الأستاذ خالد موسى والتزوير بشأن بلايين السعودية (4-8)

 


 

 


ushari@outlook.com
...
أولا،
تقديم
(1)
التزوير في النص، النص هنا مقالُ خالد موسى عن تقرير الإيكونيميست، هذا التزوير هو الفعلُ الكتابي الزائف المتمثل في إعادة إنتاج نص ما لغرض الاحتيال أو الخداع. فإعادة إنتاج التقرير الإنجليزي هي ما وعدنا به خالد، أنه كان بمقاله سيستعرض بأمانة نص تقرير الإيكونيميست عن السودان.
لكن خالدا بل زوَّرَ التقرير الانجليزي، فأصبح مقاله عن التقرير يكذب عن نفسه. ولا يكون التزوير إلا مشدودا لغرضه، الغرض هنا تزيين سمعة نظام الإنقاذ، وتسبيب الألم والإحباط لدى معارضي نظام الإنقاذ.
قال خالد في صدر مقاله إن التقرير الإنجليزي الموضوعي الما فيهو كلام سياسة ولا أيديولوجيات "خيَّبَ آمال الناشطين والسياسيين المنادين بالتغيير عن طريق تحريك الشارع والجامعات بالمظاهرات والاحتجاج ...". بينما هو كان يتحدث عن تقريره هو، بعد أن كان اندس جوة التقرير الإنجليزي وزوره من الداخل.
(2)
تمثل الزيفُ المنسوجُ به المقال في الحركات اللغوية الخداعية المحددة التي أزلقها خالد خلسة في عملية استعراضه التقرير الإنجليزي غير المتاح في الأنترنيت إلا للقلة المحظوظة، في حالتي الفقيرة تحصلت على التقرير مجانا من الجامعة الغنية. الحركات اللغوية مثل: إغفال خالد الوقائع الجوهرية في التقرير، وتغيير عبارات التقرير بما يبدل المعنى الأساسي الذي كان فيها، وإزلاق وقائع في مقاله لم ترد في التقرير فنسبها خالد إلى التقرير، واستخدام خالد تقنيات مايكروسكوبية لتمرير الاحتيال بأمور التدليس, وهي حركات لا يقدر على اكتشافها إلا مختص في التحقيق في الاحتيال بالكتابة، ربما قاضي، أو وكيل نيابة، أو خبير لغوي. لكن يمكن لأي شخص قادر على القراءة تعلم سر هذه المهنة، وهو ما أطمح إليه، أن أقدم تدريبات للشباب في كيفية التحقيق في الكتابة الاحتيالية المتدبرة، خاصة كتابة المثقفين الإسلاميين.
(3)
فالتزوير فعل مادي قابل للإثبات بالطرق العادية المعروفة في العلوم المعرفية وفي المحاكم. وإذا لم يكن التزوير موجودا في النص، فإنك لن تجده مهما اجتهدت، ولا يمكنك فبركة التزوير، بسبب تلك ماديته، وبسبب أنه مشدود إلى وقائع خارجية تتعلق بالغرض فيمكن اكتشافها بصورة سائغة. يمكن اكتشافها من السياق وبعلة تماثل الأدمغة، فحتى إن لم نكن نحن محتالين، نظل قادرين على ملاحظة الاحتيال ومعرفة الكيفية التي يدور بها الاحتيال بواسطة الآخرين، بالاعتماد على العقل، وهو ما تم تطويره تحت مسمى "النظرية العقلية"، أو نظرية العقل.
...
ثانيا،
التزوير في مقال خالد موسى
(1)
جاء في فصل "العلاقات الخارجية" في تقرير الإيكونيميست (ص 5)، ما يلي:
"بعد زيارة وزير الخارجية السعودي في فبراير إلى السودان قالت الصحافة السودانية إن السودان سيكون المستفيد من دعم عسكري كانت السعودية في الفترة الماضية ألغت قرارها السابق بمنحه إلى لبنان، وأن مقدار هذا الدعم العسكري للسودان يمكن أن يصل حتى خمسة بليون دولارا".
(2)
كلنا قرأنا هذه الأخبار هن الخمسة بليون دولار للقوات المسلحة، وساد قلق عظيم في أوساط المهمومين بالأوضاع الإنسانية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. فحتى ما سيتبقى من الخمسة بلايين من الدولارات، بعد النهب الإسلامي المنظم المعروف له فقه متكامل، كان سيكون كافيا لتوجيه ضربات موجعة وقاتلة ضد المدنيين في المناطق الثلاثة.
ظل المدنيون هم المستهدفين من قِبل المثقفين الإسلاميين المقاتلين والمخططين المتحالفين مع العسكر، لمعرفتهم أن لا شيء يوجع المتمردين المسلحين ويسبب لهم الألم أكثر من تقتيل أطفالهم ونسائهم وأهلهم الفقراء بواسطة ميلشيا الجيش السوداني والمليشيات الحليفة.
فتقتيل المدنيين استراتيجية معروفة تاريخيا في العقيدة العسكرية للقوات المسلحة السودانية، المؤسسة التي حولتها الحركة الإسلامية السودانية إلى مليشيا تتحالف مع مليشيات قبيلية إجرامية لتقتيل المدنيين. أسألوا فطومة بنسودة، وقبلها أوكامبو. واسألوا عمر البشير نفسه.
(3)
لكن، بشأن الخمسة بليون في الصحف السودانية، انظر ما كتبته الإيكونوميست مباشرة بعد عباراتها أعلاه عن تلك الأخبار، أي أنظر الواقعة الجوهرية التي استشاط غضبا إزاءها خالد موسى، ففطَّسَها، أعدمها ومسحها من استعراضه للتقرير "الموضوعي"، وسنجده يُثَبِّت في محلها الخالي في النص ترهات عن الأمير ود الملك السعودي قال خالد إن الإيكونوميست لم تفهمها.
...
قالت الإيكونوميست، بلسانها الطويل، من موقع سلطة الكلام باللغة العالمية بل هي اللغة الكونية للخطاب العالمي المشترك:
"هذا الرقم [خمسة بليون دولارا] يكاد يكون مؤكدا أنه مبالغة".
...
ثم أضافت الإيكونيميست مباشرة عبارة "ولكن"، للموازنة. فقالت: "ولكن لا شك في أن السودان سيستلم فوائد مقدرة لقاء دعمه العسكري الراهن للسعودية وابتعاده الدبلوماسي من إيران".
(4)
أَقرأُ، بالتأويل، في العبارات الأخيرة أعلاه، أن الإيكونيميست تقصد أن تقول دون إفصاح، ولسانها الطويل ملفوف بالجنب في كُضْمِها، كناية عن الاستهزاء بالسودان، إن السودان سيستلم عمولات للمسؤولين والقادة العسكريين وأجورا للمرتزقة الذين أرسلتهم الإنقاذ لتنفيذ حرب الشيوخ الخليجيين.
هذا درس لخالد عن أن الكاتب يقول أنا أقرأ هكذا، فلا يلخبط الحاجات حتى لا نعرف هل المتكلم خالد أم الإيكونيميست.
وأَقرأُ أيضا أن العمولة مخصصة لقيادات الحزب، بسبب وقوف الإنقاذ في صف السعودية بعيدا من إيران.  
(5)
كررت الإيكونوميست ذات الواقعة الجوهرية أعلاه عن "المبالغة" في الصحف السودانية عن الخمسة بليون دولارا. فجاء ذات النص مرة ثانية في التقرير الإنجليزي في صدر ص 6 في الفصل عن "توجهات السياسة":
...
"أوردت الصحافة السودانية أن السودان سيكون المستفيد من الدعم العسكري الذي كانت السعودية ألغت تقديمه إلى لبنان، فيما قيمتُه يمكن أن تكون حتى خمسة بليونا من الدولارات".
...
ثم دمرت الإيكونيميست مجددا أحلام خالد موسى حين كتبت:
"هذا التقرير [عن الخمسة بليونا] لا يزال ينتظر تأكيده [من السعودية]، ولكنه تقرير يكاد يكون مؤكدا أنه مبالغة".
(6)
كما ورد سابقا، حذف خالد هذه الواقعة، وكان الحذف فعلا تزويريا سافرا. والتزوير شكل من أشكال التصنع. فالمزور يتصنع أن لا شيء حدث، ويخدعنا بقوله إن الوقائع التي أمامنا هي الحقيقة عن التقرير. وكله محض كذب يريد به المزور لنا أن نعيش في الأوهام التي خلقها هو وأن  لا نعرف الحقيقة.
فتلك كانت واقعة جوهرية في التقرير، تم ذكرها مرتين، في فصلين مهمين في التقرير، عن العلاقات الخارجية وتوجهات السياسة. وموضوعها الأساس عن الدعم السعودي كان  مثار اهتمام في السودان.
...
هذه الواقعة الجوهرية في التقرير عن "المبالغة"، "خيبت آمال" خالد موسى في هذا التقرير، بضاعته نردها إليه. أكرر أن خالد كان وصف في مقاله التقريرَ بأنه تقرير موضوعي وعلمي مجرد، لا سياسة ولا أيديولوجيات، وقال إن الدول والمؤسسات الدولية تعتمد عليه في قراءة الواقع الداخلي في السودان.
(7)
كان خالد موسى أصلا قارب تقرير الإيكونوميست بمشروع احتيالي للعدوان على القراء وعلى معارضي النظام. وهو قال لنا ما معناه: موتوا بغيظكم، فإن الإيكونيميست العلمانية بتاعتكم نفسها قالت إن كل احتجاجاتكم بالمظاهرات لن تؤدي إلى إسقاط الحكومة. يلة أمشوا شوفوا ليكم شغلة!
هكذا يتحدث إلينا خالد موسى من موقع السلطة، يحمل قلمه سيخة مخبأة تحت الابتسامة الساحرة.
(8)
كدأبه، في مجمل مقاربته الاحتيالية للتقرير، قرر خالد موسى ممارسة تقنية التزوير التي يجيدها، فمسح من تقريره هذه الواقعة الجوهرية. الواقعة المتمثلة في قول الإيكونوميست عن "المبالغة" في كلام "الصحافة السودانية الإنقاذية الكذابة بتاعة جهاز الأمن"، وهنا بالطبع أنا أستلفُ خدعة خالد موسى ومنهجيته لأزوِّر أنا أيضا في النص مثله بحشر رأيي الخاص في النص عن الصحافة السودانية.
زور خالد ما ورد في تقرير الإيكونيميست عن أن كلام هذه الصحافة السودانية  عن الخمسة بليون كان "مبالغة"، وأن "المبالغة"، كمبالغة، "أكيدة" almost certainly an exaggeration.
زور خالد في التقرير بأن مسح الكلام من النص وأعدمه، فخلق بذلك نسخة للتقرير مزورة ووهمية باعها للقراء.
(9)
المُزوِّرُ مشغولُ البالِ دائما بأن خدعته ربما تنفضح، من هنا تأتي أهمية التدليس عنده للتغطية على الخداع. لا يوجد خداع بدون تدليس، إلا عند الحرباء فهي تزوِّر لونها لكنها لا تتمكن من إخفاء الخدعة، فقط الإنسان قادر على الخداع والتدليس على الخداع في ذات الأوان.
لكن تدليس الإنسان على خداعه جزئي. فلا يكون التدليس كاملا وإلا ألغى الفعل الخداعي الأولاني كله. لهذا، وبسبب هذه الجزئية في التدليس وعدم كماله، نتمكن من القبض على الخداع، لأن التدليس يترك بعض آثار الخداع متروكة في سطح النص دون أن يغطي عليها.
(10)
كتب خالد المهموم ما يلي في توصيفه لما أوردته الإيكونوميست عن "المبالغة" في رواية الخمسة بليون:
"... يُضعف التقرير في الوقت نفسه من أي آمال مرجوة لزيادة حجم التدفقات المالية الي السودان من دول الخليج العربي ..."
...
استخدم خالد العبارات الخفَّافِية أعلاه لحك اللسعة التي تلقاها من التقرير عن "المبالغة" في رواية الخمسة بليون التي كانت هللت لها ماكينة الدعاية الإسلامية. كذلك ظل بال خالد مشغولا بالتزوير الذي كان أجراه بإخفاء واقعة حديث "المبالغة" في التقرير الإنجليزي، الواقعة التي كانت وردت في التقرير مرتين.
فلغرض التغطية على التزوير بمسح واقعة "المبالغة، ابتدر خالد خطابا ليرد على الإيكونيميست على فعلتها التي لم يكن يجرؤ على ذكر اسمها، عن أن الخمسة بليون كانت "مبالغة".
اندرج خالد في الملاسنة مع الإيكونيميست دون أن يبين للقارئ أصل الموضوع الخفي الذي كان يرد عليه، ودون تبيين مشكلته مع التقرير، فقال:
...
"هناك عامل مهم أغفله تقرير الإيكونوميست لعامل التوقيت وهو إعلان إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وفقا لرؤية ٢٠٣٠ حيث أكد الامير محمد بن سلمان أن السودان سيكون احد محاور الاستراتيجية السعودية في الاستثمارات وتحقيق الأمن الغذائي ورفع معدل الصادرات السعودية الي أوروبا".
...
مسكين خالد موسى، حاول أن يجد تبريرا لكون الإيكونيميست أغفلت موضوعا محببا إليه، "حيث أكد الأمير محمد بن سلمان أن السودان سيكون أحد محاور الاستراتيجية السعودية في الاستثمارات ...".

...
ثالثا،
 
(1)
لا يدرك هذا المثقف الإسلامي الدلالات العميقة للتهافت والانبطاح الافتراضي بين قدمي الأمير السعودي، التهافت والانبطاح لاستجداء عطية للسودان تـأتي وفق رؤية الدولة الأجنبية لاقتصادها للعام ٢٠٣٠!
...
فيثير لدينا هذا المشهد المأساوي الشفقة، حين نرى الإسلامي ممثل الدولة يفاصل يتفاخر بالعطية السعودية المرتقبة. إلى درجة أنا نفكر في التنازل عن المواقف لنقدم النصيحة أن الشحذة باسم أهل السودان والتباهي بها غير مقبولتين. نفكر في تقديم النصح، من منطلق الإنسانية المحضة حين ترى أحد هؤلاء البشر في أكثر وضعيات إذلال الذات بشاعة، الكرامة مفقودةٌ والوجهُ ناشفٌ واليد ممدودةٌ تنتظر المدد من الأمير ود الملك لحل مشكلة السودان الاقتصادية.
بالطبع لا يبصر خالد المفارقة التي تنطوي عليها مناجزته بالعطية الملكية السعودية. وهو غير قادر على إبصار المفارقات السياسية في هذه الوضعية العبر حدودية،   خاصة وأن الدعم السعودي مربوط بإرسال المرتزقة السودانيين لتنفيذ حرب شيوخ الخليج. عشت في اليمن خلال فترة محنتها، فأعلم أن السودانيين في اليمن لا يمكن أن يكونوا إلا مرتزقة.
ألم أقل إن الإسلامية السودانية أيديولوجية انتهازية فاسدة لا مكان فيها لأخلاق؟
(2)
لكني أَعدِل عن استحثاث التعاطف الإنساني تجاه خالد في محنته ككاتب السلطان حين أكتشف أن الأستاذ خالد موسى ليس في وضعية استضعاف، لأنه يظل يناجز ويلاسن من موقع القوة والسلطة حتى وهو منبطح باسم السودان تحت قدمي الأمير السعودي يريد عطية سلطانية، فلخالد قدرات لا يستهان بها.
اخترع خالد عذرا للإيكونيميست، بقوله إن مفارقة "التوقيت" بين نشر التقرير وتصريح الأمير السعودي هي سبب إغفال الإيكونيميست واقعة أن الدعم السعودي للسودان مضمن في رؤية السعودية 2030!
...
يا حركات مسلحة يا متمردين، الدعم السعودي  جايي جايي!
وكيَّة فيكم إنتو كمان يا بتاعين المعارضة!
هكذا يلاسن خالد موسى.
...
مسكين هذا الإسلامي،  سيطول انتظاره حتى تسمع الإيكونيميست بخبر العطية للسودان المضمنة في خطة السعودية المستقبلية، لتضيف المجلة الخبر السعيد في تقريرها القادم عن السودان.
..
رابعا
المقالات التالية
(1)
في المقالات التالية، أتناول نسق الكتابة الاحتيالية في موضوعات أخرى وردت في مقال الأستاذ خالد.
(2)
ثم أعرض إلى كيفية إجراء البحث الشعبي في موضوع الاحتيال بالكتابة:
ما هو هذا الاحتيال بالكتابة؟
ما المفاهيم لدراسة الكتابة الاحتيالية المتدبرة في خطاب الإسلاميين: الاحتيال والخداع والتدليس والانحراف والكذب والتزوير وطمس الوقائع الجوهرية والغش والهراء؟
كيف تدور هذه الكتابة الاحتيالية في النصوص في سياقاتها؟
كيف تكون مقاومة الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، بتفكيك خطاب الإسلاميين؟
كيف يمكن للشباب تعزيز قدراتهم لملاحظة الكتابة الاحتيالية المتدبرة في خطاب الإسلاميين كُتَّاب السلطان وتحليلها؟
...
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com

 

آراء