الأغلبية المهمشة

 


 

الطيب الزين
19 September, 2022

 

إذا أردنا بحق وحقيقة بناء دولة سودانية حديثة تحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة ، إذن لابد من التخلص من المؤسسات القديمة وعلى رأس هذه المؤسسات، مؤسسة الجيش السوداني، التي لا يذكر لها إنجاز واحد لصالح الشعب.
هذه المؤسسة ظلت في خدمة الطغاة لقهر الشعب ومصادرة آحلامه.
شعار الجيش للثكنات والدعم السريع ينحل .. هذا شعار مضلل.
لابد من حل هذه المؤسسة أولاً .. لأنها مصدر الداء وليس الدواء.
أغلب الضباط الكبار في هذه المؤسسة هم كيزان وإلا ما سمح لهم الوصول إلى هذه الرتب المتقدمة.!

إسقاط الطاغية عمر البشير ليس غاية الثورة والثوار، هذه مجرد بداية لأن رموز القهر والبطش والظلم والفساد ما زالوا عالقين في قيادة الجيش الذي غيروا عقيدته وشعاره من قوات الشعب المسلحة .. إلى القوات المسلحة ..!
إذن هذه المؤسسة لابد من إعادة صياغتها حتى تكون مؤسسة تحقق تطلعات “الأغلبية المهمشة” التي تتكون من المهمشين سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً .. وهم العمال والمزارعين والرعاة، والمهنيين والحرفيين والموظّفين، وستات الشاي، واللاجئين والنازحيين والمشردين، والمهاجرين لأسباب سياسية أو إقتصادية والمثقفين والكُتّاب الشرفاء، والسياسيين الديمقراطيين، المنحازين لصفوف الفقراء والكادحين والكادحات، والمغتربين في دول لا تحترم أبسط حقوق الإنسان.!
إن إنجاز الدولة الوطنية الحديثة هي مهمة الأغلبية المهمشة، في كل أقاليم السودان.
سيكون حالماً من يظن أن السودان ستقوم له قائمة في ظل بقاء مؤسسة الجيش بتاريخها المظلم الملطخ بقهر الفقراء والكادحين وإنتهاك حقوق الإنسان.
هذه المؤسسة المسماة كذباً وبهتاناً بالجيش السوداني.
هذه مؤسسة إضطلعت بدور قذر وهو إعاقة بناء الدولة السودانية منذ وقت مبكر .. منذ إنقلاب الفريق إبراهيم عبود، في عام 1958، حتى إنهار في عام 1964، عبر ثورة شعبية عرفت بثورة 21 إكتوبر.
وعادت هذه المؤسسة للحكم مجدداً في نظام جعفر نميري، الذي حكم السودان 16 سنة .. ومرة ثالثة في عهد عمر البشير الذي حكم السودان ثلاثون سنة مظلمة زادت الطين بلة في كل مؤسسات الدولة لاسيما داخل هذه المؤسسة الكسيحة، التي تم تحوليها إلى مؤسسة كيزانية 100% إستخدمت شعار الخدمة الوطنية لتمكين مشروعها الإنتهازي وبسطه بالقهر والظلم عبر رفع شعار الجهاد ضد الجنوبيين وإستغلال الدين، حتى إنفصل الجنوب.. ثم تواصل مخطط تدمير السودان عبر إثارت النعرات العنصرية في جميع أنحاء السودان لاسيما في اقليم دارفور .. الذي تجلت فيه النزعة العنصرية بأبشع صوّرها.!
وطبق شعار فرق تسد في دارفور بتوظيف التناقضات التاريخية هناك في ظل غياب كامل لمظلة الدولة ..
وهنا أقصد غياب فرص العدالة
والتنمية، الأمر الذي جعل المكونات هناك تتصارع بلا وعي على أساس عرقي.. في بيئة فقيرة تفتقر لأبسط مقومات الحياة إذ تم توظيف موسى هلال وقبله علي كوشيب القابع في سجون محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وبعده تم توظيف حميدتي، للتصدي للمجموعات المسلحة التي رفعت السلاح مطالبة بحقها في مشاركة عادلة في السلطة والثروة والتنمية والخدمات.
الجيش السوداني هذه كذبة كبيرة إنطلت على الكثيرين من أبناء وبنات هذا الشعب المظلوم .. هذه المؤسسة المسماة الجيش السوداني .. هي مؤسسة هدم ودمار وإعاقة لتطور الدولة وترسيخ الديمقراطية وتمزيق الدساتير ..
هذه مؤسسة خربة، لابد من التخلص منها إذا كان الهدف هو بناء الدولة السودانية على النحو السليم يصحح يقّوم الخلل البنيوي ويرسخ الديمقراطية ويحقق العدالة والتنمية والإزدهار للجميع.

حينما نقول هذا الكلام، لا نلقيه على عواهنه، وإنما ننطلق من حقيقة مفادها أن الأوطان لا تبنى بالأكاذيب والغش والخداع والتكويش وسرقة فرص الآخرين في الحياة والتعليم والتنمية والخدمات.
هذه حقيقة تنكرها تلك النُخَب، في لقاءاتها وندواتها وفي وسائل الإعلام، لكن تصرفاتها وممارساتها اليومية، تؤكد مدى إصرارها على التشبث بمقاليد السلطة، بكل الأساليب والوسائل دون التوفر على مقومات القيادة الوطنية النزيهة.
علماً أن مهمة بناء الدولة من حيث المبدأ هي مهمة صعبة وشاقة، ولا يستطيع أحداً، سواء كان فرداً او جماعة، أو حزباً، ان ينهض بها لوحده، إذ ليس من مقدور اي قوى سياسية أو اجتماعية، مهما إدعت من منهجية وعلمية ورؤى فلسفية لمعالجة مشكلات وتحديات التنمية الإقتصادية والإجتماعيه، بكل تفرعاتها وجزئياتها، في ظل الفجوة الهائلة في العلوم والتكنولوجيا، بيننا وبين العالم المتقدم، وبلادنا الرازحة تحت نير الجهل والتخلف والأمية والإستغلال والفساد وأمراض الفقر والبطالة، بجانب تحديات الطبيعة، كفيضانات النيل المتكررة والأضرار المترتبة على حياة السكان القاطنين على ضفافه، لاسيما سكان العاصمة الخرطوم.
ودورات الجفاف والتصحرالتي عرفتها البلاد، والعطش الذي يعانيه أغلب سكان السودان، بجانب أزمات الكهرباء . . إلخ . .
لا حياة بلا توفير المياه النقية الصالحة للشرب، والمياه اللازمة للزراعة بشقيها الزراعي والحيواني.

ولا تنمية بلا توفير الطاقة الكهربائيّة، لسكان المدن والريف.
هذه التحديات والمشاكل، ظلت كما هي منذ استقلال السودان في 1/1/1956، وحتى الآن !
إذن مهمة بناء الدولة الوطنية الحديثة ليس بمقدور أي قوى سياسية أو إجتماعية أن تتصدى لها منفردة، وإلا كانت سنوات حكم الطغم العسكرية قد حققت أماني الشعب السوداني في الحرية والعدالة والسلام.
أذن المنطق والعقل والحكمة والواجب الوطني، كلها تفرض على كافة قوى المجتمع الحية، سياسية وإجتماعية، ضرورة التعاون معاً، وفتح أبواب حوار جاد ومسؤول حول أنجع وأفضل السبل والوسائل والاساليب لتجاوز الواقع المأزوم والإنطلاق نحو أفاق أرحب تمهيداً لبناء الدولة الوطنية الحديثة.
وهذا لا يعني مجرد الوصول إلى صيغة من صيغ التحالف بين مجموعة من القوى لتقاسم السلطة والثروة.
الأهم هو إقامة جسور مفتوحة للحوار بين كل قوى المجتمع المدني، سياسية أو إجتماعية، فمن المؤكد أن لكل فرد دوره ومسؤوليته، وحقه وواجبه، وليس من الحكمة في شيء نفي أحد أو تجاهله، مهما ضعف دوره وخفت صوته.
واحد من أهم أهداف الثورة هو ترسيخ مفهوم المواطنة وثقافة الديمقراطية .. إذن الواجب والمسؤولية الوطنية يحتمان على الجميع، الخروج من أردية الماضي العتيقة، لمواجهة واقع الأزمة والتحديات التي يواجهها السودان متعدد الأعراق والثقافات والمترامي الأطراف.
بلادنا في حاجة لقيادة طموحة وخلاقة ونزيهة تتحلى بقيم التجرد والتّفاني، لتوفير الظروف الموضوعية، والشروط اللازمة للإستفادة من الثورة والثروات والخيرات التي تزخر بها بلادنا.
المرحلة تفرض التعامل بقلوب مفتوحة وعقول متوقدة وضمائر حية، ونوايا صادقة للعبور بوطننا وشعبنا إلى بر الأمان، عبر إحترام حقوق الإنسان، وإدراك حقيقي، لقيمة الحوار والحرية والمواطنة كقيم مجتمعية راسخة في الوجدان الجمعي للشعب السوداني لمواجهة التحديات والأزمات التاريخية.
أن بناء الدولة الوطنية الحديثة، حتماً سيسهم بصورة حقيقية في تشكيل مناخ سياسي وإقتصادي وإجتماعي جديد، يتبنى قيمة المواطنة، كقيمة أساسية لا تعلو عليها قيمة أخرى ويقضي على ثقافة اللامبالاة وعدم الإكتراث بالآخر التي طبعت سلوك البعض ..
وينهض بالدولة والمجتمع حتى يخرج من نفق العرقية والجهوية والطائفية، لمواجهة التحديات والأزمات، ويخلق مستقبل أفضل يغير واقع الأغلبية المهمشة التي ما زالت تعاني واقع البؤس واليأس والحرب، الى واقع معافى من الظلم والاحقاد والحروب وخالي من الدماء والدموع.

Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
///////////////////////////////

 

آراء