الأمن هو المتهم .. لكنه يحكم حتى الرئيس

 


 

 

Abuthar Ali" <abuzzzar@yahoo.com

تشير قصة اختفاء (محمد الخاتم موسى يعقوب) والتي تدخل عامها الرابع الأن، أن الانقاذ يحكمها جهاز الأمن، وأن جهاز الأمن هو الضمانة الاكيدة والوحيدة على بقاءه واستمراره، وأنه مهما قدم من تنازلات هنا وهناك إلا أنه لن يقدم تنازلات تضعف جهاز الأمن. فجهاز الأمن يجب أن يكون أعلى من القانون والدستور وأن تجّير له كل الحصانات ولو شملت حتى (المتعاونين) معه!!، وأن تطال يده كل شخص بل وكل شئ بلا حدود أو محاسبة. وفوق ذلك أن يظل منهجه في التعامل هو القوة والقوة فقط يردع بقوة السلاح وبتجاوز القانون وبوفرة المال الذي تتجاوز مصادره حدود الميزانية الرسمية على ارتفاع نسبتها المخصصة للأمن والدفاع ال 70%، لتفتح له كل أبواب الموارد بلا سقوف أو حدود.

فاذا علمت أن الرئيس شخصياً ونائبه علي عثمان وأحمد ابراهيم الطاهر، قد علموا بالامر ومباشرة من والده الصحفي المشهور موسى يعقوب وكونوا لجاناً لتحسم في أمر الإختفاء المريب لمحمد الخاتم موسى يعقوب بل إن احداها كانت باشراف أحمد الطاهر نفسه. الاولى كونها علي عثمان بتوجيه مباشر منه لنائب جهاز الأمن (وقتها) اللواء محمد عطا الذي جعل على رأسها ضابط برتبة (لواء) لكن رئيس تلك اللجنة كان هو الذي يوجه الاسئلة لموسى يعقوب كل ما التقاه بخصوص اختفاء ابنه أن يبلغه اذا كان هناك جديد!!!؟، ولا أعرف ما هي المهمة التي تضطلع بها لجنته اذا كان مصدر معلوماته وتجديدها هو موسى يعقوب (الشاكي) والد المختفي محمد الخاتم؟!!. أما اللجنة الثانية والتي كونها الرئيس شخصياً بعد أن زهد موسى في أن تطلع لجنة علي عثمان ونائب رئيس الجهاز محمد عطا بشئ أو حتى أبداء الاهتمام بموضوع نجله.  فقد كونت برئاسة مدير المباحث الجنائية اللواء عابدين الطاهر، وعضوية الشرطة والامن والمخابرات وتحت اشراف رئيس المجلس الوطني أحمد ابراهيم الطاهر على خلفية أن احمد ابراهيم الطاهر كان يشغل رئاسة لجنة لمحاسبة أجهزة الحزب وقتها. (راجع بخصوص هذه المعلومات ما نشرته كل من الرأي العام والانتباهة اواسط مارس 2008- لكنه الأن موجود بمواقع الانترنت على تعددها وكثرتها) ولكن وبحسب الانتباهة و "... طبقاً لموسى ما هو متفق حوله ان اللجنتين لم تتوصلا الى اي معلومة تقود الى فك طلاسم اختفاء الخاتم بل ولم ترفع اللجنتان اي تقرير للجهات العليا لكن الصدفة وحدها هي التي اجبرت لجنة احمد ابراهيم الطاهر على كتابة تقرير" والصدفة هي أن لمحمد الخاتم اختراع أمام منظمة الملكية الفكرية العالمية (الوايبو) وظلت تراسل محمد الخاتم ابان اختفائه، ولما تولى والده الرد عليها باختفاء ابنه طالبته (باثبات اختفائه) حفظاً لحقوقه. الأمر الذي دفع موسى يعقوب بحمل خطاب الوايبو لأحمد أبراهيم الطاهر الذي أضطر بعدها لكتابه تقرير من صفحة ونصف بحسب ماورد بالانتباهة. وتبقى النتيجة أن اللجنتين وحتى اليوم لم تكشفا طلاسم اختفاء ابن موسى يعقوب على رغم من تدخل نائب الرئيس والرئيس ذاته ومشاركة رئيس المجلس الوطني المباشرة في ذلك!!!؟.

لم يفلح تدخل الرئيس ونائبه ولا مشاركة رئيس المجلس الوطني لحل قضية محمد الخاتم  أو حتى اعادة الامل في حل لها ممكن. ولم يشفع لمحمد الخاتم انتمائه للمؤتمر الوطني وعطاءه بالجامعات وجهاده مع المجاهدين، بل لم تشفع له مكانة والده ولا قربه من القيادات العليا ولا سيرته الطويلة وتاريخه ومجاهداته ضمن الحركة الاسلامية. لكن أن تختلف معهم فلا حرمة لك ولا مكانة، ولن يحميك القانون ولا أعلى مسؤولي الدولة. بل ستكون كلك مباح يفعل بك كل شئ بلا حدود ولا مجال هنا لدين أو أخلاق بالطبع لا قانون. وهذا ما حدى بالدكتور عبد الوهاب الافندي أن يكتب تحت عنوان (البراءة من دم ابن يعقوب واعتقاله) - راجع القدس العربي 11 ابريل 2008م- مايلي: " كنت أعتقد أنني تجاوزت مرحلة الاستغراب والصدمة لما يقع في السودان. فما من شيء من الكبائر والعظائم يمكن أن يقع في ذلك البلد المنكوب بأهله إلا وقد وقع ما هو أفظع منه. وهل بعد دارفور وما شهدته من عظائم استحلال دماء المسلمين وأعراضهم من كبيرة؟ وهل بعد التعاون مع مخابرات الدول الاستكبارية والتزلف لإسرائيل من إثم يمكن أن يرتكب؟ . ولكنني أعترف رغم كل هذا أن صدمتي حين علمت لأول مرة بحادث الاختفاء الغريب للشاب محمد الخاتم موسي يعقوب ابن الصحافي السوداني المعروف موسي يعقوب لأكثر من عامين دون العثور علي أثر له فاقت كل ما سبق. سبب الصدمة والاستغراب هو أن كل الدلائل تشير إلي أن جهة ذات طابع رسمي هي المسؤولة عن اختفاء الشاب الذي كان أحد كوادر الحركة الإسلامية ومن مؤيدي النظام قبل أن ينقلب عليه ويصبح معارضاً شرساً. وهي تشير إلي أنه لم تعد هناك حرمات أو خطوط حمر أو عصمة لحقوق العباد".

السؤال هنا ما هي جدوي الانتماء للمؤتمر الوطني أو حتى دعمه انتخابياً اذا كان بإمكانه غداً أن يفعل بك كل الافاعيل فقط لمجرد الاختلاف معه سياسياً؟!!، طالما كان جهاز الامن قائماً وله صلاحيات تجعله الاعلى حتى على القانون والدستور. وكيف تضمن لوضع كهذا أن يحفظ لك أقل حقوقك، أو حتى تطمئن معه لمستقبلك أو مستقبل أبناءك وأنهم لن يواجهوا يوماً ما لقيه محمد الخاتم موسى يعقوب!!!؟، وأنت لن تكون في مقام موسى يعقوب تاريخاً أو قرباً من القيادات العليا بالدولة والحزب!!!؟.

اشارة دكتور الافندي ل(أن كل الدلائل تشير إلي أن جهة ذات طابع رسمي هي المسؤولة عن اختفاء الشاب الذي كان أحد كوادر الحركة الإسلامية ومن مؤيدي النظام) تدعمها حيثيات كثيرة نشرت بصحيفة الانتباهة والراي العام لكنها كما اللجان الرئاسية لم تسفر عن شئ بل ظل كل شئ كما كان لا أحد يعلم شيئاً عما جري لمحمد الخاتم. ومما نشر ويشير مباشرة بالاتهام لجهاز الامن أرقام آخر محادثات لمحمد الخاتم والتي سلمتها لهم (زين) بعد اكمال الاجراءات الرسمية وفتح بلاغ بقسم شرطة مدينة النيل محلية كرري وكان أخر رقمين اتصل عليهما محمد الخاتم تخص شخصين هما منتصر عطا والآخر لسيد كمال مصطفي وأن آخر المكالمات كانت مع جهاز أمن الطلاب. وجاء بالانتباهة أنه ايام انقطاع خدمة هاتفه أنه كان يستخدم هاتف والدته التي أكدت بحسب الانتباهة "... واكدت لي انها وجدت رسالة مرسلة من ابنها الى منتصر عطا تقول يا منتصر سأصلك بعد ساعة وكان ذلك قبل يومين من إختفائه  لكن المثير عند اتصال موسى يعقوب على المدعو منتصر انه انكر انه يعرف الخاتم وبعد ضغط من موسى اقر منتصر انه تذكر الخاتم وان له عمل معه لم يكشف عنه". وعندما كثفت الاسرة من اتصالاتها بالكثير من زملائه أخبر أحدهم ويدعي عمار باشري شقيق محمد الخاتم وائل " .. بأن هناك شخص اكد انه تحدث الى محمد الخاتم يوم السبت اليوم الثاني لاختفائه واتضح لاحقاً ان ذلك الشخص هو نفسه المدعو منتصر عطا سكرتير كامل مصطفى" وفي هذا ريب كثيف ولكن الانتباهة أوردت تفاصيل يشيب لها الرأس تؤكد أن جهاز الأمن خلف كل ذلك وبوضوح كامل وتام!!!.

أوردت الانتباهة على وائل موسى يعقوب شقيق محمد الخاتم "...انه بعد 84 يوماً من اختفاء شقيقه اتصلت به مجموعة قالت انهم اخوة للخاتم وزاروه بالمنزل وكانوا اربعة واخبره اكثر المتحدثين بينهم انه يعمل في بنك ام درمان الوطني واستفسروه ان كان يملك معلومات جديدة عن اختفاء الخاتم بعدها وصلت انباء من شخص صديق للاسرة اكد لهم ان هناك من التقى بالخاتم بمباني جهاز الامن والمخابرات وان ابنهم يتمتع بصحة جيدة تحرك وائل موسى الى مباني جهاز الامن للاستفسار عن صحة المعلومات التي وصلتهم، وطلب مقابلة الضابط المناوب وكانت المفاجأة كما روى لي ان الضابط المناوب كان هو ذات الشخص الذي زارهم بمنزلهم وبرفقته ثلاثة آخرين وادعى انه يعمل ببنك ام درمان الوطني ولم يخرج وائل بجديد". بعد هذه الافادة لا نحتاج لدليل يؤكد لنا أن وراء اختفاء محمد الخاتم والمتهم الوحيد هو جهاز الأمن. لكن هناك المزيد والمزيد ولكن لا روادع لجهاز الأمن.

وأوردت الانتباهة على لسان والدة محمد الخاتم ما يلي:" ... واشارت الاستاذة ميمونة الى ان ضابطاً يحمل رتبة صغيرة بجهاز الامن طمأنهم على الخاتم واكد لهم مقابلته لهم وطمأنهم على صحته وقالت انها رفضت البوح باسم الضابط للجنة التحقيق عند زيارتهم لمنزلهم برئاسة اللواء عابدين الطاهر وخشيت والدة الخاتم ان يلاقي الضابط الصغير مصير ابنها واكدت ان صلتهم بذلك الضابط انقطعت تماماً بعد ان نما الى علمهم انشغاله بأحداث دارفور لكن اطرافاً اخرى اتصلت بها وطلبت منها التوجه في يوم بعينه الى السلاح الطبي لرؤية ابنها من على البعد وتعلقت ميمونة بالقشة وذهبت الى المكان المحدد ولم يأتِ الخاتم" - انتهي الاقتباس عن الانتباهة-. ولنجاري جهاز الامن ونعتبر أن ماورد أيضاً ليس كافي لتثبيت تهمة مسؤوليته المباشرة عن اختفاء محمد الخاتم، فهناك المزيد مما ورد بالانتباهة وعلى لسان والدي المختفي وشقيقه وائل.

هكذا تحكي الانتباهة "...لكن والدته ذكرت موقفاً مر بهم بعد عام من اختفاء الخاتم اكثر إدهاشاً مما سبق من احداث يملك كل فرد من افراد الاسرة الخمسة مفاتيح خاصة به وجميعهم يغادرون المنزل عند الصباح، هذا قبل ان يخصصوا حراسة للمنزل الآن وذات يوم عادت والدة الخاتم مبكراً الى المنزل ووجدت ان الباب الداخلي للمنزل مغلقاً بالطبلة من اعلى وليس من مكان  المقبض والخاتم هو الوحيد الذي يغلق الباب بذات الطريقة واكتشفت بعد دخولها البيت وجود بعض التغييرات الطفيفة وبعد التئام شمل الاسرة تناقشوا في الامر واكتشفوا ان ملابس الخاتم التي جهزتها والدته لتقدمها لمرافقيه بالسلاح الطبي قد اختفت واكتشف شقيقه وائل تغيير هيئة عربة الخاتم من الداخل وتأكد للاسرة ان هناك من دخل المنزل دون ان يحدث كسراً مما يعني انه استخدم المفاتيح التي كانت بحوزة الخاتم لحظة اختفائه لكن والدته التي تعتبر ابنها صديقها رجحت ان يكون الخاتم قد جاء المنزل برفقة اناس وانه اغلق الطبلة بطريقته الخاصة به كي يوصل لهم رسالة انه بخير". كل هذه التفاصيل لا تكفي لادانه جهاز الامن بجرم اختفاء محمد وتعمد التستر على ما حل به  لكن هناك ما يقطع الشك بأن هناك متهم واحد وواحد فقط هو جهاز الامن!!، وأن الرئيس ونائب الرئيس ورئيس المجلس الوطني يعلمون ولكن هناك شئ ما يستوجب سكوتهم بل يتطلب بلعهم للقانون قبل العشرة والاخلاق والدين!!!؟. فقد أوردت الانتباهة على لسان والدة محمد الخاتم أنها ".... انها تلقت تأكيدات من عدة اطراف ان ابنها بمباني جهاز الامن وانها ذات مرة تلقت اتصالاً هاتفياً طلب منها محدثها الحضور في اليوم التالي الى مباني جهاز الامن لكتابة تعهد ومن ثم تسلم ابنهم أيّد موسى وابنه وائل حديث الاستاذة ميمونة واكدا ان المتصل بوالدة الخاتم ذكر لها اسم ضابط برتبة العقيد وآخر معه اسمه جيمس سيقومان بإجراءات اطلاق سراح الخاتم ذهب والد الخاتم وشقيقه في الصباح الباكر الى مباني جهاز الامن وطلبا مقابلة الضابط المعني وعلموا من الاستعلامات ان جنابوا لم يأتِ بعد، هكذا افادوهم وظلوا في انتظاره حتى الواحدة ظهراً، وفي النهاية قال لهم رجل امن بالمبنى انه ليس بينهم ضابط بذاك الاسم". وهذا أبلغ من قول جهيزة التي أعجزت القانون والكبار بكل رصيد اسلامهم واخلاقهم، كما أنه لم يضع ولو هامش يقول أو حتى يبعد جهاز الأمن من هذه التهمة البشعة.

بعد كل هذا نعود فنقول أن أي تغيير لا يطال جهاز الأمن يعني أن الانقاذ لم تتغير. بل هي لن تتغير بغير تغييرات جوهرية تطال جهاز الأمن. كون قصة محمد الخاتم موسى يعقوب تفتح المجال لمتنفذي الانقاذ وعبر جهاز الامن أن يفعلوا في شعبهم وحتى المقربين لهم الافاعيل، ثم لا يبخلون عليه بحمايته بالحصانات، بل يمضوا فوق ذلك فيجوزوا له حتى تجاوز القانون. ومهما كانت اللجان التي سيكونوها فإنها لن تكون أقدر ولا اشمل تمثيلا من لجان الرئيس ونائبه ورئيس المجلس الوطني. بل أن تاريخ وتجارب اللجان معلوم فأين اللجان التي كونت لأحداث بورتسودان وكجبار!!؟، وهل سمعتم  بأن أي من القائمين عليها استقال أو حتى احتج!!؟، وهل علمتم أن أي من المشاركين في تلك المجازر قدم لمحاكمة؟.. لن يحدث هذا طالما كان جهاز الامن محصن وله حق تجاوز القانون ليس بالحصانة وحدها بل حتى باللجان التي يكونها الرئيس ونائبه!!!.

بعد وقائع ما حدث لمحمد الخاتم موسى يعقوب من أراد منكم أن يصوت في الانتخابات القادمة للرئيس البشير فليفعل فقد علم كيف سيكون جزاء صوته أذا اختلف يوماً لأي سبب مع الرئيس أو حزبه. خاصة وأن ما شهدته دارفور من عظائم استحلال دماء المسلمين وأعراضهم كما قال الافندي  وحده يكفي بتحديد موقف ومنذ الآن من مشاركة المؤتمر الوطني في قتلك بعد أن يأخذ صوتك في  تحقيق شرعية للأمن الوطني وعبر الانتخابات.

ولكن هناك شئ كبير خلف قضية محمد الخاتم!!!؟. توحي بها اشارة دكتور الافندي حين قال "... وهل بعد التعاون مع مخابرات الدول الاستكبارية والتزلف لإسرائيل من إثم يمكن أن يرتكب" – انتهي الاقتباس عن الافندي- ، وتشير إليها افادات وردت ضمن تناول الانتباهة لقضية اختفاء محمد الخاتم حيث أوردت الآتي: "... فجأة انقلب الخاتم على اخوانه بجامعة الخرطوم وبدأ يوجه انتقادات حادة للاسلاميين بالجامعة وخارجها وطفق يتحدث في اركان النقاش عن سوءاتهم وبدأت تخرج منه معلومات غاية في السرية سيما انه كان يشغل مواقع حساسة داخل التنظيم اذ تطرق الى علاقات لبعض الافراد مع وكالة المخابرات الامريكية والموساد الاسرائيلي" .

هنا مكمن القضية وخلفية الولوله وفشل اللجان. وليس بعيداً عنكم وقائع الغارات الاسرائيلية على شرق السودان، خاصة وأنها لم تكن غارة واحدة بل أكثر من ذلك. في وقت تشير فيه قيادات اسرائيلية بأنها لم تواجه مشكلة ابان ثمانينات القرن الماضي في نقل الفلاشا من السودان، وأنها لن تقابل ذلك الآن؟؟. ولكن وقت كشف الحقائق واطلاق معركة الوثائق لم يحن بعد.

 

آراء