الاحتجاج على طريقة غاندي

 


 

منى عبد الفتاح
19 September, 2011

 

كيف لا

بدأ الاحتجاج بالإضراب عن الطعام في الهند وذلك منذ زمان سحيق ، إلا أنه في التاريخ الحديث نفذه المهاتما غاندي واتبعه بعض المحتجين من شعوب العالم من أجل تحقيق مطالب معينة أو عدم رضا بوضع سياسي ما. لكي يضرب شخص ما عن الطعام لا بد له من اتباع الأسلوب الأمثل وهو أسلوب المهاتما غاندي في احتجاجه ضد بريطانيا من أجل نيل الحرية . وقد قام غاندي بالاحتجاج بهذه الوسيلة نحو 30 مرة في حياته، نجحت في تحقيق الحرية لشعب بلاده.
ولكن ليس بالضرورة أن ما ينجح في الهند من وسائل احتجاجية أن ينجح في السودان . ولم أستغرب عزوف الناشطين والمناضلين السودانيين من المنادين بالحرية وإحقاق العدل وإبطال الباطل ، عن اتباع نهج غاندي في الاحتجاج . وسوى اللفتات القليلة التي طبقها سودانيون في الخارج مثل احتجاج السودانيين إثر حادثة لبنان الشهيرة ، ومن بعض السجناء السودانيين في مصر العام الماضي ولكن دون أن تسفر هذه الإحتجاجات عن مصالح تُذكر . أما في الداخل فقد نفذت الدكتورة ناهد محمد الحسن إضراباً عن الطعام بمنزل الزعيم الأزهري احتجاجاً على إثر قضية الأطباء المعروفة إذ ذكرت "أنها لم تجد وسيلة لإيصال صوت الأطباء المظلومين إلى الشعب السوداني والعالم سوى التضحية بنفسها". وعليه فإن هذا النوع من الإحتجاج لا يصمد طويلاً لحين تحقيق غرضه وذلك "لتطنيش" السلطات لهذا النوع من الاحتجاج بخاصة ، ولقسوة كبد النظام بشكل عام. أما أسباب فشل هذه الوسيلة السلمية في الاحتجاج في السودان  فهي كثيرة أهمها أن الجوع شيء طبيعي في السودان وهو ليس بثقافة دخيلة على المواطنين السودانيين، فقد تنامت ظاهرة الجوع بشكل كبير حتى بتنا نرى مواطنين التصقت بطونهم بظهورهم من فرط الضعف، وبدا الإعياء والرهق واضحاً على محياهم أثناء ظهورهم الإعلامي في استطلاعات القنوات الفضائية ولقاءاتها . وفي مراسلات المراسلين منذ أن أصبح السودان مادة إعلامية في السنوات الأخيرة بسبب انفجار الأوضاع السياسية وحرب دارفور والنزاعات في جنوب السودان والرقابة الدولية على تطبيق اتفاقية السلام الشامل.
وفي ظل هذا العهد الإنقاذي أصبح الشبع نوع من الترف وهو مخصص وحق معلوم للمصطفين من أهل السلطة والجاه وطفيليي السوق ، أما الجوع فهو نصيب السواد الأعظم من المواطنين. بل تفاقمت المسألة حتى أصبح تناول ثلاث وجبات في اليوم مستحيلاً لكثير من مستوري الحال. واستعاضت الأسر عن ذلك بتأخير وجبة الغداء إلى قبيل غروب الشمس بقليل حتى تهجد البطون في أواخر الليل وهي شبه شبعى ، بعد أن استحال توفير قتات ليلها. ليس هذا فحسب ولكن أصبح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :"ليس منا من بات شبعان وجاره جائع". نسياً منسياً لا يعمل به سائر الناس لأن حالتهم أصبحت تغني عن سؤالهم ، ولا يعتبر به بالتالي المتخمون.
السبب الثاني لعدم جدوى تنفيذ الاحتجاج بالإضراب عن الطعام هو أن هناك الكثير مطلوب من السلطات تنفيذه ، لا يبعد عن أولويات الحقوق الأساسية للمواطنين . ولكن إن كان الصبر  مفتاح تحقيق هذه الأشياء الضرورية حتى ولو خلد الحاكمون ، فإن هناك أشياء لا سبيل للصبر عليها وهي قضايا الظلم الاجتماعي المتمثلة في شتى أنواع الفساد. وهذه تستحق الاحتجاج بغير الجوع  وهي قضايا الفساد السياسي المتمثلة في "اللهط والخم" لكل من أؤتمن على مال المواطنين ، والإتجار في مصائب الناس وبلاويهم .
فإن سمعنا عن أموال أودعها سياسيون في بنوك خارجية ،وإن مات المرضى بالمحاليل الوريدية والأدوية الفاسدة ، ولئن استغل الموظف الحكومي منصبه لتحقيق غايات شتى تثريه وتضمن مستقبل أحفاد أحفاده ، ولئن ... ولئن ... فإن الجوع الطوعي لن ينجي إنسان هذا البلد من الموت أو من محاربة فسادٍ هو ملاقيه في أدق تفاصيل حياته .
عن صحيفة "الأحداث"

moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء