الإيمان والجنون: الجزء (2): من منا شريك أصيل في الحروب المقدسة؟

 


 

 

 

طبعاً الرد سيكون واضح، وسيكون: لست أنا... قد تكون انت – بس مش أنا.. هه، اليس كذلك؟

لكن لدهشة القارئ، ليس الرد سهلاً، لأن أغلبنا شريك أصيل في حروبٍ مقدسة ولا ندري

المؤمن يعلم جيداً أن صدق الإيمان يشكك إن كان الفرد يداوم على تحكيم ضميره أم أنه ينافق ويسير خلف جشعه وخيلائه وليس في خلقنا الإسلامي أخطر وأشر من النفاق، كذلك لدى كل الكتابيين بما أصبغت عليهم من خلق دياناتُهم الأصيلة، والتي هي أساساً الإسلام
وقد يكون من الأفضل لك هنا أن تختبر نفسك، متذكراً أن القابض على دينه كالقابض على الجمر:
هل تحريت أنت التشريعات التي تسمعها تبرر القتل والرجم في الإسلام، وهو أشنع مايقوم به بشر، هل تؤيد ذلك أو بعضاً منه قبل أن تراجع آيات الله البينات؟ هذه الآيات أساساً لا يحوز أن تتضارب مع أمره تعالى بعدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؟ هل تجد ترخيص بالقتل من عندالله إلا في حالة الدفاع عن النفس وعن العقيدة (حريتك في عبادتك وليس في علاقتك وعلاقة غيرك، فتلك سياسة وليست عقيدة) أو تجد رخصة القصاص التي خص بها المولى عز وجل أولياء دم القتيل، للقصاص من القاتل وليس من غيره من أهله أو قبيلته، أي حتى لا تتسبب في مقاتلات وانتقامات تهدر دماء كثيرة كما كان في عهود العرب القديمة، قوله تعالى "ولكم في القصاص حياةٌ ياأولي الألباب"
هل تحريت إن كان قتل المرتد فعلٌ غير شرعي، ورجم الزاني والزانية أو قتلهما غير شرعي، وقتل الكافر غير شرعي، وحتى عقوبة الإعدام من غير أمر صاحب الرخصة وهو ولي الدم، غير شرعي؟
هل تعلم بنفس عدم دقتك وبإباحتك دماء الغير لغير نص إلهي، ولو لنصوصٍ أخرى، وتخالف الأخلاق الكونية الواضحة التي تتطلب السلم والسماحة والعقلانية، وهي من أكثر المزايا التي أتي بها دين الإسلام، تكون قد بررت للمتطرفين من الأديان الأخرى والذين تعرف أنهم حوروها وتنكر تحويرك لدينك، تماماً مثلما يفعلون هم ويعتقدون، أنه بذلك تكون شريكاً أصيل في الحروب المقدسة؟

في العصر الحديث، عصر حوارات السلام وقراعات الحجة في مفاضلات النظريات الإقتصادية لرفع مستوى معاش البشر وعدالة التوزيع وإزالة البؤس والإستعباد، و في عصر محاربة الأمراض والأوبئة وسوء التغذية، و في عصر التطور العلمي لسبر أسرار تدهور البيئة وعلاجها لحمايتها والحفاظ عليها، وفي أطروحات المصالحة والسلام والإنصاف والعقلانية في حل الخلافات ، وفي إشراقة إكرام الإنسان بتجريم التفرقة العنصرية والدينية والعرقية، وإكرامه بحماية الطفولة وردع مستغليها، والدفاع عن الضعفاء من العجزة والمعوقين والأسرى والبسطاء
خفتت أبواق الحرب المقدسة وطبولها، نعم خفتت لكنها كانت تئنُّ
وأخرى كانت تُقرع داويةً، ولكن في الخفاء
في ذا العصر بدأت السحب تنقشع من السماء بعد حلكة ظلامٍ مريرة المذاق، بعد أن ملأ الإنسان مائدته بأطباق شره وجنونه بالاستعمار والنهب، وبالعبودية وحروب الإبادة الذرية ومعسكرات الإبادة العرقية، كان الأمل بارقاً، فقد شرعت البشرية في العمل على الحد من شرورها التي ما فاقتها شرور وما كان ليوجد بصيص أمل للحد منها، فقد كان وقودها جشع الإنسان، وكان تمكين كبح ذلك الجشع والإلتزام بكبحه ومراقبته أكبر إنتصارٍ لتطلع البشرية نحو آفاق تعايش سلمي رحب، في عصر حركة التنوير الفلسفية، وأبرز مفكريها "إيمانويل كانت" والذي أوضح الفروقات بين السياسة والمبادئ وطرق المزاوجة بينها، والتي تمخضت عن مولد عصبة الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان والمحكمة الدولية والانفراج وترسيم الحدود
لم تتوقف نفحات رياح الحروب المقدسة التي تعتبر من أفلح معاويل التسلط، لم تتوقف نفحاتها في غياب أومن وراء الديانات السماوية، حينما كان الكهنة يتسلطون بحكم تلك الأمارة في عقائد العامة، وإدراج الحكام فيها كشركاء أصيلين، فتشتد هبوباً وعواصف متواصلة لا تتوقف، تستعبد الإنسان وتؤله السلطان، ثم من بعد هبوط وحي الديانات السماوية، كانت نزعات الحروب الدينية تستيقظ عند كل وهن في الضمائر وكل نكسة عقائدية، تستيقظ من سباتها العميق في حضانتها المتمثلة في شهوة التسلط في قلوب البشر، والذين وصفهم الرحمن عز وجل بالهلع "خلق الإنسان هلوعاً"، فتهبُّ ثم تتعاصف جذوتها مع تداعي حقب تلك الرسالات السماوية (لكنها أيضاً تواصلت في الإسلام عند تشويهه وليس تداعيه، فهو دين الختام)
بعضها يئن خافتاً كما ذكرنا سابقاً، ثم ما فتئت أن هبّت عواصف الحروب المقدسة واحتدمت، وتصاعد احتدامها، ليس من ضعف العقيدة في النفوس، إنما لتشوهها من خلال إنتصار نزوة حب التسلط والتمتع بريع الغير، من فين لآخر في ماسمي بالحروبات الإسلامية في الحقبة الأموية والحقبة العباسية ولاحقاُ في الحقبة العثمانية
فرغم قصة سمرقند عندما شكا يهودي ونصره القاضي بأن غزو المسلمين لسمرقند لنشر الإسلام مخالف لأمر الله تعالى أن "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل 125]، مما جعله يأمرهم بالخروج وليستقبلوا وفد سمرقند خارج المدينة إذا يختارون الدعوة والدخول في الإسلام حتى يدخل المسلمون سمرقند
رغم تلك التجربة الفريدة، لم تجد نزاهة الرسالة إستجابةً لدى كبح رغبات الغزو عند المسلمين، حتى وصلوا ذروة مجد السلطة في غزو الأندلس، وبدأوا يحصدون نتاج أخطائهم لما أعدموا نصارى قرطاجة الذين دخلوا الإسلام ثم تركوه، وصاروا في تأريخ المسيحيين شهداء قرطاجة، من وحي إبتداعهم حروب الردة، على أساس أن الردة – الإرتداد من دين الإسلام – جريمة توجب القتل، والله عز وجل والذي حرم قتل النفس إلا بالحق، والحق هو الدفاع أو رخصة أخرى لأهل الدم في القصاص، لم يبح ذلك، وكانت قراءة خاطئة في تفسير حروب الردة التي قادها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ليس لخروج قومٍ من الإسلام، إنما لتمردهم ومحاولتهم استرداد نسائهم المسلمين ورد أموال الزكاة وتخريب الدولة، فأباح مشرعوها خطأً فيما بعد دماء من كان مصيره في ارتداده هو بيد الله تعالى وحده "إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم" صدق الله العقظيم، مما جعلهم كوحوشٍ ضارية تستبيح الدماء والسبي فقط للحصول على قبولٍ لا تأتي به هذه الأفعال الوحشية وليس قضاؤه بيدهم، وكانت جذوة الحرب التي أخرجتهم من الأندلس ورمزاً للإحتفال حتى اليوم في إسبانيا بيوم طرد المستعمر المسلم، وهكذا يتبين أن مصدر فخر المسلمين في فتح بلاد العجم والإزدهار الذي أصابوه في الأندلس كأحسن مثال، أو في عصر الخلافة العثمانية لم يكن لنشر الإسلام أكثر منه لنهب الشعوب وسبي النساء، ولاندري من دخل الإسلام أو دفع الجزية صاغراً بفعلها، أفعل ذلك خوفاً أو إيماناً؟ لأننا نوقن أن علم ذلك لدى الله وحده، وبذا كان الفخر فخراً دنيوياً بالمكاسب والمتعة، وفي بلاد العجم هذه انتشر الإسلام أكثر وأقوى في العصر الحديث بالقناعة والمثال الطيب، أكثر من انتشاره بالسيف في حقب الدول الإسلامية، بل بالعكس كان العراك والقتال قد إنتشر داخل الدولة الإسلامية أكثر منه في القتال لنشر الإسلام، بسبب اندلاع شهوة السلطة للحكم، وما حروب الشيعة والسنة ببعيدةٍ عن الإدراك حتى يومنا هذا، حتى صارت معاملاً لاقتتال المسلمين يستغله ألأعداء لهلاك المسلمين حتى يومنا هذا
وهي نفس الداء الذي أصاب اهل الكتاب من الديانات المسيحية واليهودية، شهوة السلطة ونزعة نهب ريع الآخرين كما ذكرنا آنفاً كما يحدث في ايرلندا الشمالية ومن جيش الرب في يوغندا
لكن ظهر داءٌ جديد من أهل الكتاب غير معالم تلك الرياح الخافتة
عندما تجمع فرسان الحروب الصليبية في شهوةٍ كبرى لتحرير الأرض المقدسة في المقدس، ليس لنشر ديانتهم، فهي كانت موجودة ولم يمنع الإسلام ممارستها لمن يدين بها، ليس للدين إنما لمصالح أخرى لم تبن إلا بعد ما مرق هؤلاء الفرسان من إمرة البابا وأخذوا الأمر في أيديهم، فقتّلوا ونهبوا وعاثوا فساداً حتى تبرّأ منهم البابا، وهذا حسب رواية أهل الكتاب أنفسهم
تصالحت الأديان في العصر الحديث ضمن المصالحات الأخرى والإصلاحات التي وصلت لها قناعة العالم
وكنا ذكرنا أن بعضاً من رياح الحرب المقدسة كان خافتاً، وأن بعضها كان يضج ولكن في الخفاء
هذا هو البعض الذي يضج والذي لم تمحه المصالحات العقائدية للأديان، لأن فرسان الحروب الصليبية كانت لهم أجندة مختلفة من أجندة عقيدتهم وبثّوها سماً يضج ولكنه خفي، في نفوس الكثيرين من أتباعهم، ليس كلهم ولا حتى جزءاً ملموساً منهم، لكن كان أخطرهم وهم الأفنجلكيين (جماعة المبشرين) الذين هاجروا من أوروبا إلى أمريكا عند اكتشافها وأقاموا أكبر تجمعٍ أصبح مستنقعاً لدعاة الحروب الدينية بعد تغيير نهجهم إلى ال"نيوأفانجلكانز" (جماعة المبشرين الجدد)
ومثل ذلك الداء بدأ يصيب نفوس معتنقي الديانات الإسلامية واليهودية، في رد فعلٍ إما بالهجوم كونه أفضل وسيلة للدفاع (كما في حالة المسلمين) فبدأ يبين التطرف والانحراف من جادة الإسلام المسالم ونحو نزعة الإنتقام وعدم التسليم لأمر الله تعالى، بينما في رد فعلٍ آخر خطف الإستراتيجية لتفعيلها لمصلحتهم بدلاً من محاربتها (وذلك في حالة اليهود) والذين كان أبرز شاهد على ذلك تحول المجتمع الأمريكي من معاداة اليهود واضطهادهم إلى التحالف معهم، وذلك في عصر الرئيس سئ الذكر "ترومان" فترعرعت اليهودية السياسية وهي الصهيونية، ونجد هذه الأستراتيجية قد اقتبسها منهم رواد الصحوة الإسلامية ومثالهم هو جماعة الإنقاذ في السودان، الذين نهبوا ثروة البلاد وسخروها لمصلحة الحروب الدينية وسياسة التمكين لروادها، وهي السرقة أو الحكم باللصوصية
أصبحت أمريكا أقوى دول العالم، والأفانجلكيين الجدد تخللوا السلطة السياسية والسلطة المالية فيها، ولما وجد المسلمون عداوة صليبية من الصليبيين الذين كانوا يضجون في الخفاء في الأفانجلكيين الأمريكيين الجدد، وشاهدوا الصهاينة رواداً لتلك السياسة المتمردة على المبادئ والخلق الديني، تحرك بعض الساخطين من المسلمين لانتهاج نفس النمط السلطوي السياسي ولبدأ التسييس الديني في الإسلام
شقّت تلك الإستراتيجية الجديدة تنظيم خلقي ديني مثقف، جماعة الإخوان المسلمين بمصر والذي تمخض وسط المسلمين من عيوب الإمبراطوريات الإسلامية، خاصةً العثمانية، من أجل تصحيحها، وذلك بالتحالف مع الضباط الأحرار في الجيش المصري لإزالة حكم الملك فاروق، آخر آثار الخلافة العثمانية كإصلاحٍ ديني، وحدث الإنشقاق بعدما تدخل الإخوان بخلط الدين بالسياسة التي كان يديرها جمال عبد الناصر الذي كان محسوباً معهم، ويفترض فيه حسب مبادئهم أن يكون موثوقاً به من ناحية صلاحه، على ألا يوجهونه سياسياً بحكم انها ليست مبتغاهم، حتى تحول ولوجهم السياسة إلى صدامٍ سجن فيه سيد قطب، والذي بموجبه بدأ ينادي بمحاربة اعداء التسييس، في خلافٍ مع المرشد الشيخ حسن الهضيبي والذي يرى أن دورهم هو خيري فقط لنشر الخير، وليس سياسي، وألف مع إبنه مأمون كتاب "دعاة لا قضاة"، ولكن سيد قطب استقطب كثيراً للتطرف الذي دعا إليه، وكوّنت الجماعات المنشقة منظمة 1965 المتطرفة التي رفضت الوقوف مع عبدالناصر (الكافر) في حرب فلسطين، ولكن لما كانت الكارثة سنة 1967 بهزيمة عبدالناصر وتوسع إسرائيل، ومع تنشيط الفتنة بواسطة المبشرين الأفانجاليكانز في جنوب السودان، قدحت شعلة الحرب الدينية لهم وعندها إنبرى الإخوان جناح قطب بالتكتل في جماعات جهادية (سياسية دينية)

حتى الآن كان صوت العقلانيين من جميع الأديان واللادينيين ماعدا المسلمين ، من الذين يرفضون الدين السياسي، هو الصوت المسموع من الذين يلتزمون برفض التحرش القدسي والتأويل الذي يؤدي إلى ذلك، فنجد كثيراً من المسلمين تجاوبوا تأييداً لهجمة 11 ستبمبر 2001، نعم كان بوش وبلير غير مبرئين من نزعة الحرب المقدسة، وذلك إن لم يكونوا ينوونها، ولكن لا يجعل ذلك المسلمين الصادقين في إسلامهم قبول الإنجراف بتلك الوسيلة الإنتقامية لحربٍ مقدسة أو تأييدها، والنزاع الفلسطيني لمن يدرسه تأريخياً هو نزاع سياسي ليس إلا وحدوثه لم يكن مدبراً كما يحب دعاة الحروب الدينية تصويره، فقد كان ضمن كمياتٍ ضخمة من التسويات للشعوب التي وجدت نفسها فجأةً أقليات في الدول الجديدة التي تم ترسيمها فور تفكيك الإمبراطوريات التي كانت قائمة، وكانت مهمة قاسية وكانت عشرات الأقليات تطالب بحلولٍ في وقتٍ كان ترسيم الحدود مغامرة كبيرة قد تجعل الأقليات تتمرد على الترسيم ويفشل مسعى منع الحروب التوسعية ويطفئ أمل التعايش السلمي، وعصبة الأمم المتحدة دورها وساطي أكثر منه شرطي
إن محبي الخير والسلام، ومن هدى الله أول من يكون رائداً لهم، يجب أن يدركوا أن ذلك الإنجاز الذي أتت به حركة التنوير الفلسفية من ترسيم حدود وعصبة أمم متحدة وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، هو نعمة هدى الله تعالى قلوب العباد بها ومكّن من حدوثها وأن عدم مساندتها تقود إلى تقويضها وينطبق على مقوضيها قوله تعالى في سورة النحل " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون" صدق الله العظيم
اليوم، وفي أعقاب ماتقوم به جماعة دعش من ترهيب أزعج الدول الغربية في كون كثيرٌ من أفرادها مواطنين من دولها، أزعجني أن أرى دافيد كاميرو رئيس الوزراء البريطاني وأوباما الرئيس الأمريكي بأن قاموا فقط بإدانة الأمر والتهديد والوعيد، وما لبثوا أن رجعوا لعطلتهم الصيفية، ولما تحرى رجال الصحافة لماذا، كان الرد بأن معهم مجالسهم وفي إتصال دائم لمتابعة الموقف
كشف ذلك لدىّ مدى تهاون هذه الدول في هذا الخطر المحدق، وانحصارهم في العلاج بالقوة والحرب، وهو بالضبط ما دعاهم له هؤلاء المتطرفين، والذين لسخرية القدر، إشتد بأسهم بسبب نفس الأسلحة التي توزعها تلك الدول لإشعال الحروب هناك بالوكالة، فإذا بها ينقلب السحر على الساحر
في هذا التصرف إما أن يكون الرئيس من دعاة التسييس الديني، وأعلم أن أوباما ليس كذلك، ولا أدري الكثير عن كاميرون، ولكني لاأجد ما يبين أنه من دعاة التسييس الديني، أو يكون من داء اللامبالاة لدى المعتدلين مثلنا تماماً. ك ان أولى بهؤلاء الرؤساء قلب كل الأوضاع لتصحيح المرض الخطير الذي استشرى في مجتمعاتهم دون تخطيطٍ سليم، فبقدر ما استوعبوا في مجتمعهم كميات هائلة من المسلمين وتمازجوا معهم، لم تسعفهم الحكمة لتحسين نسج تلك الجماعة، وأن يتذكروا أن هؤلاء انعزلوا من مجتمعاتهم المسلمة الأولى، فإذا لم يفتح لهم المجال للبحث والتصحيح ثم الترويج لتطور فهمهم للقبول بالأخلاقيات الكونية وأنها حقيقةً من صميم الإسلام، سيضطر هؤلاء للجوء لمراشدهم الأولى دون تنقيح أو هداية عقلانية، وهنا يجد دعاة التطرف الديني ضالتهم في غسل الأمخاخ وتشويه العقيدة، ويتقبلها هؤلاء لأنها كل مالديهم، ولامجال لهم للبحث فيها
كذلك شاهدت على التلفاز الإنجليزي في برنامج "هارد توك" أو (المواجهة)، والتي يقدمها المذيع "إستيفن سكّور"، مقابلة مع الأسقف القبطي المصري "آنجلوس"، فيها حوار حول موقف دعش ومشكلة الحرب الجهادية في مصر، وكان الأسقف حريصاً جداً وموضوعياً في تسمية الأشياء بمسمياتها، وكانت دهشتي هي في المذيع سكّور، والذي رغم أني أشهد له بعقلانية وقوة حجة ممتازة، إلا أنه في وحل هذا الموضوع الخداع نازعته الحمية المسيحية وظل يسأل الأسقف كيف يقبل التعامل مع حكومة مثل حكومة السيسي الإنقلابي وأن ذلك ضد الديمقراطية التي يدين بها الأسقف، وقد فات عليه أن الموضوع أدق من ذلك، وأن الديمقراطية التي لا تسير بنهج وعلى مؤسسات ديمقراطية ليست ديمقراطية، وإزالتها ليست إنقلاباً، وقد بيّن له الأسقف أن الإنقلاب أبسط تفسير له هو اغتصاب الجيس للسلطة ثم تسليمها للجيش، ولكن السيسي لم يفعل ذلك، درس من أسقف لصحفي! وكيف لاينادي البابا للتحرك لحماية المسيحيين، والبابا هو الذي نصح بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق بعدم الدخول في حرب مع العراق حتى لا تُنكأ جراح الحروب الصليبية الماضية وهي لا زالت ملتهبة! وباختصار كان في انفعالٍ شديد حول حماية المسيحيين أو جلبهم لدول الغرب لحمايتهم، مماذكرني بما قام به هؤلاء في تشجيع هجرة الأقباط من السودان للدول الغربية في فترة هذه الحكومة، بحجة الإضطهاد الديني، في حين أن الأقباط كانت علاقتهم طيبة مع السودانيين، وماأصاب الأقباط والجنوبيين من مسيحيين أو وثنيين من قهر سياسي ديني هو نفس ما أصاب المسلمين الذين يدينون بعدم تسييس الإسلام
هكذا يتبين كم هو سهل الوقوع في حمية النزاعات السياسية الدينية بحكم الغيرة على الدين، ومالم يدقق الفرد في ماهية الدين أنه عبادة لله تعالى ونقاء للنفس وثبات، وليس طقوس وحميات قبلية، فإنه قطعاً سيقع شريكاً أصيلاً في الحروب المقدسة
ورغم ذلك إذا التقتك جماعة دعش فسيهدرون دمك، فشراكتك تلك لا يدركونها مثلما أنت لا تدركها، ومن يريد أن يجرب بنفسه فليذهب إليهم: ومالم تقاتل معهم – أي تؤيد أولاً برنامجهم السياسي ذاك – فسيكون مصيرك القتل
ولكن إذا التقاك المتطرفون من الأديان الأخرى فسيهدرون دمك لأنهم يدركون أنك شريك، لأنك لم تنكرها، ولا زلت أنت لا تدركها

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
/////////////

 

آراء