اكتوبر شهر الذكريات
8 October, 2009
تغني السودانيون بالذكريات أغان ( حلوه و نبيله ) ، فعلا ربما كان افضل ما في حياتنا هي الايام الخوالي. الكثير من الاجيال خاصة السبعينيات و الي الوراء يحبون ذكري اكتوبر لانها شكلت لهم امالا عريضة و حلما لم يتحقق بالوصول الي غاياته. وضعت ثورة اكتوبر 1964 السودان في صدر الاحداث و جعلته نموذجا للتحول الديمقراطي السلمي. لكن لم تستطع الطبقة السياسية الاستفادة من ذلك الحدث فأغرقت البلاد في ويلات لم تخرج منها حتي اليوم. و لا زال البحث عن طريق أكتوبر مستمرا.
هل تذكرون حرب اكتوبر 1973م بين العرب و إسرائيل؟ لقد مرت تلك الذكري بهدوء و دون احتفاء يليق بها و لا مقارنة بينها و بين ذكري 11 سبتمبر علي سبيل المثال. ذلك بسبب الإحباط الذي تسببت فيه الاحداث التي اعقبت تلك الحرب و عمليات البيع التي تمت بأبخس الأثمان. لا زال العرب يدفعون ثمن خيبتهم في عدم استثمار ذلك الحدث الضخم و ادارته بحكمة حتي النهاية. دائما يستطيع المنتصر ان يضع شروطه الا العرب في حرب اكتوبر الذين قدموا الهدايا و المنح للأعداء و تنازلوا عن حقوقهم ، حقوق المنتصر للمنهزم المستعد لتقديم التنازلات.
كان من الممكن استثمار ما تم في المجهود الحربي اقتصاديا في كسب الأراضي المحتلة و تحقيق اختراق مهم في الحقوق الفلسطينية و بعدها يمكن الانفتاح الاقتصادي علي العالم بجذب الاستثمار الأجنبي و تطوير البنيات التحتية و ترقية البحث العلمي و الجامعات و فتح اسواق عالمية للمنتجات العربية. ذلك بالرغم من قناعتي بان التقارب مع امريكا كان حكيما و قد اثبت مسار التاريخ صحة تلك الفرضية بانهيار الاتحاد السوفيتي .
كان من الممكن للسودان ان يربح اقتصاديا لكن حتي تحالفه مع اكبر المستفيدين من الحرب ، جمهورية مصر العربية لم يحقق له أي مكاسب . يرجع ذلك لاسباب التسوية الفردية التي تمت في ما يعرف اليوم باتفاقيات " كامب دفيد " . اذا كان من الممكن تقييم المكاسب و الخسائر المستمدة من تلك الاتفاقيات و اخضاعها لتكلفة الفرص البديلة لوجدنا ان الخسائر اكبر بما لا يقاس مقارنة بالمكاسب. حتي لو كان هناك مستفيد فهو جمهورية مصر العربية ، لكن انظروا الي خسائر الدول العربية مجتمعة. البداية من الانقسام الذي ما زال مستمرا حتي اليوم مما تسبب في العديد من الخسائر بسبب عدم تطور العلاقات الاقتصادية العربية. بعد ذلك خسائر الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين ثم ما حدث بين العراق و ايران. جر ذلك ورائه غزو العراق للكويت بما نجم عنه من خسائر مباشرة و غير مباشرة و لم ينتهي الأمر بغزو العراق و إغراقه في الفتن.
النتيجة مزيدا من الفقر و التخلف و تدهور المستوي المعيشي و تخلف النظام السياسي العربي و العجز الاقتصادي. لازالت جهود التنمية و الاستثمار الحقيقي و تنمية رأس المال البشري في اتعس حالاتها، كما لا زالت رؤوس الاموال العربية حائرة بين الملاذات و المطاردة . هل يمكن للعرب ان يعيدوا قراءة نتائج حرب اكتوبر و ان يعيدوا حساباتهم و يبحثوا عن مصالحهم المشتركة؟ ممكن و لكن ذلك في منتهي الصعوبة في ظل النظام العربي الرسمي القائم اليوم. اذا استطاعت قوة ما ان تحرك الشباب و تفجر طاقاته و تحفزه و تملأه بالأمل فكل شيء قابل للتغيير، أما إذا ماتت الروح و الطموح لدي الشباب فما علينا الا الترحم علي هذه الأمة التي لم تتشكل بشكل نهائي بعد و لا زال قادتها يتقاتلون و يقتلون شعوبهم و ما زال قويها يأكل ضعيفها.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]