الأحزاب السودانية غياب فكرة أم حالة ضعف
زين العابدين صالح عبد الرحمن
7 July, 2023
7 July, 2023
أن إشكالية الأحزاب السودانية تقع بين غياب الفكر و الذين يشتغلون به، و ضعف التنظيم و عدم تحديثه و تطوره، هذه الإشكالية سوف اتناولها في سلسلة من المقالات، و التي سوف تتناول أسباب حالة الضعف في جسد الأحزاب. و لا اجنح إلي التشعب في فتح ملفات أخرى؛ خاصة التي تقدم تساؤلا هل الأحزاب ضرورية في النظم الديمقراطية أم لا؟ و جواب هذا السؤال؛ سوف يكون مضمن في صلب سلسلة المقالات، باعتبار أن الأحزاب تمثل أعمدة الديمقراطية، هذه الإشارة اعتبرها ضرورية لآن هناك البعض يحاول أن يحرف الفكرة التي تريد أن تتناول الأسباب التي أدت لضعف الأحزاب، و استمرار هذا الضعف منذ فترة نظام عبود حتى اليوم. إلي جانب معرفة الأسباب التي ادت لغياب الأفكار داخل التنظيمات السياسية، و معلوم أن تطور الفكر و الوعي داخل الأحزاب يتم من خلال طرح الأسئلة التي تقدم من قبل الأعضاء الذين يشتغلون بالفكر. و الحوار الذي يتم للإجابة على الأسئلة هو الذي يجدد عملية الوعي، و يسهم في إنتاج الثقافة الديمقراطية المطلوبة لعملية التحول الديمقراطي. فإذا عجزت الأحزاب عن الإنتاج الفكري تصبح غير قادرة على عملية التحول الديمقراطي. فالشعارات لا تنتج ديمقراطية و لا تحميها، بل الفكر هو الذي يوصل الجميع لطريق الديمقراطية.
، أن حالة الضعف التي تعيشها الأحزاب السياسية السودانية ليست وليدة لحظة بل تراكم فترات استمرت طويلا، فهي ليست حالة عرضية بسب صدمات تعرضت لها، أو غياب لمواعين الديمقراطية داخلها فقط بل عوامل عددة. في هذه الحالة لا تختلف الأحزاب التقليدية التي تم تأسيسها قبل الاستقلال و الأحزاب التي تأسست مباشرة بعد الاستقلال و الأحزاب التي تأسست حديثا. رغم أن البعض في الأحزاب الأيديولوجية و الحديثة يحاولون إرجاع هذا الضعف للأحزاب التقليدية، التي يطلق عليها طائفية و أسرية، و تجد هذه النخبة السياسية الناقدة في الممارسة تتبع ذات ثقافة الأحزاب التقليدية، الخلاف بينهم الشعارات التي تطلقها في عملية نقدها و لكنها لا تجد طريقها للواقع. و عندما تسألها عن عدم تنزيل شعاراتها على الأرض تتعلل بأسباب واهية و لا تريد أن تفصح عن رغبتها للمكوث على قمة الهرم أطول فترة ممكنة كما تفعل قيادة الطائفية و الأسرية. هذا الوضع غير الطبيعي في الممارسة الديمقراطية يخلف وعيا زائفا وسط الجماهير، لأنه يجعل الجماهير تحمل شعارات لا غير مستوعبة لها، لا تعرف كيف تتفاعل معها لكي تجبر الذين أطلقوها أن يعملوا لتنزيلها في الواقع.
معلوم أن الأحزاب قد تعرضت لضغوط عديدة من قبل النظم الديكتاتورية الثلاث التي مرت على السودان، و تسببت في أضعف البنيتين الفكرية و التنظيمية للأحزاب، الغريب في الأمر أن عضوية الأحزاب نفسها كانت وراء هذا الاستهدف. في فتري نميري و عمر البشير. أما الفترة الأولى ( عهد عبود) رغم أن السلطة تمت تسليم و تسلم من قبل حزب الأمة ألي قيادة الجيش لكن حرصت قيادة الجيش أن لا تشرك الأحزاب في السلطة، و أدار الجيش الدولة ست سنوات منفردا. الأمر الذي جعل السلطة متماسكة في داخلها لم يحدث لها تشققات داخلية، و لذلك عندما ثارت الجماهير ضدها بهدف إسقاط النظام، كانت القوى السياسية الحزبية متماسكة و موحدة في هدفها، ليس حول شعار الاسقاط ، وأيضا أن تكون الفترة الانتقالية قصيرة الأجل و الذهاب للشعب عبر صناديق الاقتراع. لكن إذا نظرنا لعهد النميري نجد أن النظام الحاكم بدأت عليه حالة الضعف بسبب الصراع الذي بدأ يظهر داخل القوى السياسية التي قادة للانقلاب، هذا الصراع أضعف الحزب الشيوعي الذي انشق انشقاقا طوليا، و بدأت السيطرة الكاملة للجيش، هذا التحول لم يكن فقط تأثيره سالبا على الشيوعيين لوحدهم، و أيضا على النظام الحاكم، و على القوى المعارضة التي اختارت العمل العسكري للتغيير على حساب العمل السياسي، فالعمل العسكري أدى لغياب التفاعل بين الأحزاب و القاعدة الجماهيرية. و كان عليها أن تختار العمل السياسي لأنه يؤدي للتوعية السياسية للجماهير. و دلالة على ذلك أن انتفاضة شعبان 1973م التي قامت بها ثلاث نقابات ثم تحولت للجامعات كانت أكبر أثرا و مردودا سياسيا ثقافة و وعي سياسي من غزو 1976م. و إذا نظرنا نجد أن الغزو أضعف دور الأحزاب التي شاركت من خلال ( الجبهة الوطنية) باعتبار أن الغزو نفسه أثر في العلاقة بين الأحزاب و قاعدتها الجماهير، أصبح هناك ركود في العمل السياسي، و الحزب الشيوعي أغلبية قيادته نزلت تحت الأرض، فأصبح دوره محدودا، خاصة بعد الإعدامات التي طالت عددا من قيادته، و خاصة العقل المفكر عبد الخالق محجوب الذي خلق فراغا كبيرا في الجانب الفكري للحزب الشيوعي، و يعاني منه الحزب حتى اليوم. التراجع الذي حدث في نشاط الأحزاب، دفع قيادة الجبهة الوطنية خاصة السيد الصادق و معه الترابي أن يوافقوا على الحوار مع نميري عام 1977م في مدينة بورتسودان، و الحوار أفضى لدخولهم جميعا "الاتحاد الاشتراكي" المؤسسة السياسية التي كونها نميري كحزب الدولة، و رفض الشريف حسين الهندي المصالحة و الدخول في تنظيم الاتحاد الاشتراكي. و عجز حزب الأمة أن يشارك بفاعلية داخل الاتحاد الاشتراكي، و لكن الترابي استفاد من المصالحة في بناء حزبه السياسي معتمدا على المؤسسات المالية التي أسسها حزبه، ضعف دور الأحزاب تماما فقط اعتمدت على بيانات الإدانة و الشجب.
أن ضعف الأحزاب فتح الباب لصعود العمل النقابي على المشهد السياسي حيث بدأت النقابات تقدم مطالب تلو الأخرى، و تنفذ أضرابات في النقابات الفئوية و العمالية، و هذه السلسلة من الأضرابات قد أصابت النظام برهق، و أيضا قواه الأمنية التي بدأت اعتقالات واسعة وسط النقابيين، كانت السجون خالية من السياسيين، أو ربما يكون هناك بعضا منهم، و لكنها كانت مليئة بالقيادات النقابية، حتى استطاع هؤلاء أن يكونوا تحالفا قويا ( التجمع النقابي) و أصبحت حركة النقابيين هي التي تملأ الساحة السياسية، و في نفس الوقت تعتمد على نصوص قانونية صاغها النظام بنفسه حق الاضراب عن العمل. أن قيادة النقابات للعمل السياسي رغم أنها كانت تعكس درجة الوعي وسط الفئة المتعلمة و التي كانت قريبة من نشاط النقابات، لكنه كان نشاطا سياسيا خالي من الأبعاد الفكرية، لأنه لا يعد تعاملا مباشرا في السياسية، بل فرضته عوامل ضعف الأحزاب السياسية، هذه الفترة لم تظهر أي إنتاجات فكرية للأحزاب لكن نجد أصدارها لعدد كبير من الشعارات، و كما ذكرت تكرارا أن الشعارات تملأ فراغا مؤقتا بسبب غياب الإنتاج الفكري، و لكنها لن تصبح بديلا للأفكار، باعتبار أن أي عملية تغيير تعتمد على الفكرة كأداة جوهرية في التغيير. نجد هذه الحالة مستمر حتى اليوم.
عندما سقط نظام نميري في انتفاضة إبريل التي كان وراءها ( التجمع النقابي) ثم دخلت الأحزاب لاحقا. كان لها أثرا سالبا على الديمقراطية، لآن الأحزاب جاءت للسلطة و إنتاجها الفكري كان ضعيفا، و عدم الإنتاج الفكري يؤثر بشكل سالب على عملية التغيير، لأن الأحزاب تحاول أن تمارس السياسة بجدل اليوم كما يقول مهدي عامل، أي لا تمتلك تصورا كاملا لعملية التغيير، و لا تمتلك أدوات التغيير نفسها، و تحاول ان تستعيض بأدوات أخرى الذي يجعلها تستلف من ثقافة النظام الذي كانت قد اسقطته. و أيضا الغياب الفكري يجعل الكل يركز بصره على السلطة و ليس على غيرها. الأحزاب لا تفطن لذاتها خاصة إذا كان قد صعدت قيادات كانت تعتمد في نشاطها داخل الأحزاب على مهمات فقط تنفيذية، هؤلاء يصبح مهمهم فقط الحفاظ على مواقعهم في القمة، و يصبحوا أكثرا عداء للذين يشتغلون بالأعمال الفكرية لأنهم سوف يفضحونهم، هذه الممارسة هي التي جعلت الحزب في حالة من الضعف الذي ضرب جميع الأحزاب السياسية. نسأل الله حسن البصيرة: أن شاء الله نواصل السلسلة.
zainsalih@hotmail.com
، أن حالة الضعف التي تعيشها الأحزاب السياسية السودانية ليست وليدة لحظة بل تراكم فترات استمرت طويلا، فهي ليست حالة عرضية بسب صدمات تعرضت لها، أو غياب لمواعين الديمقراطية داخلها فقط بل عوامل عددة. في هذه الحالة لا تختلف الأحزاب التقليدية التي تم تأسيسها قبل الاستقلال و الأحزاب التي تأسست مباشرة بعد الاستقلال و الأحزاب التي تأسست حديثا. رغم أن البعض في الأحزاب الأيديولوجية و الحديثة يحاولون إرجاع هذا الضعف للأحزاب التقليدية، التي يطلق عليها طائفية و أسرية، و تجد هذه النخبة السياسية الناقدة في الممارسة تتبع ذات ثقافة الأحزاب التقليدية، الخلاف بينهم الشعارات التي تطلقها في عملية نقدها و لكنها لا تجد طريقها للواقع. و عندما تسألها عن عدم تنزيل شعاراتها على الأرض تتعلل بأسباب واهية و لا تريد أن تفصح عن رغبتها للمكوث على قمة الهرم أطول فترة ممكنة كما تفعل قيادة الطائفية و الأسرية. هذا الوضع غير الطبيعي في الممارسة الديمقراطية يخلف وعيا زائفا وسط الجماهير، لأنه يجعل الجماهير تحمل شعارات لا غير مستوعبة لها، لا تعرف كيف تتفاعل معها لكي تجبر الذين أطلقوها أن يعملوا لتنزيلها في الواقع.
معلوم أن الأحزاب قد تعرضت لضغوط عديدة من قبل النظم الديكتاتورية الثلاث التي مرت على السودان، و تسببت في أضعف البنيتين الفكرية و التنظيمية للأحزاب، الغريب في الأمر أن عضوية الأحزاب نفسها كانت وراء هذا الاستهدف. في فتري نميري و عمر البشير. أما الفترة الأولى ( عهد عبود) رغم أن السلطة تمت تسليم و تسلم من قبل حزب الأمة ألي قيادة الجيش لكن حرصت قيادة الجيش أن لا تشرك الأحزاب في السلطة، و أدار الجيش الدولة ست سنوات منفردا. الأمر الذي جعل السلطة متماسكة في داخلها لم يحدث لها تشققات داخلية، و لذلك عندما ثارت الجماهير ضدها بهدف إسقاط النظام، كانت القوى السياسية الحزبية متماسكة و موحدة في هدفها، ليس حول شعار الاسقاط ، وأيضا أن تكون الفترة الانتقالية قصيرة الأجل و الذهاب للشعب عبر صناديق الاقتراع. لكن إذا نظرنا لعهد النميري نجد أن النظام الحاكم بدأت عليه حالة الضعف بسبب الصراع الذي بدأ يظهر داخل القوى السياسية التي قادة للانقلاب، هذا الصراع أضعف الحزب الشيوعي الذي انشق انشقاقا طوليا، و بدأت السيطرة الكاملة للجيش، هذا التحول لم يكن فقط تأثيره سالبا على الشيوعيين لوحدهم، و أيضا على النظام الحاكم، و على القوى المعارضة التي اختارت العمل العسكري للتغيير على حساب العمل السياسي، فالعمل العسكري أدى لغياب التفاعل بين الأحزاب و القاعدة الجماهيرية. و كان عليها أن تختار العمل السياسي لأنه يؤدي للتوعية السياسية للجماهير. و دلالة على ذلك أن انتفاضة شعبان 1973م التي قامت بها ثلاث نقابات ثم تحولت للجامعات كانت أكبر أثرا و مردودا سياسيا ثقافة و وعي سياسي من غزو 1976م. و إذا نظرنا نجد أن الغزو أضعف دور الأحزاب التي شاركت من خلال ( الجبهة الوطنية) باعتبار أن الغزو نفسه أثر في العلاقة بين الأحزاب و قاعدتها الجماهير، أصبح هناك ركود في العمل السياسي، و الحزب الشيوعي أغلبية قيادته نزلت تحت الأرض، فأصبح دوره محدودا، خاصة بعد الإعدامات التي طالت عددا من قيادته، و خاصة العقل المفكر عبد الخالق محجوب الذي خلق فراغا كبيرا في الجانب الفكري للحزب الشيوعي، و يعاني منه الحزب حتى اليوم. التراجع الذي حدث في نشاط الأحزاب، دفع قيادة الجبهة الوطنية خاصة السيد الصادق و معه الترابي أن يوافقوا على الحوار مع نميري عام 1977م في مدينة بورتسودان، و الحوار أفضى لدخولهم جميعا "الاتحاد الاشتراكي" المؤسسة السياسية التي كونها نميري كحزب الدولة، و رفض الشريف حسين الهندي المصالحة و الدخول في تنظيم الاتحاد الاشتراكي. و عجز حزب الأمة أن يشارك بفاعلية داخل الاتحاد الاشتراكي، و لكن الترابي استفاد من المصالحة في بناء حزبه السياسي معتمدا على المؤسسات المالية التي أسسها حزبه، ضعف دور الأحزاب تماما فقط اعتمدت على بيانات الإدانة و الشجب.
أن ضعف الأحزاب فتح الباب لصعود العمل النقابي على المشهد السياسي حيث بدأت النقابات تقدم مطالب تلو الأخرى، و تنفذ أضرابات في النقابات الفئوية و العمالية، و هذه السلسلة من الأضرابات قد أصابت النظام برهق، و أيضا قواه الأمنية التي بدأت اعتقالات واسعة وسط النقابيين، كانت السجون خالية من السياسيين، أو ربما يكون هناك بعضا منهم، و لكنها كانت مليئة بالقيادات النقابية، حتى استطاع هؤلاء أن يكونوا تحالفا قويا ( التجمع النقابي) و أصبحت حركة النقابيين هي التي تملأ الساحة السياسية، و في نفس الوقت تعتمد على نصوص قانونية صاغها النظام بنفسه حق الاضراب عن العمل. أن قيادة النقابات للعمل السياسي رغم أنها كانت تعكس درجة الوعي وسط الفئة المتعلمة و التي كانت قريبة من نشاط النقابات، لكنه كان نشاطا سياسيا خالي من الأبعاد الفكرية، لأنه لا يعد تعاملا مباشرا في السياسية، بل فرضته عوامل ضعف الأحزاب السياسية، هذه الفترة لم تظهر أي إنتاجات فكرية للأحزاب لكن نجد أصدارها لعدد كبير من الشعارات، و كما ذكرت تكرارا أن الشعارات تملأ فراغا مؤقتا بسبب غياب الإنتاج الفكري، و لكنها لن تصبح بديلا للأفكار، باعتبار أن أي عملية تغيير تعتمد على الفكرة كأداة جوهرية في التغيير. نجد هذه الحالة مستمر حتى اليوم.
عندما سقط نظام نميري في انتفاضة إبريل التي كان وراءها ( التجمع النقابي) ثم دخلت الأحزاب لاحقا. كان لها أثرا سالبا على الديمقراطية، لآن الأحزاب جاءت للسلطة و إنتاجها الفكري كان ضعيفا، و عدم الإنتاج الفكري يؤثر بشكل سالب على عملية التغيير، لأن الأحزاب تحاول أن تمارس السياسة بجدل اليوم كما يقول مهدي عامل، أي لا تمتلك تصورا كاملا لعملية التغيير، و لا تمتلك أدوات التغيير نفسها، و تحاول ان تستعيض بأدوات أخرى الذي يجعلها تستلف من ثقافة النظام الذي كانت قد اسقطته. و أيضا الغياب الفكري يجعل الكل يركز بصره على السلطة و ليس على غيرها. الأحزاب لا تفطن لذاتها خاصة إذا كان قد صعدت قيادات كانت تعتمد في نشاطها داخل الأحزاب على مهمات فقط تنفيذية، هؤلاء يصبح مهمهم فقط الحفاظ على مواقعهم في القمة، و يصبحوا أكثرا عداء للذين يشتغلون بالأعمال الفكرية لأنهم سوف يفضحونهم، هذه الممارسة هي التي جعلت الحزب في حالة من الضعف الذي ضرب جميع الأحزاب السياسية. نسأل الله حسن البصيرة: أن شاء الله نواصل السلسلة.
zainsalih@hotmail.com