الأمن السوداني قمع تظاهرات طالبت بمجانية الصحة والتعليم

 


 

 

الخرطوم – «القدس العربي»: وسط انتشار كثيف للقوات الأمنية في شوارع الخرطوم ومحيط القصر الرئاسي، شارك الآلاف من السودانيين، الثلاثاء، في تظاهرات جاءت تحت شعار «صحة وتعليم مجان والشعب يعيش في أمان».
وهاجمت قوات الأمن المتظاهرين في محطة مواصلات جاكسون والسوق المحيط بها، وسط الخرطوم، بعبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والهراوات، الأمر الذي أثار الذعر وسط الباعة وأصحاب مركبات المواصلات في المحطة.
كما ندد مواطنون بإغلاق السلطات للطرق والشوارع الرئيسية، وسط الخرطوم، والذي تسبب في إعاقة حركة المرور، فضلا عن شكوتهم من إطلاق القوات النظامية لعبوات الغاز المسيل للدموع في مناطق الازدحام، مما أدى إلى العديد من حالات الاختناق.
وعلى الرغم من الانتشار الأمني الواسع وسقوط العديد من الأصابات استطاع المحتجون الوصول إلى شارع القصر، القريب من مباني القصر الرئاسي وسط الخرطوم، حيث تعالت الهتافات المنددة بالانقلاب العسكري وتدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، والتي كان من أبرزها: «صحة وتعليم مجان والشعب يعيش في أمان..العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، كما رفع عدد من المحتجين لافتات رافضة للتسوية مع العسكر وتطالب بتقديمهم للعدالة.
وجاءت التظاهرات بدعوة من تنسيقيات «لجان المقاومة»، التي تقود الحراك الشعبي في البلاد منذ انقلاب القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

تقويض الانتقال الديمقراطي

وتتهم اللجان قادة الانقلاب بتقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد وتطالب بمحاسبتهم، والقصاص لضحايا الحكم العسكري، رافعة شعار «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب.
وفي ظل احتجاجات مطلبية، واضرابات واسعة في القطاعات الصحية والتعليمية في البلاد، تطالب بإصلاح مؤسساتها وتحسين أجور العاملين فيها، خصصت لجان المقاومة تظاهرات الأمس للتضامن مع مطالب العاملين في تلك القطاعات، مشددة على حق السودانيين في مجانية الصحة والتعليم.
وبينما تتفاقم الضائقة المعيشية في البلاد، أجاز مجلس الوزراء، الإثنين، موازنة العام 2023، بعد تأخير دام نحو شهرين، حيث جاءت وفق وزارة المالية معتمدة على الموارد الذاتية، في ظل انقطاع الدعم الخارجي، وبلغت في مجملها (7.363) مليار جنيه سوداني بينما بلغ إجمالي الانفاق العام (8،196) بعجز تجاوز المليار جنيه.
وأعلنت تخصيص 14.7% من الموازنة لقطاع الصحة، و10.7 % للصرف على التعليم، ترتفع لتصل إلى 20% في الولايات.
وعلى الرغم من إعلان المالية زيادة الصرف على قطاع التعليم، إلا أن المعلم عبد الحميد إسماعيل (47 عاما) والذي شارك في التظاهرة، قال لـ»القدس العربي» إنهم «غير مهتمين بأي أرقام تعلنها الحكومة أو وعود تطلقها، ما لم يتم تنفيذها».
وأكد «تمسك المعلمين بالإضراب المعلن منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والذي يطالب بزيادة الصرف على قطاع التعليم وتحسين الأجور».
ولفت إلى أن «مرتبات المعلمين لا تكفيهم حتى لدفع أجرة المواصلات، ناهيك عن احتياجاتهم المعيشية والتي أصبح من المستحيل الإيفاء بها في ظل الزيادات المهولة في الأسعار».
وأضاف: «كيف نقوم بعملنا ونحن لا نعرف كيف ندبر احتياجات بيوتنا»، مشيرا إلى أن «المؤسسات التعليمية متداعية بالأساس وأن الطلاب في بعض الولايات يسيرون لمسافات طويلة للوصول إلى المدارس التي لا يوجد فيها مقاعد أو فصول بالأساس».
وشدد على أن «إضراب المعلمين يأتي في صالح المعلم والطالب والوطن بشكل عام، لأن التعليم هو القاعدة التي تبنى عليها نهضة الشعوب».
وأشار إلى أن «العديد من المعلمين شاركوا في تظاهرات الثلاثاء لإيمانهم بأن الثورة السودانية جاءت من أجل تغيير حقيقي، وأن الشارع أدرك ذلك وأصبح يعلم أن الحكم المدني الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات سيكون في صالح الجميع».
وتجاوزت أزمة قطاع التعليم في السودان، المدارس، إلى مؤسسات التعليم العالي، والتي تشهد اضطرابات واسعة للأساتذة والطلاب والموظفين.
ميساء خالد، طالبة جامعية (20 عاما)، قالت لـ»القدس العربي» أنهم «فوجئوا في بداية العام الدراسي، بزيادات مهولة في رسوم التسجيل للطلاب في القطاع الحكومي، الأمر الذي تسبب في عدم التحاق العديد من الطلاب بالعام الدراسي الجديد»، مشيرة إلى أن «رسوم التسجيل فقط تبلغ أضعاف مرتبات أهاليهم، من الموظفين من ذوي الدخل المتوسط، بينما لا يمكن وصف معاناة أبناء ذوي الدخل الأدنى». وشددت على «ضرورة ضمان مجانية التعليم والصحة وعدم استغلال هذه القطاعات للتضييق على المواطنين».
واتهمت السلطات بالضغط على السودانيين من خلال فرض المزيد من الجبايات لإلهائهم بالأزمات المعيشية عن المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، مشددة على أن «المواطن أصبح مؤمنا بأنه لا خلاص للبلاد إلا بإسقاط الانقلاب والتأسيس لسلطة الشعب والحكم المدني الديمقراطي».
ومجانية الصحة والتعليم من «مطالب الثورة الأساسية التي ظلت تنادي بها لأربعة أعوام»، حسب لجان المقاومة التي أكدت في بيان أمس «استمرار إضراب المعلمين للشهر الثالث على التوالي وعدم استجابة السلطات لهم».
وقالت إن «تعنت السلطات تسبب في تعطيل تلاميذ التعليم الأساسي والثانوي في المدارس الحكومية، مما أضطر الأسر المقتدرة لنقل أبناءها للتعليم الخاص، بينما اضطرت أخرى لبيع جزء من ممتلكاتها لتعليم أبناءهم حرصاً على مستقبلهم، بينما ما يزال يعاني الأغلبية في المدارس الحكومية».
وأكدت على «عدم لوم المعلمين على استخدامهم حقهم المشروع في الإضراب» مبينة أن من مطالبهم زيادة ميزانية دعم التعليم والتي تصب في مصلحة الطلاب، مضيفة: «كيف نلوم المعلم وسلاحه الطباشيرة في وقت رفع غيره السلاح فأخذوا خيرات البلاد بالقوة، علينا أن نعي أن عدونا واحد والذي يتمثل في هذه السلطة الانقلابية».
وأشارت إلى أن «التظاهرة من أجل أسر الطلاب ودعم إضراب المعلمين وأساتذة الجامعات والتنديد بالقطاع الصحي المتهالك، وأن كل ذلك لن يكون إلا بإسقاط الحكم العسكري»، مشددة على أنه «ثبت للجميع أن الانقلاب فاشل وليس لمن قاموا بتنفيذه أي خطة غير الإحتفاظ بالسلطة ونهب ثروات البلاد».
وكانت لجنة المعلمين السودانيين، قد دعت في بيان، الإثنين، منسوبي المؤسسات التعليمية للمشاركة في مليونية الثلاثاء، واعتبرت أن دعوة لجان المقاومة لموكب من أجل التعليم، «تعود لإيمانها بأهمية هذا القطاع، والتضامن مع مطالب المعلمين العادلة، من أجل زيادة الصرف على التعليم ومرتبات منصفة تحفظ للمعلم كرامته وعزته».

«مواصلة المقاومة»

وقال البيان: «نحن في لجنة المعلمين السودانيين، ننظر بعين التقدير والإعجاب، مقرونا باحترامنا العميق لشباب السودان كافة، ولجان مقاومتهم الباسلة، لدعمهم للتعليم والمعلم السوداني»، مضيفا: نشد على أيادي لجان المقاومة فردا فردا، ونعدهم بمواصلة المقاومة من أجل خلق واقع أفضل للتعليم في البلاد، ومضاعفة الجهود حتى الوصول إلى تعليم شامل ومنصف ومجاني وجيد في السودان».
وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونسيف»، 6.9 مليون طفل سوداني لا يذهبون للمدارس، أي أن ثلث الأطفال في السودان في سن الدراسة لا يتلقون تعليمهم، بينما بينت أن 12 مليون آخرين لا يتلقون تعليما جيدا.
وأرجعت ذلك، إلى نقص المعلمين وتردي البنية التحتية للمؤسسات التعليمية في البلاد، مشيرة إلى ضرورة توفير بيئة تمكّن الأطفال من التعلّم، وتجعلهم يحققون أحلامهم، ويظهرون إمكاناتهم الكامنة. وبدأ المعلمون السودانيون إضراب عن العمل ، أطلقوا عليه «إضراب العزة» منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مطالبين بإقالة وزير التربية والتعليم المكلف محمود سر الختم، وتحسين الأجور، وزيادة الصرف على قطاع التعليم.

إضرابات

وشهدت البلاد موجات متتالية من الإضرابات المطلبية في عدد من القطاعات المهنية، احتجاجاً على ضعف الأجور في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، والتي تفاقمت منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2020 بدأت السلطات السودانية، برامج رفع الدعم عن الوقود والخبز والسلع والخدمات الاستهلاكية. وفي مقابل الزيادات العالية في أسعار السلع الأساسية، التي ترتبت على رفع الدعم، تراوح أجور الموظفين والعمال السودانيين مكانها، الأمر الذي تسبب في تصاعد الإضرابات.
وتتواصل التظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري في البلاد والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، وسط دعوات للإضراب العام والعصيان المدني، على الرغم من توقيع عدد من الأطراف المدنية اتفاق مع العسكر في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري وإعلانها في 9 يناير/ كانون الثاني، الشروع في المرحلة النهائية من الاتفاق الذي تتطلع لأن يفضي إلى استعادة الانتقال الديمقراطي في البلاد.

 

آراء