الاستقلال المفتري عليه !!

 


 

 

مرت سبعة وستون عاما علي الذكري الاولي لاستقلال البلاد ولا زلنا نختلف هل هي تصادف التاسع عشر من ديسمبر يوم إعلان الاستقلال من داخل البرلمان او هي تصادف ذكري الأول من ينائر 1956 الموعد الذي حدده الاستعمار الإنجليزي للاستقلال .. هذا كله يهون ولن يفرق كثيرا اي من التواريخ نتخذه عيدا لاستقلانا لأن المهم جدا هو ما بعد الاستقلال وماذا تحقق لنا بعد ان دامت لنا السيادة والحكم لأهل البلد ..؟

عندما تحقق الاستقلال كانت لدينا نخبة من السياسين اقل ما يقال عنهم النزاهة والوطنية والتجرد من الذات لخدمة المصلحة العامة وعلي سبيل المثال وليس الحصر نذكر من زعماء تلك الفترة الذهبية من تاريخ البلاد الزعيم الازهري، المحجوب، الشنقيطي، محمد نور الدين، مبارك زروق، عبدالخالق محجوب، حسين الشريف الهندي، الشيخ علي عبدالرحمن، وكثيرين لا يتسع المجال لحصرهم ولكنهم يشتركون في العفة والإخلاص والحرص علي مصلحة البلاد والعباد ..
اليوم لدينا نخبة سياسية نذكر منها علي سبيل المثال مولانا الميرغني وهو في خريف العمر لا يدري ما يدور حوله وأبنائه الذين يجهلون كل شيء عن البلد ناهيك عن أمور السياسة، ويتربع علي دست الحكم أمثال البرهان، حميدتي، ومناوي، جبريل، اردول، وعقار وحجر، فقط بسبب انهم يمتلكون مليشيات مسلحة فرضت نفسها بالقوة لاحتلال كراسي السلطة لتحقيق مصالحها الخاصة بالاستيلاء علي ثروة البلاد القومية وتهريبها بابخس الاثمان لتفقد البلاد اهم عائد لمواردها الاقتصادية من الثروة المعدنيه كالذهب والثروة الحيوانية من مواشي بمختلف انواعها والزراعية مثل الصمغ والذرة والقمح ..

بالتأكيد هناك فارق كبير بين جيل الاستقلال والاجيال التي تلتها في السياسة .. للأسف الشديد لم تتعلم هذه الأجيال او تتطور للأفضل ولكنها كانت تتدحرج للاسؤ لأن من دخل ميدان السياسة هي مجموعة من الانتهازيين الذين انجبتهم الانظمة العسكرية الديكتاتورية التي حكمت البلاد لأكثر من سبعة وخمسون عام من عمر الاستقلال بعد ان تم إقصاء كل الشرفاء والوطنيين بل إعدام البعض منهم حتي تخلو الساحة للاقزام وضعاف النفوس الذين يتم شراءهم بالمال والمناصب التي تحقق فقط طموحاتهم الشخصية.
ليس غريبا ان تمر علينا ذكري الاستقلال والبلد تعيش في حالة من التردي الاقتصادي والانفلات الأمني ناهيك عن تمزق النسيج الاجتماعي بسبب تفشي القبلية والتمترس حول الجهوية حتي أصبحت البلاد مقسمة علي حواكير يتحصن بها الفاسدين للابتزاز والتهديد من اجل فرض شروطهم علي الدولة واقرب مثال ما يحدث في دارفور والاقليم الشرقي والمنطقتين في جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان.

الخلاصة اننا لا يمكن أن ندعي بعد كل هذه السنوات ان الاستقلال قد تحقق، لأننا ببساطة استبدلنا الاستعمار الكلاسيكي باستعمار حديث وهو ان يتولي أهل البلد القيام بخدمة جهات اجنبية تتحكم في كل شئون البلاد السياسية، الاقتصادية والامنية حتي تاتي اليها خيراتها وثرواتها دون يكلفها ذلك جيوش واحتلال وتبديد لطاقات أبنائها، انه استعمار بالوكالة اقل تكلفة واكثر ربحا ..
لا يمكن أن نتحدث اليوم عن استقلال حقيقي لبلادنا قبل أن نبيد كل هذه الطفيليات التي تتسلط علي رقابنا بشتي المسميات وتحت لافتات للتمويه عن فسادها وخيانتها للبلاد وقتلها للعباد قربانا وتقربا لجهات أجنبية توفر لها الحماية مقابل سلب مكاسب استقلانا الحقيقي .. هذا الاستقلال المفتري عليه الذي أصبح اسما علي غير مسمي ..
كل عام والوطن الحبيب وأهله بألف خير ..

د. عبدالله سيدأحمد
abdallasudan@hotmail.com

 

آراء