الاسلامويين والرهان المستمر علي القوي العسكرية والأمنية 

 


 

 

الخطاب السياسي السوداني خطاب يتسم بالسطحية وعدم القدرة علي ملامسة الحقيقة والتعامل معها بخبرة سياسية ومعرفية متراكمة كما يفتقر ايضا للقدرة علي التحليل والقراءة النقدية والتنبؤ بمألات وتطورات الاحداث . ودي كارثة كبيرة جدا تضعنا في موقع علي درجة من السوء .

مثلا تلاحظ ان الفاعلين في المشهد السياسي السوداني  اذا كانت احزاب سياسية او تكتلات عسكرية ومدنية ذات مصالح مشتركة او منظمات مجتمع مدني او ناشطين مستقلين تجدهم بعيدين جدا عن  فكرة تشكل السلطة ضمن سياقاتها السياسية والاجتماعية  ومواقع المتمركزين التاريخيين في بنيتها  . وضعنا هذه المقدمة حتي نستطيع تقديم قراءة موضوعية لمآلات وتطورات الراهن السياسي في السودان .

عندما بدأ المد الثوري لثورة ديسمبر في التنامي والامتداد وبدأ يغطي مساحات ورقعة واسعة من مدن السودان  وبدأ في تكريس شعاراته المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة استشعر الاسلاميين الخطر ودب الذعر في نفوسهم وهم يسمعون الشارع يردد عبارة ( أي كوز ندوسه دوس ) . فبدأوا في تشكيل تحالفاتهم الداخلية والتي تمثل طبيعة الصراع داخل حركتهم اللااسلامية  وذلك للتصدي للمد الثوري ومحاولة ايقافه  من ضمن هذه التحالفات والتي راهنت بشكل اساسي علي توازن القوي العسكرية والامنية  , تحالف الدعم السريع وجهاز الامن وضباط من هيئة قيادة الجيش  . هذا التحالف الهدف الاساسي من تكوينه هو حماية الثروة التي راكمتها الحركة الاسلامية من موارد السودان في الثلاثين سنة الماضية وحماية رموز الحركة الاسلامية من الملاحقات القانونية داخليا وخارجيا وحمايتهم من المد الثوري حيث نجد وبلا أي مواربة ان عناصر هذا التحالف قد تم تدريبهم وتربيتهم علي القتل والابادة بدون أي وازع اخلاقي او قيمي . علي الصعيد السياسي هنالك عدد مهول من رموز القوي السياسية وبعض الاحزاب تم شراءهم وتجهيزهم عبر فترة زمنية طويلة حيث ان الانقاذ منذ يومها الاول كانت مهجسة بالثورة الشعبية  التي سوف تطيح بها فبدأت في الاستعداد لهذا اليوم من خلال هذه القوي والرموز السياسية  والمعروفة الان  . هذه القوي بعد سقوط البشير المرتب سارعت بتوقيع وثيقة مشوهة جعلت كل السلطة في ايدي تحالف الاسلاميين  الامني والعسكري  ولم تطالب حتي بتسليم ملفات القوي السياسية الموجود بحوزة اجهزة امن الاسلاميين. ولم تكلف نفسها جهد الاخلال بميزان القوي الامني والعسكري وترجيح كفته لمصلحة الثورة وذلك من خلال الاشراف علي مسارات التفاوض مع قوي الكفاح المسلح .قلنا بعد توقيع الوثيقة الدستورية بيومين ان عساكر اللجنة الامنية  تورطوا في مجازر فض الاعتصام حتي يستطيعوا الحفاط علي السلطة من ثم حماية انفسهم اولا ثم حماية الاسلامويين ثانيا وهذا لايتأتي الا من خلال القيام بانقلاب يقطع الطريق علي الثورة .لماذا ؟ يقول منظرو الثورات: ان ما يميز الثورة عن الاصلاح السياسي هو تدمير الطبقات   الاجتماعية والسياسية  المسيطرة  ويعد هذا شرطا جوهريا لازما لاحداث التغيير الايجابي الخلاق المصاحب للثورة وحين يفشل الثوار في مشروعهم التدميري هذا يشكل انصار النظام السابق خطرا علي شرعية النظام الثوري وسلطته . وهذا التدمير المقصود لا يتم الا باستخدام العنف او التلويح به .

لكل ماسبق ذكره نجد ان الاسلاميين وقواهم الامنية والعسكرية  مازالت ممسكة بزمام السلطة وموظفه للموارد لحماية سلطتها ومستعينة بالقوي الرمادية لشرعنة  سلطتها والممارسات المترتبة عليها وفي الجانب الاخر نجد ان الثورة مستمرة وتكسب زخم وجماهير بشكل يومي وهي مستمرة لحين اسقاط نظام الاسلاميين . وعلي الذين يفصلون بين الانقلاب والاسلاميين لابد من معرفة الاتي ان الانقلاب قد بدأ  يوم 11 ابريل حينما ادعي ابن عوف انحيازه للثورة واعتقاله للبشير ووضعه في مكان امن الذي يحدث هو ان هنالك دمي في المؤسسات لامنية والعسكرية تحركها الحركة الاسلامية لحماية نفسها ومصالحها وتتمثل مهمتها في تفكيك القوات المسلحة لمصلحة هذه القوي الامنية والعسكرية المتحالفة لذلك فان  الفصل بين الانقلاب والاسلاميين هي خطة يتم تسويقها من خلال ما يسمى بقوى الحرية والتغيير حتي يستمر البرهان في الاعيبه وادعاءاته بالانحياز للثورة .

وحيث ان التحالف الامني والعسكري الذي سبق وذكرته واحدة من مهامه الاساسية حسب المخيلة المريضة والمضطربة للاسلاميين هي ابادة جماهير الشعب السوداني سواء في دارفور اوجبال النوبة او الخرطوم  التي تمثل رصيد حقيقي للثورة والاستئثار بموارد وامكانات السودان لهم ولحركتهم الاسلامية العالمية  . لقد سمعتم مرارا البرهان وحميدتي وهم   يهددون  الشعب السوداني من الانزلاق في الحرب الاهلية  والتهديد بالعنف في مقابل بقاء الكيزان في السلطة من خلال مجلس الدفاع الاعلي الذي سوف يمثله نفس عساكر اللجنة الامنية وبمباركة قوي الحرية والتغيير حيث ان البرهان في خطابه بالامس حاول جاهدا انقاذ الحرية والتغيير من المأزق الذي وضعتهم فيه 30 يونيو هم والالية الثلاثية . لكن المهم في الامر ان الثورة في استمراريتها قادرة علي تحييد كل القوي المراهنة علي الاسلاميين وعساكرهم واجهزة امنهم من حلفاء دائمين ومؤقتين وحتي القوي الدولية ممثلة في بعثة الامم المتحدة المتكاملة لحماية الانتقال سوف تغير من نهجها الاستعلائي والذي عبر عنه فولكر بالقول افضل للسودانيين استصحاب الحركة الاسلامية في العملية السياسية من حصاد سنوات من عدم الاستقرار وهو يعلم ان السودان ليس سوريا او اليمن او العراق .

المهمة الاساسية في المشهد السياسي السوداني الان هي اسقاط نظام الاسلامويين وتفكيك القبضة الصلبة علي مؤسسات الدولة  وليس اسقاط الانقلاب كما يتحدث كثير من القوي السياسية السودانية  لان الانقلاب واحد من تجليات هيمنة الاسلاميين علي السلطة  . ولكي يحدث ذلك أي اسقاط الاسلامويين  لابد من  توحد كافة القوي السياسية السودانية خلف مركز موحد للثورة سياسي  واعلامي وثقافي  حيث ان هذا المركز يحتاج الي حوار مطول وعميق وتقديم تنازلات عديدة من القوي السياسية  التي تشكل حليف مؤقت للاسلامويين  وقوي الثورة  الحقيقية  لا وقت متبقي للخلافات والرهان علي الاسلامويين وتكتيكاتهم يجب تشكيل مركز موحد بسرعة تكون مهمته تشكيل حكومة الفترة الانتقالية وصياغة دستور مؤقت وتكوين مؤسسات ديمقراطية يتم تأطير الخلافات بين القوي السياسية  داخلها .

 

htabedee@gmail.com

 

آراء