الانقلاب ما بين الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني ومبدأ القيم

 


 

 




تأتي هذه الرسالة موجهة  للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني لإعتبار أن الطرفين لا ينفصلان عن بعضهما البعض منهجاً وسلوكاً وقولاً وفعلاً، وإن كان للحركة الإسلامية حظ السبق وجوداً، الإ أن المؤتمر الوطني وإن ولد من رحمها وبشكل مشوه، فقد أصبح مع دوران الزمن في مكانها، وصارت الحركة جزءاً من أماناته، ومهتديةً بهديه في مبدأ القيم بالرغم من إنها المؤسس لذلك. وسياق الحديث هذا يقودنا وبأقصر الطرق لإنقلاب الإنقاذ في 30 يونيو 1989م، والذي دبرته وخططت له الحركة الإسلامية، تنفيذاً وفق خدعة وضعت د.حسن عبد الله الترابي في السجن تضليلاً للشعب السوداني والبعد الدولي، لتبدأ أول هزيمة لمبدأ القيم الفاضلة، والتي مامن فكرة أو دعوة أو ثورة أو حكم أو عمل الإ وكان الفشل حليفه إذا لم يؤسس على هذا المبدأ أخلاقاً وسلوكاً، وعهداً ووعداً، ناهيك من أن الإنقلاب قد تمّ وفق رؤية إسلامية، حيث جماع ومنبع القيم والمُثل العليا، أمانةً وصدقاً، وعدلاً، وإستقامة وإلى ما لا يُحصى من الفضائل، وأعلاها كرامة الإنسان وحفظ حقوقه وحريته كحق شرعي، ثم تأتي هذه الرسالة ومن بين يدينا الأهداف التي حملها البيان الأول لإنقلاب الحركة الإسلامية، دافعة بها إقناعاً للشعب السوداني بضرورة الإنقلاب بل حتمية تغيير الحكم الذي كان قائماً حينها، مقروناً ذلك بما عليه حال السودان الآن وبعد خمس وعشرين عاماً من سيطرة المؤتمر الوطني على سلطة الدولة السودانية، من خلال مقارنة للحالة الوطنية ما بين إنقلاب الحركة الإسلامية المسلح عند العام 1989م، وإنقلاب المؤتمر الوطني الدستوري عند العام 2015م، والذي هو ربيب الحركة الإسلامية، التي لا أستطيع أن أوكد على إسلامية ما قدمته من مشروع للحكم من خلال الممارسة غير إنها "حركة طائفية أمنية ولا أزيد"، والتي أوردت في البيان الأول أن الذي قادها لتدبير الإنقلاب يتمثل في "التدهور المريع الذي تعيشه البلاد"، وهل من تدهور، بل سوء حالة وطنية كارثية كالتي يعيشها السودان الان، حالة وطنية كاد يتلاشى فيها إحساس الشعب إنه يعيش في دولة سوية وعادلة، دولة تؤكد أنه مواطن فيها، دولة تفتقد سيادتها، وتتدحرج نحو الهاوية ليدفن ما تبقى منها في حفرة التاريخ المنسي، ثم يتحدث البيان عن "الديمقراطية المزيفة"، وليتهم لم يتحدثوا لأن الديمقراطية الآن في عالم اللاجود، اللهم إلا إذا كان يتحدث المؤتمر الوطني عن الديكتاتورية لأن الديمقراطية حتى داخله مفقودة، إذ نجد أن جميع عضويته يعيشون في سجون الوهم، كما يعيش الشعب السوداني في سجن الخوف والرعب القاتل. ثمّ يُشير البيان إلى "فشل المؤسسات الدستورية"، والتي وأن كانت فاشلة في ذلك الحين فهل هي موجودة الآن؟، إن الحقيقة البائنة تقول أن الوطن دولة بلا مؤسسات دستورية، بل وقومية لأن الموجود عند الإنقلاب قد أصابه الهدم والتدمير وسؤ الإستغلال الحزبي، وأصبح كله في خدمة دولة حزب المؤتمر الوطني، ويكفينا مأساة إجازة التعديلات الدستورية الأخيرة من قبل المؤسسة التشريعية التي يمتلك أسهمها المؤتمر الوطني، وأسس من خلالها لإنقلابه الثاني، ليؤسس لإنتخابات يناقض بها كل ما ذكرته سابقاً عن أسباب الإنقلاب الأول. ثمّ يتحدث البيان عن "إرادة المواطنين المزيفة"، ونتساءل الان أين هؤلاء المواطنيين الذين تمّ تزييف إراداتهم منذ خمس وعشرين عاماً، حتى باتوا لا يدركون من هم في ظل مفهوم "لا أريكم إلا ما أرى"، حيث زيف المؤتمر الوطني إرادتهم، وغيب عقولهم من خلال حملة إعلامية مضللة، ومنابر خطابية كاذبة، وإنتخابات ضاربة، ومغشوشة، فأي تزييف يتمّ الحديث عنه من بعد هذا، وما زالت المأساة في حالة تكرار مفضوح يتم عبر الإصرار على قيام إنتخابات دون وحدة الصف السوداني وبحوار  يأخذ معه من حضر، فأن تزييف لإرادة الشعب السوداني من بعد هذا؟، ونأتي من بعد ذلك الكارثة الوطنية الكبرى في ما أسماه البيان الأول بتزايد "النعرات العنصرية والقبلية" وهل من مأساة يعيشها الوطن أكبر من الذي أحدثه المؤتمر الوطني في نسيج المجتمع السوداني تجزئةً وتفكيكاً، وتمييزاً سالباً وتسيساً للقبائل والإدارة الأهلية، ليبني على أنقاضه ركائزه السياسية، وفوزه الإنتخابي في أسوأ تجربة سياسية سودانية، بات يأكل لحم جيفتها الآن، بعد الإحساس بالخطر الداهم على الوحدة السودانية، والذي أستبان له عند فترة البناء التنظيمي للحزب في العام 2014م، وما أدى به لأن يفكر في  تعيين الولاة دون إنتخابهم في خطوة ما كانت لتتم لو أن المؤتمر الوطني يؤمن بالحرية والديمقراطية، بهدف التمكين لحكم الفرد، ولو أن المؤتمر الوطني كان يؤسس لحكمه بمبدأ القيم الفاضلة من خلال حسن إدارة التعدد والتنوع الثقافي كقيمة وطنية وإنسانية، لما حدث هذا الشرخ الكبير في نسيج المجتمع السوداني، وتأتي ثالثة الأثافي في جعل "ضياع الوحدة الوطنية" أحد دوافع الإنقلاب" ويتحسر المرء هنا عن هذه الخدعة الكبرى، والتي لا تعني غير ذرف دموع التماسيح على "الوحدة الوطنية" ونقول من أضاع الوحدة الوطنية غير الحركة الإسلامية ومؤتمرها الوطني، بتوقع إتفاقية نيفاشا، كأسوأ إتفاقية عرفها تاريخ السياسة عالمياً لحل مشكلة جنوب السودان، تم بناء عليها إنفصال جنوب السودان، وتمّ التأطير فيها لقضيتي جبال النوبة، والنيل الأزرق، وأُهديت من خلالها آبيي ببروتوكولها بدون  مقابل، وهي التي ما كانت يوماً جزءاً من الجنوب حتى في إتفاقية أديس أبابا في العام 1972م، وتم التجاهل بدون تقديرات وقراءة سياسية إستراتيجية لبداية حريق مشكلة دارفور حتى تحولت لأزمة عجزتم عن إحتوائها، ثم أين حلايب، وأين نتوء أرقين، وأين الفشقة، وأين الخط الصفري، وبعد كل هذه التداعيات على الوحدة الوطنية، أيوجد لدى المؤتمر  الوطني لسان وشفتين يتحدث بها عن الوحدة الوطنية كقيمة بات يمثل أكبر مهدداتها، وتجاوزاً لترتيب الأسباب التي صاغها بيان إنقلاب الحركة الإسلامية الأول، ودون الخوض فيها لأبعادها الوطنية لا أقول الحمراء، لكن أقول الوطنية، أدلف للحديث عن ما أسماه البيان الأول بـ"التدهور الإقتصادي المريع، وإنهيار الخدمات، وتعطل الإنتاج" والذي بسوء الإدارة، والتخطيط، والرؤى الآحادية ولعدم وجود مشروع حقيقي للإحتواء والإصلاح مع خراب الأنفس والذمم تحول التدهور والإنهيار إلى أزمة، ثم كارثة ذاق الشعب السوداني فيها الفقر والمسغبة، جاع وعطش، ومشى عرياناً وحفياناً، وذاق فيها ذلة النزوح واللجؤ وفقدان الكرام، وأصبح فيها الشعب السوداني يُعاني فيها من نظرات الإستحقار والإستهجان أين ما ذهب، ثم كان  توزيع الخدمات غير المطابقة للمواصفات والجودة قسمة ضيزى بين مناطق السودان، ومع كل هذا يتحدث المؤتمر الوطني عن إهمال تنمية الأقاليم التي عندما أصابها الغبن وعدم العدالة حملت السلاح من أجل نيل الحقوق، وهكذا زرع المؤتمر الوطني قيماً فاسدة تشعل النار أين ما كان ووجد، ثم كان ذكر البيان لـ" إنهيار الخدمة المدنية بأسباب الولاء الحزبي، والمحسوبية ليتقدم الفاشلون"، ليكون البديل ذلك المفهوم الإصلاحي للإنقاذ التي باتت تستحي وتنزوي خجلاً أن تنطق بكلمة الإنقاذ أو الإحتفاء بها، أن أسست لسياسة التمكين وتعين أصحاب الولاء والأقارب من الفاشلين تدميراً لطموح الشباب السوداني من أهل التميز والإبداع، وإن أشار  البيان للفاشلين في بيانه الأول إلا ان الحقيقة تؤكد أن المؤتمر الوطني قد هدم الخدمة المدنية وعطل التنمية في السودان بإختياره لأهل الولاء من الفاشلين الذن أوصلوا الوطن إلى أضعف حالاته وأدى لتصنيف السودان عالمياً بالدولة الفاشلة والفاسدة والتعيسة، وذلك نتاج لمبدأ القيم الفاسدة الذي أدار به المؤتمر الوطني دولة الحزب وما أنفك يتحفنا بأهازيج مشروعه الحضاري غير المعلوم، وإن وصف البيان الأول "العلاقات مع دول الجوار والمنظمات الإقليمية والعالمية والدول العربية بالضعف"، إلا ان المتابع والقارئ لمسار ما أورده البيان الاول في هذا الشأن لا يرى لها تحسناً وقوة في إطار المصالح القومية للوطن، ومنذ أن تكشف للعالم قيمية الكذب التي أرادت الحركة الإسلامية أن تخفي من خلالها حقيقتها التي أدركها العالم في حينها، فتحول في علاقاته حرباً وحصاراً ومقاطعة لدولة المؤتمر الوطني، وما اليوم بأحسن من الأمس في ما يتعلق بهذه العلاقات، بل باتت هذه العلاقات غير  السوية تلقي بظلالها الخطيرة على الأمن القومي والوحدة والوطنية، كنتائج طبيعية لعدم الرؤية الإستراتيجية السليمة التي يتم من خلالها التخطيط المرن، والمتوازن، والمبادر والمدرك لمطلوبات البيئة الدولية، دون عنتريات أو رجالة وبعيداً عن المحاور، تداركاً للمهددات القربية والمتوقعة، والتي يمكن وبتأجيل الأنتخابات وفقاً لمخرجات الحوار الوطني إحتواء الكثير منها، وذلك لمن يسمع ويدرك لأن السودان في بيئة دولية وأقليمية لا تتعامل بالمفاهيم الفطير ولا بالعنتريات التي لم تقتل ذبابة. هذا ما كان من البيان الأول لإنقلاب الحركة الإسلامية، الذي تحدث عن إستشراء فساد المسئولين الذي يعيشه السودان الآن دولة كاملة، إذ أين ما وردت مورداً، أو حللت بمكان، أو نظرت في الأفق القريب، أو البعيد إلا وسدت البيانات الشاهقة والفلل الفاخرة الرؤيا أمامك، وبذخ الحياة المتحرك أمامك يستهزئ بفقراء وجوعى الوطن من شعب السودان الذين ما بات لهم إحساس بالوطن، حتى أصبح التنازل من الجنسية السودانية خبراً عادياً، شعب لم يرعى فيه المؤتمر الوطني الفاسد إلا وذمة. هكذا كانت نتائج إغتصاب الحركة الإسلامية للسلطة في 30 يونيو 1989م، ولتنتقل بكل سوئها وفسادها، ومهدداتها الوطنية الأمنية تبديلاً في إدارة سلطان الدولة لصالح المؤتمر الوطني الذي سار بها على ذات الطريق دون تغيير في الفكر والأهداف والمنهج فأنتج أسوأ نموذج لسطلة الحكم الوطني. سلطة قاهرة وباطشة بشعبها ومدمرة لوطن عظيم، وما حدث كان متوقعا لإنقلاب إستلم السلطة دون الإستعداد لها، حيث إنعدام المشروع والرؤية الإستراتيجية لكيفية إدارة الدولة، وعضدّ ذلك حالة الصراع بين أطرافه "مدنيين وعسكريين" إختلافاً بينهم في فترة التحول لحكم مدني طبيعي، إذ إنتصر الذين يرغبون في إستمرار إستلام السلطة عسكريا لمدة ثلاثين عاماً على شيخهم الذي يرى غير ذلك، ولذلك تحولت سلطة حكم المؤتمر الوطني إلى دولة أمنية، وبمنهج دكتاتوري وبما أدى لأن تكون مسئولية السلطة الحاكمة غير التي يعيشها المواطنون في دولة الديمقراطية التي تُبنى مسئولية الحكم فيها على تحقيق الأمن القومي والأمن الإجتماعي للدولة، أما الأمن في ظل النظام الديكتاتوري والدولة الأمنية فيتركز مفهمومه الخاص للحاكم وحزبه السياسي مسقطاً بذلك أمن الفرد والجماعة في حال تعارضه أو تهديده لأمن النظام، إهتماماً بالأمن السياسي على ما عداه.  هذا هو كتاب الإنقاذ الذي بشرت به في بيانها الأول تحدثت عنه بكسبهم الذي كان تحت درجة الصفر تقيمياً وواقعاً، البيان الذي  بما طرح أدى لأن يقف الشعب السوداني مؤيداً، ومؤملاً، فما وجد شيئاً، بل بات يتمنى أن يعود التاريخ القهقري إلى الحال الوطني عند العام 1989م، وحين كان ومن ربع قرن من الزمان تائهاً، كانت الوثبة الحوارية وبصفاء معدنه وصدقه صدق آمن فإذا بالوثبة تتحول إلى خدعة تكتيكية تمهيداً لإنقلاب ثان، إكتملت حيثياته بإجازة التعديلات الدستورية، تمكيناً للمؤتمر الوطني لفترة قادمة يُحكم بها السودان بإنتخابات أعد وخطط لها منذ العام 2010م، ودون إستيعاب وإدراك للمخاطر والمهددات التي تُحيط بالوطن، والتي لن تُعالج إلا خلال إجماع وطني ديمقراطي حر في رأيه، وتفكيره، وإعلامه، وتنظيمه، يتواثق بكلياته على إستراتيجية وطنية يتم عبرها صون الوحدة الوطنية وحكم السودان حفاظاً على أمنه القومي، وذلك  ما لا يعقله الؤتمر الوطني رغم خيبة الفشل  وفقدان القيم الوطنية والسياسية التي فشل فيها حكماً للسودان، فإلى أين ستقودنا هذه الخيبة وعدم القيم ونحن في إنتظار إعادة البيان الأول للإنقلاب الثاني بعد الفوز الإنتخابي الكارثي، وقبل حدوث ما ذكرت على الشعب السوداني أن يبحث عن ذاته ويحمي وطنه والسلام.    

بقلم: الفريق أول ركن/ محمد بشير سليمان

moh-bashir@hotmail.com

 

آراء