الإسقاط الثالث قادم … فماذا نحن فاعلون؟

 


 

 

الإسقاط الأول رمى بصنم الدكتاتور البشير على الأرض، والإسقاط الثاني عصف بابن عوف قبل أن يكمل يومه الأول، أما الثالث فسوف يقذف بالبرهان ورفاقه الإنقلابيين على قارعة طريق الثورة الظافرة، الذين تفرقوا أيادي سبأ، فأحدهم هرب غرباً وآخر تحجج بالحج وثالث احتمى بالحدود الشرقية ورابع لاذ بالفرار إلى الجار الشمالي، هذا التفرق لابد وأن يكون له ما بعده حينما تحين لحظة إجهاز الثوار على آخر فرد من فلول الإنقلاب، هكذا يكون غضب الخرطوم عندما يغلي مرجلها وتتفجّر أرضها ويحمر لهيب جمرها الحارق، هذه المدينة ذات التاريخ الثوري الممتد لنحو قرن أو يزيد، دائماً ما تهوي أصنام قصر حاكمها العام وهي آمنة مطمئنة، وواثقة بهدوءها المزدان بخرير مياه النيلين وظلال أشجار اللبخ، وحينما تهب ريح صرصرها العاتية لا يستطيع كائن من كان التنبوء بمآلات عاصفتها، فعندما دخل الثوار الأوائل على غردون باشا بنفس القصر المطل على ضفاف الأزرق الدفّاق القادمة أمواجه من الهضبة الأثيوبية، لم يكن الضابط الانجليزي قد فقد رباطة جأشه وقتها، وهو الذي أرعب مستعمرات الامبراطورية العظمى بآسيا القصوى، لا أحد يعلم متى ينفجر بركان هذا الشعب الثائر، لقد تفاجأ الفريق إبراهيم عبود بطوفانه ذات مرة، وكان حكيماً عندما سأل من حوله، ما الذي يريده شعبي؟، فجاءه الرد من وزراءه: إنّ شعبك يطلب رحيلك، لم يعترض، وأدلى بكلمات دونها التاريخ (فليكن لهم ما أرادوا)، أو كما قال.
الإساقط الثالث واقع لا محالة، فماذا نحن فاعلون؟، ولنا تجربة ما بعد الإسقاطين السابقين، تلك التجربة المرُّة التي أتت بمن لا علاقة لهم بالثورة إلى سدة الحكم، ففشلوا في محاكمة مدبري جريمة انقلاب الثلاثين من يونيو، وأخفقوا في استرداد المال المنهوب والمجنّب من رموز الحزب (البائد)، وخانوا دماء شهداء مجزرة ميدان اعتصام باب القيادة العامة، فأتوا بلجنة تحقيق وتقصي رأسَها من لا صلة تجمعه بالثورة، فخضع بكل ذل لموجهات العسكريين المسيطرين على المشهدين، وبعد إنجاز مهمة الإسقاط الثالث لا يجب أن تتكرر الوجوه التي عجزت عن استكمال الأركان الثلاثة لمشروع الثورة – الحرية والسلام والعدالة، وبعد الإنفكاك من ربقة الطغمة الانتهازية الحاكمة الآن بعسكرها ومدنييها، على الحكومة المدنية القادمة إطلاق الحريات الصحفية والإعلامية وإعادة هيئة الإذاعة والتلفويون المختطفة الى حضن الثورة، والشروع في عقد مؤتمر جامع مهمته جمع قادة الفصائل المسلحة دون فرز، وإنهاء فوضى تكاثر الحركات الأميبية المتوالدة والمتناسخة كل يوم، والوصول لسلام حقيقي يعيد النازحين واللاجئين إلى قراهم، ويؤسس لمشاريع تنموية حقيقية تنتظم المناطق المتأثرة بالحرب، وحسم ظاهرة الارتزاق والتكسب من وراء القضايا الإنسانية التي يعانيها أبناء شعبنا المنهك بالحروب، فلا استمرار لأي منظومة حكم انتقالي إذا لم تحفظ تماسك الركائز الثلاث التي يرتكز عليها بنيان الثورة والحكومة والدولة.
الإسقاط الثالث أمسى قاب قوسين أو أدنى من الحدوث، ونعود لنكرر المحاذير والمخاوف والإحباطات التي صاحبت ممارسات الطغاة الجدد (خلفاء وحلفاء الدكتاتور المباد)، فلا مساومة في قيادة الحكم المدني لدفة مؤسسات الدولة، ولا تنازل عن القصاص وإعمال سيف العدل في رقاب مرتكبي الجرائم قديمها وحديثها، فالبلاد يصعب فيها استخدام آلية الحقيقة والمصالحة التي طبّقت على رواندا وجنوب إفريقيا، لكون جرائم ما قبل وما بعد إسقاط رأس (النظام البائد) هي جرائم يغلب عليها طابع الحق الخاص، أكثر من كونها جرائم عامة، لذا لا يمكن أن تقنع أسر شهداء كجبار وبورتسودان ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، بأن يتصالحوا مع القتلة والمجرمين القابعين في سجن كوبر والآخرين الهاربين خارج البلاد، فبرغم تناولنا لمقترح اقتباس منهاج آلية الحقيقة والمصالحة بطريقة ايجابية فيما سبق، إلّا أن تراكم الغبن والأسى في النفوس لأعداد مهولة من الأمهات والشيوخ جراء فقدان فلذات الأكباد، لا يمكن أن تحله طريقة هذه الآلية الطوباوية، فتعقيدات جرائم السودان أكبر من مآسي رواندا وجنوب إفريقيا، ولن تكون الحقبة التي سوف تعقب الإسقاط الثالث نزهة ولا جولة ولا صولة من الصولات الشوفونية، ولا رحلة من رحلات االتأنّق والترف، فهذه المرة لن يشفع للمجرمين هروبهم من وقع حوافر خيول الثوار، وأينما ذهبوا سوف تلاحقهم أصوات رعود حوافر هذه الحصن الأصيلة.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
6 يوليو 2022
//////////////////////

 

آراء