الاتفاق حول النفط حلقة جديدة في أزمة النظام

 


 

 



تم اتفاق النفط بين حكومتي شمال وجنوب السودان تحت ضغط المجتمع الدولي ( قرار مجلس الأمن رقم 2046)، والاوضاع الاقتصادية المتدهورة للدولتين ، وهناك اختلاف بين الدولتين حول تفسير الاتفاق: فحكومة الشمال تري أن الاتفاق حول رسوم العبور 25,88 دولار للبرميل. وحكومة الجنوب تري أن الاتفاق تمّ علي 11 دولار كرسوم عبور للبرميل ( تشمل كل شئ بما في ذلك رسوم النقل والميناء والحراسة والتكرار والمعالجة)، ووافقت حكومة الجنوب علي منح حكومة الشمال مساعدات تبلغ 3,2 مليار دولار علي مدي ثلاث سنوات علي أن تخصم بمعدل 14,88 دولار من كل برميل. فحكومة الشمال اضافت رسوم العبور 11 دولار الي 14,88 دولار ليكون الناتج 25,88 دولار. وكلا الحكومتين تحاول أن تبرر لنفسها أنها لم تقدم تنازلات كبيرة، وهناك انتقادات لحكومة الجنوب بموافقتها علي منحة 3.2 مليار دولار وموافقتها علي رسوم عبور أعلي من المتعارف عليها عالميا، وتري حكومة الجنوب أن الاتفاق محكوم بفترة ثلاث سنوات ريثما تتمكن من انشاء خط الانابيب الذي يمر عبر ميناء ممبسا بكينيا.
هذ ويحتاج الاتفاق لاستكمال باتفاقات اضافية حول القضايا الأمنية والمناطق المتنازع عليها والوضع النهائي لمنطقة ابيي والجنسية والمواطنة..الخ. وهناك عقبات تواجه الاتفاق مثل: قرار المؤتمر الوطني عدم التوقيع علي الاتفاق النفطي اذا لم توافق حكومة الجنوب علي قفل الملف الأمني بشروط السودان وهي: طرد قوات حركات دارفور من الجنوب ، ونزع سلاح قوات الحركة الشعبية الشمالية، وسحب اي قوات لها من دولة السودان. وفتح ممرات الاغاثة بشرط استلام حكومة السودان لها وتوزيعها. والجدير بالذكر أن الاتحاد الافريقي اعطي الطرفين مهلة شهرين تنتهي في السبت 22/ 9/ 2012م.
ورغم الجانب الايجابي في الوصول الي اتفاق وضرورة استكماله بما يحقق السلام ووقف الحرب بين الدولتين، الا أن التجارب المريرة مع نظام الانقاذ في نقض العهود والمواثيق لاتزال ماثلة، وطبيعة السلطة في الشمال التي لاتستجيب لتطلعات الجماهير الكادحة وتوفير احتياجاتها في توفير خدمات ومجانية العلاج والتعليم ورفع الغلاء وتحسين الأحوال المعيشية مازالت قائمة. فالتجربة اكدت ان نظام الانقاذ قبل انفصال الجنوب بدد عائدات النفط في الفساد والصرف البذخي والثراء الطفيلي ، ولم تذهب جزء من عائدات البترول التي تقدر ب 70 مليار دولار الي دعم القطاعين الزراعي والصناعي والتعليم والصحة والتنمية. ولايتوقع المواطنون بعد توقيع اتفاق النفط وسريان مفعوله أن تتحسن الاوضاع الاقتصادية بسبب سياسات النظام الذي تشكل ميزانية الأمن والقطاع السيادي 75% من جملة الموازنة، وبالتالي سوف يتم تبديد عائدات النفط في الفساد والصرف البذخي والأمني ولن تتحسن حياة المواطن السوداني، خذ مثلا: ميزانية الأمن للعام 2012م والتي تقدر ب 1 مليار و500 مليون جنية، فانها تفوق مخصصات التعليم(400 مليون جنية)، والصناعة(100 مليون جنية)، والصحة ( 500 مليون جنية) جميعا.
وبالتالي لايتوقع المواطن السوداني تحسنا في اوضاعه المعيشية في ظل هذه الاوضاع المختلة في موازنات النظام التي تزيد الجماهير الكادحة فقرا والأغنياء غني وثراء فاحش.
وبالتالي من المهم أن تطرح الحركة السياسية المعارضة ضرورة أن تخصص مبلغ ال 3,2 مليار دولار لدعم السلع الأساسية وخدمات التعليم والصحة وخدمات الكهرباء والمياه..الخ، بدلا من تبديدها في الحروب والفساد والنهب الطفيلي الاسلاموي.
هذا اضافة لتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والارتفاع المستمر في الاسعار، وبلغ معدل التضخم 47%. والاستمرار في سياسة القمع الوحشي كما حدث في اطلاق النار في المظاهرات السلمية علي الطلاب في مدينة نيالا والذي ادي الي مقتل 12 مواطنا وجرح اكثر من 80 شخصا ، والقمع الوحشي للمظاهرات السلمية في رهيد البردي. وحملة النظام الدموية علي اهالي كتم ونازحي معسكر كساب من قتل وترويع وسلب كرد فعل اهوج علي مقتل معتمد الواحة عبد الرحمن محمد عيسي، في انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي، وكانت النتيجة نزوح 25 الف بسبب اعمال العنف ومقتل اكثر من 21 شخصا واصابة 600 آخرون، فيما اصبح نحو 1000 من المفقودين، هي جرائم خطيرة انتهكت القانون الدولي الانساني ومواصلة لنهج التطهير العرقي، ونهب منازل النازحين الي جانب الاسواق والمحلات التجارية.
هذا اضافة لعجز النظام عن تقديم ابسط الخدمات للمواطنين كما يحدث الآن في العاصمة بسبب الفشل المستمر في الاستعداد لموسم الامطار، فالعاصمة الآن بها برك آسنة تؤثر علي صحة البيئة، اضافة الي اضراب عمال النظافة في الايام الماضية، حيث تجد الاوساخ والقاذورات في الشوارع التي تفوح منها الروائح النتنة والتي تشكل تربة خصبة لتولد الذباب مما يعني المزيد من أمراض الدوسنتاريا والتايفويد ، وحكومة ولاية الخرطوم بكل الجبايات والأموال التي تجنيها من المواطنين عاجزة عن مواجهة هذه الكارثة البيئية، اضافة لخطورة الفيضانات وارتفاع مناسيب النيل والتي فاقت مناسيب فيضان 1988م، علي سبيل المثال في الخرطوم سجل 16,33 متر بينما كان في العام 1988م 15,76 متر، فاين الاستعداد وحالة الطوارئ لمواجهة هذه الكوارث؟.
هذا اضافة لعدم استعداد الحكومة لمواجهة آثار السيول والفيضانات التي كانت متوقعة في مناطق نهر عطبرة وخشم القربة وكسلا والتي ادت الي انهيار الاف المنازل وتشريد الأسر التي باتت في العراء بلا مأوي أو غذاء او دواء، مما يتطلب حملة واسعة لتقديم المساعدات لهؤلاء المنكوبين.
كما يستمر تفاقم أزمة الحريات ومصادرة الصحف مثل صحيفة " الميدان" واستمرار الاعتقال التحفظي بدون محاكمات والتعذيب الوحشي للمعتقلين، وانكار وجود معتقلين رغم أنه مازالت هناك اعداد كبيرة من المعتقلين لم يتم اطلاق سراحهم، والمطلوب اوسع حملة لاطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، فضلا عن القمع الوحشي للمظاهرات والوقفات الاحتجاجية السلمية بالرصاص المطاطي والحي والغاز المسيل للدموع، واستخدام مليشيات المؤتمر الوطني " الرباطة" المسلحين بالسيخ والمدي والسواطير وغيرها من الاسلحة البيضاء والنارية في فض المظاهرات والتجمعات السلمية كما حدث في جريمة الهجوم علي الافطار السنوي بدار المحامين بالخرطوم الذي دعا له التحالف الديمقراطي للمحامين.
وفي كل يوم تتأكد حقيقة أن الحل الشامل لقضايا البلاد لايمكن أن يتم الا باسقاط النظام الذي يفتح الطريق للتحول الديمقراطي، وتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، والحل الشامل والعادل لمناطق دارفور وجنوبي النيل الأزرق وكردفان وابيي وحل القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان ( النفط، الحدود، المواطنة، الجنسية،..الخ) لمصلحة الشعبين وترسيخ السلام وحسن الجوار.     
alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء