البدوي يسقط في فخ الذهب (الفاخر)

 


 

مالك جعفر
25 December, 2019

 

 

إبراهيم البدوي وزير المالية الذي يعاظل في رفع الدعم عن المحروقات، ووزارته تفيض بمنسوبي الإنقاذ، اختط طريقا مباشرا نحو الهاوية، بتوقيع قرار إحلالْ وابدالْ لصادر الذهب يتعفف (حرامية الإنقاذ) من تنفيذه. اخرج بنك السودان من تصدير الذهب. واسند، حسب خطابه:

"مهمة شراء وتصدير الذهب الى شركة (الفاخر) للأعمال المتقدمة، بهدف تثبيت وخفض أسعار العملات الأجنبية. والاستفادة من مبيعات صادر الذهب في استيراد السلع الاستراتيجية وأي سلعة تحتاجها البلاد، واعتبار قيمة السلع المستوردة والدفعيات التي تتم للشركات والجهات المستوردة من قبل شركة (الفاخر) بمثابة حصيلة صادر".

لا حولَ!!
هكذا بجرة قلم، إمضاء، و4 نسخ من الخطاب مرسلة الى المخابرات العامة، شرطة الجمارك، ديوان الضرائب وشركة الفاخر، خرج بنك السودان الى غير رجعة من مسرح تصدير الذهب. لصالح (الفاخر للأعمال المتقدمة)، وهي شركة تعدين متخصصة بثلاث مكاتب في السودان ودبي وتركيا. يرأسها محمد محمود أكبر مضارب في سوق الدولار في السودان.
إذن وزير المالية يُوكِلْ تصدير ذهب السودان الى أكبر مضارب في سعر الدولار. والهدف تثبيت وخفض أسعار العملات الأجنبية. يا مغيث!!
السؤال: لماذا لم يَتَّبِعْ البدوي ما تلقنه عبر سنوات عمله المديد مع البنك الدولي بخصوص فتح عطاءات التصدير؟ مناقصاتْ تفرزْ الطلباتْ وتُرْسي العطاء على الأنسبْ؟ الجواب لأن ذلك يهزم التسليم والتسلم ولعبة (الثلاث ورقات) التي نفذها وزير المالية.

وتتضمن:
إعلانه للملأ بشرى تسليم حميدتي الحكومة السودانية ذهب جبل عامر. اختيار (الفاخر للأعمال المتقدمة) لتصدير المعدن النفيس. قفل الملف. ويا دار ما دخلك شرْ، حسبما يقول المصريون.
في واشنطن، وطوال تاريخه الوظيفي الطويل، لم يكن إبراهيم البدوي ليجسرْ أن يبرمْ مثل هذا الاتفاق المعيبْ. خاصةً وحميدتي يشارك محمد محمود ملكية شركة (الفاخر للأعمال المتقدمة). تماما مثلما كان محمد محمود يشارك حميدتي ملكية شركة (الجنيد). ولعشاق (الشمارْ)، وحتى تتضح الأبعاد أكثر، تم التوقيع على شراكة تصدير ذهب جمهورية السودان في دار حزب الأمة. لا تبركا. بل لأن وزير المالية أنصاري ومحمد محمود أحد داعمي حزب الصادق المهدي. وبالأمس جدد الصادق المهدي مشروع (الشراكة الذكية) بتجديد دعوته القديمة للدعم السريع للانضمام لحزب الأمة.
إذن وقبل أن يكمل شهره الثالث في الوزارة، أسقطت (أنصارية) إبراهيم البدوي خبير البنك الدولي في شر أعماله. وقع سريعا في فخاخ المنتفعين. فما الثمن؟ وفيمَ الخداعْ والتمويهْ والتآمرْ لسرقة ثروات مهمشين، ما زالوا يتساقطون يوميا برصاص الجنجويد في نواحي دارفور بالقرب من جبل عامر.
الذهب ثروة السودان يا وزير المالية، وانتاجه المتزايد يوفر المخرج الوحيد المأمول من الأزمة المالية الخانقة. ودبي قبلة ذهب حميدتي المُهَرَّبْ راكمت احتياطياتها، وجنت المليارات من فارق الأسعار المتصاعدة عبر السنوات الخمس الماضية. الذهب حاليا يحاوم حول سعر 1500 دولار للأوقية. والتوقعات أن تتخطى الأوقية قبل نهاية 2020 سقف الألفي دولار. وهناك بشريات بأسعارْ مضاعفةْ عدة مرات إذا ما انفجرت فقاعة الأسهم العالمية الموشكة على الانفجار.
لذا، وفيما يخص الذهب، هذا ليس وقت (الفاخر للأعمال المتقدمة). ليس وقت اتفاقات عبثية تخدم مصالح ذاتية ضيقة. هذا ليس زمان التفريط في سلعة استراتيجية تبحث عنها الدول الكبرى (روسيا، الصين، الهند)، لبناء احتياطيات. السودان يا سيادة وزير المالية يحتاج الى قرارْ حاسمْ يوقف فورا صادرات الذهب، مع التزام الدولة بشراء كل المعروض من السلعة من مواقع الإنتاج، بسعر الذهب اللحظي في البورصات العالمية وبسعر دولار السوق الموازي. وسيجد بنك السودان مئات المصارف الدولية المستعدة لإقراضه بضمان المكعبات الذهبية. يضمن ذلك أن ملكية الذهب تظل في المحفظة السودانية، فيما يتم تجديد الاقتراض بصورة دورية بعد دفع الفوائد.
هذه أسلم وأسرع وسيلة لوقف التهريب والاستفادة من الثروة المتاحة لخفض أسعار الدولار. أما اتفاق (الفاخر) فمعيب.
أخيرا ما يجب أن يعيه وزير المالية، وهو بصدد إعلان موازنته الجديدة، أن المؤسسات التي أنفق حياته في شرعنة وصفاتها التقليدية، لم تساعد في تاريخها الطويل أية دولة للخروج من وهدتها الاقتصادية. فليتجنب بصفة خاصة وصفتي التخصيص ورفع الدعم. اقتصاد السودان في العناية المركزة بفضل سياسات التجنيب والتهريب والإفساد الذي طال واستشرى. ويحتاج الى تفكير خارج الصندوق وأجندة (الصندوق) و(البنك الدولي).
يحتاج أولا الى طلاقْ مرحلي بائن مع المليارديرات الذين لا تُسمع أصواتهم مطلقا هذه الأيام، ويصطفون أمام وزير المالية مكبرين مهللين كلما توفرت سانحة. غاية مرادهم خفض الدولار الجمركي وتمكينهم من تصدير (بالأصح تهريب) الذهب.
يحتاج تبني التجربة الهندية. تغيير فئات العملة الكبرى، وتعميم فتح الحسابات والدفع الالكتروني للأفراد والشركات. التحقق من سجلات الضرائب وفرض رسوم فورية 30% على الأرصدة المستبدلة مجهولة المصادر. يضمن ذلك ضبط السيولة ويوفر مليارات للخزينة العامة.
يحتاج حربا شعواءْ للسيطرة على تجارة الدولار. وأهمها مضاربات محمد محمود. هناك 21 شركة صرافة سلعتها الدولار. وبغير اغلاق هذه الصرافات وفرض البنوك الرسمية كمنافذ لبيع وشراء الدولار، (مثلما فعلت مصر)، يستحيل القضاء على التجارة الرائجة.
يحتاج تطبيق مبدأ (من اين لك هذا؟) على الجميع، لمواجهة كل القطط السمان الذين اثروا في عهد الإنقاذ. وليبدأ بأسرة البشير، عوض الجاز، كرتي، حميدتي، أسامة داؤود، مجدي محجوب، الفاتح عروة، طارق حمزة، وكل مليارديرات الدولار.
يحتاج الى قرار ثوري بمصادرة (سوداتل) وتعويض مالكيها، أو بالعدم مضاعفة ضرائب شركات الاتصالات الى 20%. يوفر ذلك إيرادات للدولة ويقلل الطلب على الدولار.
يحتاج الغاء ديوان الزكاة. والاستعاضة عنه بنظام ضرائبي أولوياته اعفاء موظفي الدولة من ضريبة الدخل الشخصي، وفرض 30% ضرائب أرباح الأعمال والاستثمار، على أن تشمل الضريبة التجار وملايين السماسرة المنتشرين على امتداد السودان (خاصةً الخرطوم).
أما الذهب. فنكرر مرة أخرى اتفاق (الفاخر) يا سيادة الوزير معيبْ.. معيبْ.. معيبْ.

abujaybain@gmail.com

 

آراء