الإحتباس السياسي يخنق الحوار
aloomar@gmail.com
الأسئلة المتلاحقة في شأن الحوار الوطني تفصح عن قلق جزع تجاه المستقبل. لدينا زخم من علامات الإستفهام العالقة ردحا من الزمن بلا أجوبة .مصدر القلق لا ينحصر فقط في ما فَرطنا من الوقت بل إزاء كم من الزمن المحتمل إهداره قبل بلوغ إجابات شافية لأسئلتنا العالقة.
لابد من الإعتراف بأننا مجتمع مأزوم مثقل بأعباء الحياة اليومية، مسكون بالخوف من الغد . أكثرنا طمأنينة يعيش في ظل المديح العالي لماضي مشبع بالسذاجة والبراءة. أفضلنا حكمة يقنع بأمثولات شعبية من خارج ظل العصر. ثقافتنا يهيمن عليها التلقين والحفظ والتكرار والمحاكاة . الإبتكار والإبداع يثيران الريبة فيواجهان بالقمع .
أبرز عناصر مراكمة التأزيم تتمثل في رهاننا على أهل السياسة بغية إيجاد مخارج لنا من مستنقع التكلس. هؤلاء إرتضوا- يا للغرابة – الدور رغم ضعف عدتهم وعتادهم . أوفر ما غنمنا منهم ليس غير ثقافة الإثرة و التسلط .
الحوار الوطني أحد أكثر الأدلة على إستحكام أزماتنا ورهاننا الخاسر. الغاية نبيلة . وجوه نيِرة احتشدت داخل القاعة. المؤتمرون جاءوا من كل فج عميق. سحنات مثل أعمارها متباينة . المنظمون - لهم الثناء- غيبوا عقولا نيرة حضورها يكسر الإحتباس السياسي بتوسيع الآفاق أمام الحوار . ما من طرف جاء متأبطا مشروعا متكاملا لحل ازماتنا المتراكمة أو المساهمة في إيجاد حلولها .
هكذا إنحصرت المداولات في الشأن السياسي. عند هؤلاء أفضل النتائج المبهرة تجسدت في "تشكيل حكومة قومية" . محور القضية عند هؤلاء مغانم السلطة و الثروة . حتى على هذا المضمار لم يكلف المتحاورون الحكومة المشتهاة ببرنامج عمل غايته سد رمق الجوعى ، إنتشال الشباب من الفاقة إعادة بنا البنى التحتية للمشاريع المعطلة . بلورة أجندة أعمال المستقبل من صميم مهام مثل هذا اللقاء . الإكتفاء بالشعارات المكرورة والمبادئ العامة لن تشكل غدا أفضل .
عند المنحنى الراهن الراهن الغوص للفرز بين دوري القطاعين العام والخاص والتنسيق بينهما أفضل جدوى للمواطن من الإستغراق في تبيان الفرق بين الحداثة والأصالة أوكيفية التوليف بينهما أو بين الزنوجة والعروبة . الشعب يصاب بخيبة الأمل تجاه الوضع العام ويديرظهره للمسرح عندما يخلو الخطاب السياسي من الأسئلة التي تشغل بال الشعب .
الحوار الوطني مقصد حيوي نبيل. نحن كلنا في حاجة الى الحوار أفرادا وجماعات . كيلا نهدر مزيدا من الوقت ينبغي غرس الحوار من المنولوغ الى الدايلوغ . نحن في حاجة ملحة لثقافة الحوار . تلك مسألة لا تخص الدولة والمعارضة فقط بل تشمل المجتمع بأسره . أحد فلاسفة الهند قال"دونما تغيير نفسك لا تستطيع تغيير العالم" .
إهمال أقطاب البحث في الإقتصاد ، الإجتماع ، الثقافة ممن نضن بتصنيفهم "مفكرون" أو"خبراء" وهم قلة أفضى بالحوار الى الإحتباس السياسي .أميركا إهتدت بخارطة طريق رسمها أربعون من طرازهؤلاء في عبورها الى العالم عقب الحرب العالمية الثانية . إصلاح حال التعليم وحده يستوجب حضورا مكثفا من أهل الإختصاص . التعليم هو الطريق الأقصر الى الخروج من مآزقنا المستفحلة على كل الجبهات . هو الدرج الآمن لصعود المجتمع ورقيه.
في غياب هؤلاء وأمثالهم لجأ المؤتمرون الى إستعادة أجوبة عتيقة مكرورة على بعض أسئلة ساخنة بعضها قديم وأخرى معاصرة. الإجابت الحاسمة تتطلب خلاصات نافذة مستقاة من مصادر فكرية متنوعة . على مائدة الحوار تتشابك الرؤى والآراء ، الخبرة مع الحكمة ، البصر والبصيرة. في مثل هذه الأجواء تتفح اكمام كفآت تعبر عن ذاتها .
نحن جميعا في حاجة ماسة للوقوف مع الذات والحوار مع النفس . القضايا لاتحل نفسها تلقائيا أو بفعل الزمن كما يعتقد البعض . نحن مطالبون بالاعتراف بما نعرف ؛ أطرنا السياسية تيبست عروقها ومفاصلها فلم تعد تواكب إيقاع الزمن . أقنية الإعلأم الفضائي تفكرنا دوما بالبون الشاسع بيننا وبين آخرين أقل منا إمكانات وأكثر منا تقدما . الحاجة أكثر الحاحا لمشروع نهوض مستنيريتضمن عقدا اجتماعيا يؤمن الحقوق في التعليم ، الصحة ،العمل بل وفي الرفاهية والسعادة .
نحن ؛ الدولة ، المعارضة والمجتمع مطالبون بإعادة قراءة شعاراتنا المرفوعة بل سك شعارات حديثة بمضامين عصرية. ما معنى "مشروع حضاري " لا يؤمن للمواطن كرامة في وطنه! كيف يحظى مثل هذا المواطن باحترام شعوب أخرى ! ما من دولة لا ينعم شعبها باحترام جيرانها تملك القدرة على التأثير في محيطها الإقليمي . ضيق الأفق يقيد القدرة أمام الحركة. ضيقنا واسعا فأهدرنا فرصا. لم نستوعب درس التاريخ . لاتزال الفرص بأيدينا مادام في الوقت بقية.