الاحتيال و فن العيش
14 October, 2009
كثيرا ما يختلط الاحتيال بفن العيش. نجد ذلك في القصص و الحكاوي الشعبية عند جميع شعوب العالم. لكن العرب اشتهروا بالحكي و الخيال الجامح ، لذلك نجد عندهم الكثير من القصص و الرموز التي تجمع بين الاحتيال و المكر و الخديعة و فن كسب العيش. من امثلة ذلك ما يحكي عن جحا و اشعب و القصص الكثيرة في قصور السلاطين و الملوك و حكايات الف ليلة و ليلة و الكثير غيرها. يقودنا ذلك مباشرة الي التربية الاقتصادية لوضع اسس السلوك الاقتصادي السليم و الرشيد. تبدأ التربية الاقتصادية بالبيت و تمر بالمدرسة و الجامعة و اماكن العمل الي ان تصل الي السلوك الحكومي . تقوم الدولة بغرز الكثير من القيم بالمجتمعات كما بإمكانها ان تنتزع القيم الحميدة منها و تزرع بدلا عنها سلوك غير رشيد و مشجع علي الانحراف. من ضمن ابجديات التربية الاقتصادية ترسيخ قيم الحلال و الحرام ، الادخار و الاستهلاك ، التوفير و الاقتراض ، الكرم و التبذير ، الأولويات و الكماليات ثم الاعتدال و التوازن بين الحاضر و المستقبل و تكريس قيم المساواة و العدالة. كل تلك القيم و ما يعادلها في مفهومها النسبي الذي يحفظ توازن المجتمعات و تماسكها و ليس بشكل مطلق.
المفاهيم المذكورة تدخل ضمن السلوك الاقتصادي الذي يهدف الي اتباع الطرق التي تحقق رغبات الاشخاص و تحقق الاشباع الفردي و الجماعي و تصل الي تحقيق الرفاهية الاجتماعية عبر التصرف الامثل في الموارد . لكن نلاحظ انماطا اصبحت تتسع في مجتمعاتنا تخرج بنا بعيدا عن السلوك الاقتصادي الرشيد و تثبت غياب التربية الاقتصادية. تحول تلك التصرفات فن كسب العيش الي احتيال صريح. من الامثلة علي ذلك تفشي المضاربات و التلاعب في الاسواق و الاحتيال بالتخفيضات و عبر المسابقات و بواسطة الرسائل القصيرة بالهواتف السيارة . يطلب منك ارسال كلمة واحدة لتكسب عربة " هامر " او طائرة " اير بص ". كما اصبح الكثير من الأشخاص يتبعون قاعدة ( القوي صاحب حيله ) وهم بذلك يحتالون علي الحياة الصعبة كل ما كان ذلك ممكنا.
من اطرف الاشياء التي صادفتني اخيرا في الاسواق السودانية ما يسمي ب ( حق الدفار ) و الدفار للذين لا يعلمون هو عربة نقل متوسطة ( Sub Truck ) تستخدم في نقل البضائع و العفش و مواد البناء و غيرها من المستلزمات داخل المدن السودانية. عندما تنوي نقل شيء ما بالدفار عليك بعد ان تحسب حق ( العتالة ) و غيرها من تكاليف ان تضع في حسابك تكلفة لمقابلة الغرامة التي سيسددها حتما صاحب الدفار الذي لم يقم بترخيص شاحنيه. الموضوع بسيط و خاضع لحساب الربح و الخسارة و ( فن العيش ) ، سيقوم شرطي المرور بإيقاف المركبة غير المرخصة و (قطع ايصال) بمبلغ معين، غالبا 30 جنيه . سيحتفظ صاحب ( الدفار ) بالايصال و يمكنه التحرك به طوال اليوم و اذا تم اعتراضه بواسطة شرطة المرور فما عليه الا ان يبرز ايصاله و يسمح له بالمرور ( و يا دار ما دخلك شر ). بمعني اخر فان الايصال هو اذن مرور ليوم واحد. اما الشخص المستفيد من خدمة( الدفار) فعليه ان يساهم في تلك الغرامة بان يدفع نصف القيمة بدلا من ان يتحملها بالكامل. مقابل المكرمة التي يقدمها صاحب( الدفار) للمستفيد يمكنه ان يستثمر تلك الغرامة ( في امان الله) و بحسبة بسيطة نجده مستفيدا من الغرامة بدلا من ان يخسر بسببها. من هنا يمكن ان نفهم جدوي تخفيض رسوم الترخيص الني سيكسب منها الجميع و يختفي ( حق الدفار).
الخطورة ان الأطفال يكتسبون السلوك الايجابي او السلبي بسرعة كبيرة مثل اكتسابهم للقيم و المهارات و السلوك الرشيد. لذلك من المفيد دراسة أنماط السلوك الاقتصادي و فن العيش و ربطها بالتربية الاقتصادية حتي تدخل في مختلف تفاصيل الحياة اليومية و متطلبانها الأساسية . بذلك يصبح من الممكن التحكم في السلوك الاقتصادي لمجتمعنا و ضبطه في حدود " السلوك الاقتصادي الرشيد ".
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]