الاضراب السياسي واسقاط ثلاث ديكتاتوريات
طرح الحزب الشيوعي السوداني فكرة الاضراب السياسي العام ثلاث مرات : -
الأولي لاسقاط أول ديكتاتورية عسكرية ( نظام عبود) في بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي حول "الاضراب السياسي العام" في أغسطس 1961م، و الذي نشر في العدد ( 109) من مجلة الشيوعي ( المجلة الفكرية للجنة المركزية) الصادر بتاريخ: 29/ أغسطس/ 1961م.
وفي 4/1/ 1961م أصدر المكتب التنظيمي المركزي كتيبا بعنوان في " سبيل تنفيذ شعار الإضراب السياسي العام: لنرفع عاليا رآية التنظيم، "خطة من المكتب التنظيمي المركزي".
والجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي طرح فكرة الإضراب السياسي لأحزاب المعارضة، ولكنها لم تتجاوب معها، وبعدها انسحب الحزب من جبهة أحزاب المعارضة، وطيلة الثلاث سنوات ظل الحزب الشيوعي يعمل بصبر مع الحركة الجماهيرية إلي مستوي تنفيذ الإضراب السياسي ، إلي نقطة الانفجار الشامل.
جاءت دورة اللجنة المركزية في 6 يناير 1963م، والتي أكدت علي شعار الإضراب السياسي وعالجته بالمزيد من الوضوح السياسي والفكري والتنظيمي، وثابر علي طرحه حتى قيام ثورة أكتوبر 1964.
الثانية : لاسقاط ديكتاتورية نظام النميري في دورة اللجنة المركزية في يناير 1974 بعنوان " مع الجماهير في تساؤلاتها حول : البديل – القيادة – الأداة" ، جاء ذلك نتيجة لتلخيص تجارب الحركة الجماهيرية بعد اضرابات ومظاهرات أغسطس 1973 ، طرحت اللجنة المركزية شعار الاضراب السياسي العام وحمايته كأداة للاطاحة بالسلطة، كما طرحت اللجنة المركزية مهام البناء الداخلي والجماهيري ، وتوسيع النشاط السياسي الجماهيري ، وخلق أوسع جبهة للتضامن مع الثورة السودانية.وواصل الحزب النضال مع الحركة الجماهيرية حتى انفجار انتفاضة مارس- أبريل 1985 التي أطاحت بحكم الفرد.
أما الثالثة وهي موضوع هذا التوثيق، فكانت في أغسطس 2015 ، فقد طرح الحزب الاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط نظام الانقاذ ، وتصعيد النشاط الجماهيري حول قضايا الحريات وضد الفساد والغلاء والقمع ومطالب الجماهير اليومية، ويناء التنظيمات الديمقراطية ولجان المقاومة في مجالات الأحياء والعمل والدراسة، وقيام أوسع تحالف لاسقاط النظام ، وقيام البديل الديمقراطي ، وثابر علي هذا الطرح ورفض الحوار المزيف والمشاركة في انتخابات 2020 التي نتائجها معروفة سلفا، حتى انفجار الثورة في ديسمبر 2018.
فيما يلي نقدم مقتطفا من دورة اللجنة المركزية في أغسطس 2015 بعنوان: الانتفاضة طريقنا لاسقاط النظام
مقدمة
" مع شعبنا خلال مسيرته النضالية ضد المستعمر وضد الحكومات العسكرية، وحتى خلال فترات الحكم الديمقراطي طورنا تاكتيكات ترسخت عبر النضال اليومي منذ ثورة أكتوبر 1964 وإضراب أغسطس 1973 وانتفاضة مارس/ أبريل 1985. وحتى الإضرابات ضد زيادة أسعار السكر في أيام الفترة الديمقراطية ( حكومة الصادق المهدي)، وضد انقلاب النظام الإسلامي الطفيلي منذ اليوم الأول برفع المذكرات من الاتحادات والنقابات، وحتى هبة سبتمبر 2013 خلال 26 عاماً من حكم الرأسمالية الإسلامية الطفيلية تطور عملنا بإتباعنا تاكتيكات مختلفة فمنذ 30 يونيو 1989 وحتى 2005 كنا نعمل على رفع مقدرات الجماهير للقيام بالانتفاضة المحمية بالسلاح.
* وبعد 2005 وتوقيع اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) كانت تاكتيكاتنا أن يحدث التغيير عن طريق العمل الديمقراطي السلمي بعد نيفاشا. وبعد 2010 قمنا بتقييم تجربة الانتخابات المزورة بعد أن قاطعتها قوى المعارضة وطرحنا شعار إسقاط النظام. وهذا يتطلب المزج بين العمل القانوني وشبه القانوني في التحضير للإضراب السياسي والعصيان المدني وحمايتهما.
تعالج هذه الورقة القضايا المرتبطة بشحذ و تفعيل التاكتيكات ومناهج العمل الرامية لاسقاط النظام.
يرتكز خط الحزب السياسي على تحليل عميق لطبيعة نظام 30 يونيو الديكتاتوري باعتباره نظام ديكتاتورية الرأسمالية الإسلامية الطفيلية... وعليه يهدف خط الحزب لاستعادة الديمقراطية، وتفكيك نظام الرأسمالية الإسلامية الطفيلية الشمولية وتصفيته، والانتقال من الشمولية إلى تأسيس الدولة المدنية، دولة الديمقراطية والسلام العادل والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، والتأسيس لنظام ديمقراطي تعددي تكفل فيه الحريات الفردية والعامة إننا مع الحل الجذري وليس التسوية السياسية. ويتم ذلك بمشاركة فاعلة من كل أبناء الشعب السوداني وقواه الحية عن طريق الانتفاضة الشعبية
الإضراب السياسي العام أو العصيان المدني سلاحاً لها.
وتعبير الإضراب السياسي هنا يعبر عن إضراب ينظمه العاملون في المصانع والحقول والمكاتب والخدمات الاجتماعية بهدف شل جهاز الدولة حتى تتحقق مطالب الجماهير، ووفقاً لهذا التعريف فإن الإضراب السياسي العام تنظمه وتنجزه القوى المنظمة للعاملين، وقد يبدأ بإضراب فئة ويتطور بعد ذلك غير أنه يعبر عن وصول النهوض الجماهيري لدرجة الانتفاضة الشاملة. وهذا يعني بالنسبة للعمال وصول الصراع ذروته من أجل الحريات النقابية والنقابة الفئوية وانتظام عقد الجمعيات العمومية ويعني بالنسبة للمزارعين قيام التحالفات الواسعة وتصعيد نضالها ضد الخصخصة في كل المناطق الزراعية وبالنسبة للمهنيين تصعيد نضال التحالفات الديمقراطية من أجل مطالبها من أجل الحريات وحكم القانون وبصفة خاصة تحالف المحامين.
* أما العصيان المدني فيقصد به امتناع المواطنين عن التعامل مع الدولة وإطاعة أوامرها بما في ذلك الامتناع عن الذهاب لاماكن العمل، وفتح المحلات التجارية، والقيام بأي عمل، والاعتصام في الميادين العامة أو البقاء في المنازل أو التظاهر في الشوارع أو خليط من كل ذلك. العصيان المدني يعتمد في تنظيمه على القوى المنظمة للعاملين، أو قوى المعارضة المنظمة في لجان الأحياء والمدن والمناطق التي تتكون قبل أو أثناء الانتفاضة. والعصيان المدني هو تعبير عن لحظة ثورية ترفض فيها الجماهير استمرار النظام. ونلاحظ أن كل إضراب سياسي هو في جوهره عصيان مدني.
دروس التاريخ:
جرب شعبنا سلاح الإضراب السياسي مرتين في ثورة أكتوبر1964 وانتفاضة مارس/أبريل 1985.وكان أهم دروس التجربتين أن نهوض الحركة الجماهيرية حتى وصولها لممارسة الإضراب السياسي يتم عبر تراكم نضالاتها الفئوية والطبقية المختلفة. وقد أضافت تجربة مارس/أبريل 1985 لذلك نضالات جماهير المدن والأقاليم وممارستها الفعلية للانتفاضة عن طريق العصيان المدني (سنجة ، الابيض..الخ) وانتفاضات الأقاليم (دارفور) والتي كانت إضافة حقيقية ومهمة لتراث العمل الجماهيري في التحضير للانتفاضة الشعبية.
أهمية التحضير للانتفاضة:
* أن دروس ثورة أكتوبر 1964 وكذلك انتفاضة مارس/أبرل1985 تشير إلى ضرورة العمل التحضيري الواسع النطاق لتوفير المقومات والعناصر اللازمة لنجاح الانتفاضة، وهذا يشمل بطبيعة الحال، الخطة التنظيمية للأعداد للإضراب السياسي أو العصيان المدني، والنضال السياسي الجماهيري بمختلف الأشكال بين العمال والمزراعين والمعلمين والطلاب والمهنيين وربات البيوت وبقية الفئات الأخرى.
* إن العصيان المدني يتم عبر النضالات اليومية للجماهير. (كمثال) اعتصامات المناصير و التي استمرت لشهور وتجربة مواطني الجريف شرق الذين أعلنوا العصيان المدني في منطقتهم وأغلقوا المحلات التجارية والحرفية والأسواق والمدارس، وتجربة لقاوة والتي قدمت مثالاً فريداً في إمساك الجماهير بقضاياها ومتابعتها.
دور فرع الحزب:
تفعيل فرع الحزب عن طريق إعادة البناء والتأهيل الماركسي فكراً وتنظيماً، وذلك لتمكن
من التصدي لمهام تحريض الجماهير وقيادتها، وأن يعمل الفرع لإعادة بناء التنظيمات الديمقراطية وسط العاملين و المزارعين والشباب والنساء والمهنيين والمثقفين الثوريين..
فرع الحزب يجب أن يفعل دوره وسط الجماهير ويطرح برنامج اسقاط النظام وذلك من خلال ندوات مفتوحة ومغلقة وتكوين لجان عمل لمتابعة مطالب الحياة اليومية ( الكهرباء – المياه- الغلاء). إن هذه الاحتجاجات المتفرقة ستتطور إلى العصيان المدني الشامل.
عمل الحزب المستقل وسط الجماهير يتطلب قيامه بتنظيم الجماهير، وقيادتها لإسقاط النظام وذلك عبر أوسع جبهة جماهيرية لها مصلحة في التغيير الجــــذري، وإقامة الدولـــة
التحالفات:
* من أجل إسقاط النظام دعت اللجنة المركزية لقيام أوسع جبهة للمعارضة، كما حددت موقفها الرافض لمخطط الهبوط الناعم الذي يسعى لقطع الطريق في مواجهة تفكيك النظام الشمولي، كما أشارت إلى وجود علاقة جدلية بين إسقاط النظام والهبوط الناعم ودعوة النظام للحوار. وطبيعي أن النظام لن يرضخ لمطلب حوار جاد ومثمر له مطلوباته التي تهدف لتفكيك النظام وكذلك لن تتم محاصرة النظام وهزيمته دون عمل ملموس وجاد ومتصاعد.
* إنه من الضروري بناء التحالفات القاعدية وتعزيزها وعدم الاكتفاء بأشكال التحالفات الفوقية .. كما أن التنسيق مع الجبهة الثورية وفصائلها المختلقة يجب أن يكون أكثر وضوحاً وتحديداً ويتم من خلاله إدماج قواهم السياسية في العمل اليومي.
*لسنا أوصياء على الآخرين، ولكننا نعمل على تنسيق وتوحيد مواقف المعارضة.
مناهج العمل:
المساهمة الايجابية والمتابعة لنهوض الجماهير.
* التحريض وتطوير عملنا الإعلامي المحرض على الثورة والذي يبث الوعي ويقدم تفاصيل البديل لنظام الرأسمالية الطفيلية، وذلك باستخدام كل المنابر المتاحة و الصفحات الالكترونية.
* الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات المطلبية من أجل تحقيق القضايا الحياتية. وإبتكار أساليب جديدة للاحتجاج. إن المنهج السليم هو النضال اليومي مع الجماهير.
* أن تقوم فروع الحزب والديمقراطيين بالخارج بحملات التضامن والإعلام الخارجي ومتابعة كشف مخازي النظام وجرائمه.
* أن تقوم فروع الحزب في مجالات العمل والقطاعات والمناطق الزراعية بالعمل وسط العاملين للتحضير للإضراب السياسي وذلك بتأسيس الجباه الديمقراطية والعمل على قيادة النقابات من سيطرة النظام وأعوانه أو دعم جهود العاملين للتمرد ضد النقابات الصورية عن طريق التعبئة والتنظيم الذي قد يصل لتكوين لجان مستقلة للانتفاضة وسط العاملين.
* أن تقوم فروع الحزب في الأحياء والمدن والمناطق بتنظيم الجماهير في لجان الانتفاضة والتي قد تضم قوى الإجماع ونداء السودان او قد تتخطاهم.
* التحضير للانتفاضة يتم في خضم الصراع اليومي وفي الوقوف مع الجماهير في معاركها اليومية من أجل مياه الشرب والكهرباء وضد الغلاء والفساد.
* لجان الانتفاضة الشعبية لحماية المتظاهرين في الأحياء – ولا يعني ذلك التخلي عن سلمية التظاهر والاحتجاج، وتعمل الجماهير لحماية تظاهراتها وأن تتضمن الحماية والرصد والتوجيه، والقيادة المبادرة للنشاط الميداني للمظاهرات وللوقفات الاحتجاجية، وفي قفل الشوارع لايقاف عربات الأمن ورصد القناصين من رجال الأمن وتصويرهم (فيديو)، وإيقاف المخربين والمندسين الذين يهدفون لتشوية التظاهرات والاحتجاجات وخلق ذرائع للأمن لقمع الجماهير وأي أساليب أخرى.
* أن كل هذا يتطلب الربط العضوي بين تحسين عمل فروع الحزب (تنظيمياً وجماهيرياً).
*أن تتم تهيئة الجماهير بأن التظاهرات والإضرابات والعصيان المدني ستواجه من قبل النظام بالعنف المفرط.
* ونحن في خضم هذا الصراع اليومي ندرك الآتي: -
أولاً: لا نشكك في قومية القوات المسلحة والشرطة وإمكانية انحيازها للشعب السوداني.
ثانياً: نتوقع تدخل التنظيمات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة لمساندة هذه النظام وأيضاً التدخل الخارجي للحفاظ على مصالحهم الآنية والمستقبلية.
وأخيراً:- إننا على ثقة من حتمية انتصار الجماهير واقتلاعها جذور هذا النظام اللعين وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تعمل على حل مشاكل الجماهير و تلبية رغباتها في الكرامة والعدالة والحرية والمساواة "
alsirbabo@yahoo.co.uk