الانترنت وإحباط الأجيال

 


 

 

abdelrmohd@hotmail.com

1
بنقرة خفيفة على الكمبيوتر أو لمسة على الهاتف ، يستطيع البشر في عالمنا الرقمي أن ينقذوا من أقطار السموات والأرض بقدرة الحي ذي الجلال الذي هيا للعالم من أمره مرفقا وجعل للأمم والشعوب تواصلا ضروريا في عصر طرق المعلومات السريعة وثورة الاتصالات وتحطيم الحدود الجغرافية بين الدول.
ومع تطور التقنية وتجلياتها ، أصبح لزاما على سكان كوكبنا اللحاق بالركب بحيث لا يكون كلبهم باسط ذراعيه بوصيد كهف قديم في ظلمات القرون الماضية . تلك تجليات برز من خلالها الجيل الصاعد وأبدع وأفاد فجاء مصطلح سكان العصر الرقمي digital natives معبرا عن لغة جديدة للتخاطب لا تشوبها لكنة أو يعتورها أسلوب تقليدي عفا عليه الزمن فبرز مصطلح المهاجرين إلى العصر الرقمي digital immigrants تعبيرا عن جيل قديم لكنته الرقمية واضحة في لغة العصر الجديد للحاق بالركب ومنهم مديرين وصحفيين وكتاب وسفراء ووزراء ممن يعتقدون بأن لغة الانترنت قاصرة على شباب اليوم. هؤلاء هم الذين تعلموا في زمن لم تكن الرقمنة فيه شيئا مذكورا لبكتشفوا أن عليهم مجاراة طلابهم وعملائهم بعقليات رقمية إذ لم يعد ممكنا ولا مقبولا أن تسود لكنة عفا عليها الزمن في لغة جديدة لا تقبل الا الجودة والرصانة فيتعلم الدارس وفقا للغة العصر بينما بعد المهاجر الى العصر الرقمي نفسه للتحدث مع ساكن العصر الرقمي بلغة يفهمها لعله يفلح في ذلك.

2
طفت على سطح الذهن المثقل بالكثير من الهموم واللواعج هذه الخواطر وطلابنا المتجهين إلى الجامعات يجلسون لأداء امتحان الشهادة السودانية. أعلنت السلطات عن قطع يومي لخدمة الانترنت كيلا يتخذه الممتحنون طريقة للغش في تخوين صريح لجيل كان يستحق من تلك السلطات جبر خاطره بالثقة وجعل هذه الثقة ثقافة عميقة في وجدان الأمة عبر شبابها. انعدام تلك الثقة نراه ماثلا اليوم بين مكونات السلطة والمسئولين وأجهزة الدولة ، فلم يكن غريبا أن ينقلها حكم مضطرب ويمس بها جيل هو أمل الأمة ورجاؤها وعمادها في التنمية والعيش الكريم.

3
قرار ايقاف النت أثناء أداء الامتحان ، كان قرارا بائسا بكل المقاييس لأنه قرار تخويني يضع كل أبنائنا وبناتنا في دائرة الريبة والشك وكان الأجدر بهم العدول عن ذلك بل ومكافأة الطالب القادر على ايجاد الاجابة من الانترنت كدليل على مهارته في البحث الذي له طرقه واستراتيجياته . ولأن عقول حكامنا لم ترق حتى إلى وصفهم كمهاجرين الى العصر الرقمي ، فقد آثروا التعامل مع الجيل الذي صنع الثورة كخونة في أداء الامتحان الأمر الذي يعكس عقلية تربوية بائسة رأيناها وهي تسد الأفق أمام تعيين وزير للتعليم وتثير غبارا لا معنى له في مناهج لم تغير فيها سطرا بعد أن عكف على وضعها متخصصون فأثارت زوبعة هي من نفس شاكلة العقلية التي تخوِّن الطلاب وتخونهم وهم الذين لا زالت دماؤهم على أرصفة القيادة العامة التي تبدو وكأنها مذبح تاريخي في دير من أديرة تاريخ لا يعرف هؤلاء القوم تدبره وصيانته.
أثناء أحد الدروس العديدة التي يتم تقديمها عبر الإنترنت في احدى الدول العربية تعرّضت المعلمة التي كانت تشرح الدرس إلى انقطاع في الاتصال بالإنترنت. ولم يكد انقطاع الإنترنت يحدث، حتى بعث أحد طلاب المدرسة الابتدائية برسالة إلى معلمته مضمونها فكرة رائعة؛ ألا وهي: “جميع المواد التعليمية محفوظة على منصة OneDrive، فإذا ما عرفت الترتيب الذي يجب أن نتبعه في الاطلاع على المواد الدراسية، يصبح بإمكاني المساعدة في توجيه الفصل". لقد أظهر هذا الطالب الصغير في دبي أحد صور القيادة التي يرمي أغلب المعلمين إلى تنميتها في طلابهم، غير أن هذه النوعية من القيادة يصعب علينا أن نجدها لِنُدرتها بين التربويين في بلادنا ما دامت ثقافة الاحباط والتخوين وعدم الثقة هي السائدة . ذلك الطالب ولا شك، كان محاطا بدرجة عالية من الثقة التي مكنته من تخطي مرحلة التعليم الى الاتقان ثم الى روح القيادة.
أختتم هذا الأسى بعد أن ضاعت في الأسى سنين الوطن ولم تبق الا أمنيات الحادبين والقائلين مع الشاعر:
وكم ذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكاء

 

آراء