البرهان وإطلاق العديد من الرسائل
زين العابدين صالح عبد الرحمن
13 February, 2022
13 February, 2022
أجرى لقمان أحمد رئيس الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون حوارا مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان على قناة (السودان) عبر برنامج ( حوار البناء الوطني) و نقل عبر كل القنوات الأخرى. واستطاع لقمان أن يثير العديد من القضايا المطروحة في الشارع السياسي مع البرهان، و مثل هذه اللقاءات؛ و في ظل الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد الهدف منها هو معرفة كيف يفكر البرهان و الذين معه، و أيضا ماهية الرسائل التي يريد توصيلها للناس. و قال لقمان أن البرنامج سوف يلتقى بكل القوى الأخرى من خلال البرنامج لطرح رؤيتها في كيف الخروج من الأزمة. جميل أن يستيقظ تلفزيون السودان و ينفض الغبار عن آلياته لكي يلعب دورا في عملية البحث عن حل للأزمة السياسية في البلاد. لكن يصبح السؤال؛ لماذا يريد رئيس الهيئة الإعلامية أن ينتظر الناس كل اسبوع لكي يجري مقابلة مع القوى المؤثرة في الساحة السياسية؟ كان المتوقع أن يشكل رئيس الهيئة فريقا من التلفزيون و الإذاعة لكي يجري مقابلات يوميا مع القوى المدنية و حتى العسكرية بهدف محاولة لخلق الثقة بين التيارات المختلفة، خاصة أن القوى السياسية في حاجة مثل هذه الحوارات ربما تفتح أفاقا للحل، فالحوار يخرج الناس من الاعتماد على التخمين إلي الوضوح في الطرح و القول.
واحدة من أعظم إشكالية السياسي السوداني خضوعه الكامل للعقل الجمعي، حيث لا يستطيع أن يفكر خارج منظومة التفكير الانطباعي الذي يشكلها العقل الجمعي في المجتمع، لذلك تجده متمحور حول القضايا و المقولات السائدة في المجتمع دون التحقق من صحتها، الأمر الذي يجعل العقل السياسي يدور في دائرة مغلقة، لا يستطيع التفكير خارج الصندوق.
أن اللقاء الذي أجراه لقمان مع رئيس مجلس السيادة البرهان ليس لقاء عاديا، بمعنى أن طلب اللقاء مع رئيس مجلس السيادة ليس فكرة نابعة من رئيس الهيئة الإعلامية للمقابلة و قد وافق البرهان على طلب اللقاء، خاصة أن البرنامج كان قد توقف من قبل، و عودة البرنامج بصورة مفاجأة تؤكد أن اللقاء تم الترتيب إليه، أن كان من المجموعة العسكرية أو مجلس السيادة، حتى طبيعة الأسئلة تؤكد قد حصل التوافق في ذلك. لذلك يجب البحث عن الرسائل التي يريد البرهان توصيلها من خلال اللقاء؟ و ما هو المطلوب من هذه الرسائل؟ هل رسائل للقوى السياسية أم رسائل للمجتمع الاقليمي و الدولي؟ و في كل الحالات يجب النظر إليها بأن هناك طارئ يتطلب أن يبعث هذه الرسائل، و هي رسائل تحتاج لفحص و قراءة جديدة وفقا لتطور الأحداث الجارية في البلاد،
إذا تمعنا في اللقاء؛ نجد أن البرهان قدم في اللقاء ثلاث خيارات لتسليم السلطة للمدنيين، حيث قال البرهان "أن الجيش سيترك الساحة السياسية في حال جرت انتخابات أو توافق وطني في البلاد أو انتخاب رئيس للبلاد إذا كان هناك اتفاق على أن يكون نظام الحكم رئاسي. أن الخيارات الثلاث أثنين مرفوضان من قبل القوى السياسية، باعتبار أن البيئة غير مهيئة لانتخابات، و يصبح الخيار المقبول هو التوافق الوطني، و هذا أيضا لا يجد الإجماع عليه بالصورة المطلوبة. تصبح رسائل الانتخابات موجهة للمجتمع الدولي و خاصة الغربي بأننا كعسكر نريد تسليم السلطة للمدنيين لكنهم غير راغبين في الانتخابات، و التي تعتبر أداة ديمقراطية مقبولة عند الغرب. ثم أنتقل البرهان خطوة أخرى أن يقدم موافقتهم لمد الفترة الانتقالية بهدف الإعداد المطلوب للانتخابات، عندما قال "يمكن أن يحدث فيها اتفاق و استعداد الجيش لإجراء حوار بشأن فترة انتقالية في حالة حدوث توافق." أن البرهان يربط الوصول لاتفاق شرطه الاتفاق بين القوى السياسية. لكن يصبح السؤال؛ هل القوى السياسية مؤهلة أن تجري حوارا جادا بينها للوصول لتوافق؟ أن البرهان يعلم حالة التشظي بين القوى السياسية و أن الوصول بينها لتوافق مسألة في غاية الصعوبة. و بالتالي يريد أن يبرئ نفسه.
و يضع البرهان رسالة في بريد لجان المقاومة، عندما يقول في اللقاء" تحدثت إلى قيادات بلجان المقاومة كثيرا جدا. و قالوا انهم لا يريدون العسكر ولا قوى الحرية و التغيير" معنى ذلك أن البرهان يراهن على لجان المقاومة دون القوى السياسية، بأن يقع عليها عبء عملية التوافق الوطني لكي تتسلم السلطة من العسكريين، و أيضا هو يعلم رغم أن لجان المقاومة متفقين على إبعاد العسكر من المشهد السياسي من خلال استمرار مسيراتهم التي يدفعون فيها أرواحهم، لكن الخلاف سوف يقع عندما تصبح القضية؛ من الجهة التي يجب أن تسلم لها السلطة. هي معادلة صعبة في حالة الانقسام بين القوى السياسية. و المتناقضات بين القوى المدنية هى التي يلعب عليها العسكر. و أيضا هو بمثابة سؤال مبطن؛ كيف تتراجع لجان المقاومة عن لآءاتها الثلاث؟
يواصل البرهان رحلة المحطات المختلفة، حيث يتحدث عن دور البعثة الأممية برئاسة فوكلر بيرتس، يقول هي بعثة يتركز دورها في تقدم خدمة فنية لعملية التحول الديمقراطي و ليس تقديم مبادرة سياسية للحل، و إذا فعل ذلك تعتبر تدخل في الشأن السوداني، أن دوره مسهل و مهمته فوكلر الجلوس مع كل القوى المختلفة و الاستماع إليها، ثم يقدم نتائج حواره للقوى السياسية، و هي المناط بها أن تصيغها في مبادرة سياسية لحل الأزمة. ثم أتهم فوكلر بأنه يجلس مع مجموعة و يتأثر بأفكارها. هي تعتبر رسالة إلي الذين يراهنون على البعثة الأممية و يجب عليهم أن لا يتفألون كثيرا. لكن في ذات الوقت يريد أن يؤكد نجاح المهمة يتوقف على وحدة القوى المدنية، و التي تعتبر عنده مستحيلة في هذه الفترة، و سوف تعترضها عوائق كثيرة.
المحطة الأخيرة أن البرهان يرى " أنه لا توجد جهة تمتلك الحق في إصلاح المؤسسة العسكرية إلا من جهة منتخبة" و هناك يرسل رسالة أن الذين يطالبون أن يكون هناك جيش واحد بعقيدة قتالية واحدة، هذا الأمر لا يتم في الفترة الانتقالية لكنه من أختصاص القوى السياسية المنتخبة. و هذا يدل على إنهم باقين في السلطة حتى نهاية الفترة الانتقالية. و يكون البرهان قد بعث رسائله من خلال اللقاء، و ينتظر رد القوى السياية عليه. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com