق الكتابة، والتي بالتأكيد تتطلب إعمال التفكير والقراءة والمثابرة عليهما. ولا تحسبن أنني مداوم على الفعلين: القراءة والكتابة؛ فقد يمر عليّ وقت أتوقف فيه تماماً عنهما معاً ولا أجد لنفسي عذرًا ولكنها النفس وظروفها، أو كما قال ذاك الشاعر العربي:
هِيَ النَفسُ ما حَمَّلتَها تَتَحَمَّلُ
وَلِلدَّهرِ أَيّامٌ تَجورُ وَتَعدِلُ
والنفس إن لم تطب فلن يرضى العقل أن يفكر..أذكر وأنا أشق طريق الكتابة، ارسلت أول محاولة لي لأصدقاء كثر، وهي ذكريات من مذكرات بدأناها بمرحلة الطفولة وقد قرأها أخي وصديقي عبدالماجد محمد عبد الماجد وأوصاني أن أكتب بشكل يومي إن أردت أن أجود عملي، كان ذلك تعليقاً على مقال لي اطلع عليه، وأنا أفهم الطريقة التي يقرأ بها ماجد، ولقد شاهدته وهو يتوهط العنقريب ويستأنس مع الكتاب وبيده قلم الرصاص، ويا هوامش جاكي حاذق، وعبد الماجد إنسان موسوعي، فنان تشكيلي ومفكر قرأ الفلسفة في جامعة الخرطوم، وكذلك التحق بكلية الفنون الجميلة، وقد مارس التدريس والعمل الوظيفي حيث كان أحد أعمدة قسم المناهج بوزارة التربية والتعليم. وإنسان مثله له خبرة العالِم فلابد لنا ان نعمل بوصيته لعلنا نخطوا خطوة واحدة في دربه.
*لا تقل لي كم هو القمر مضئ، بل أرني وميضاً من الضوء على زجاج محطم* هكذا كتب انطوان تشيخوف..والذي مزج هنا بين الواقعية والسخرية..كان تشخوف طبيبًا وكاتبًا مسرحيًا ومؤلفًا قصصيًا، وينظر إليه النقاد على أنه من أفضل كتّاب القصص القصيرة على مر العصور..ويبدو أنه لاقى بعض المعناة في حياته وعانى معناة شديدة.
الكاتب ياسادتي يحتاج كثيراً للحرية، فهو كالطائر يحب ان يعيش حراً طليقاً، فإن أمسكته وأدخلته في قفص فقد هذه الحرية، وبالطبع سوف تتغير كل سلوكياته، وإن كان ذلك هو حال الطائر الذي يصيبه الاكتئاب إن مُست حريته ومنع من الإبداع، فما بالك بالإنسان؟.. وقد انطبق ذلك على كتّاب ومفكري مصر أيام عهد السادات، وكان منهم الدكتور يوسف إدريس رائد القصة القصيرة في مصر والعالم العربيي، أصيب كغيره من الكتاب بالاكتئاب، فلم يستطع أن يؤلف أي قصة أو مسرحية من جراء ذلك الظلم ليتجه إلى كتابة المقال، ولما سئل عن‭ ‬ذلك قال (‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أحمل‭ ‬قلمًا لأكتب قصة، بل كنت أحمل رشاشات للدفاع عن‭ ‬نفسي‭ ‬ورد‭ ‬الهجوم‭ ‬اليومي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتيح‭ ‬فرصة للتنفس، فما بالك بالكتابة والفن والإبداع وكلها تحتاج للهدوء؟ ونواصل بحول الله.

مع كامل احترامي وتقديري

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحده
osmanyousif1@icloud.com

 

آراء