البرهان والأحزاب والحركات .. (أحرموني ولا تحرموني) !!
على الفريق البرهان أن ينتبه إلي ما يقول وما يفعل ولا يحاول التهوين من شأن الحكم المدني فهذا هو مطلب الشعب الذي إذا حاول أي احد أن يشكك فيه سيصدم رأسه (المقودس) بالحائط، وسيعيد الشارع نداءه الذكي مرة ومرة وألف مرة ليسمع من لم يسمع حتى الآن النغمة الشعبية الذكية (الممطوطة بمحبة الوطن) من أجل التأكيد الذي لا يقبل التشكيك (مدنياااااااااااااو)...!
قمْ بواجبك في منصب رئيس مجلس الدولة وجيش الدولة القومي وحاول أن تكون رئيس دوله وليس نقابياً عسكرياً وأنت تعلم أن الوضع الطبيعي أن يكون شأن الشركات التجارية والاقتصادية من شؤون الحكومات المدنية والوزارات المُختصة، ولا تضع نفسك في خانة الذين يريدون توسيع الشقة بين مؤسسات الفترة الانتقالية وعرقلة التغيير، وليكن الاهتمام بصيانة إجراءات السلام وحماية ثغور البلاد والتراب الوطني والكف عن التصريحات الإعلامية بتحميل الفشل للحكومة المدنية وأنت تعلم (من الباطن) عبء (تركة السجم والرماد) التي خلفتها الإنقاذ وتعلم المعوّقات والألغام التي لا يزال الفلول وأعوانهم يقومون بزراعتها في طريق الثورة...وعلى مجلس السيادة بشقيه العسكري والمدني أن لا يسمح بالتصريحات السلبية عديمة الجدوى من رئيسه أو بعض أعضائه العسكريين ولا يصمت عنها.. وبعض الصمت أضيع للحق من بعض الكلام..! والمأمول الآن أن يوجه البرهان سلاح المهندسين وكتائب الطوارئ لإنقاذ المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم من الفيضانات.. فالجيش هو جيش الشعب..!
الثانية: هل يفسّر لنا أي احد لماذا تتلكأ الحركات المسلحة في توقيع السلام؟ ماذا لو تم التوقيع الآن؟ ومن سيعارض الترتيبات الأمنية اللاحقة ودمج من يريد الاندماج في القوات المسلحة؟ ومن الذي يعارض تسكين القيادات في مواقع الفترة الانتقالية إذا كانت المسألة مسألة مشاركة ومناصب؟ ولماذا هذه المطالب التعجيزية ولماذا هذه الحدة في الخطاب.. لم يكن الحال هكذا حتى عندما كانت الحركات تفاوض نظام المخلوع.. فما بالك وهي تحاور شركاء النضال وحكومة الثورة بعد أن سقط العدو المشترك المتمثل في نظام الإنقاذ..!
نحن نشارك الكثيرين حيرتهم في هذا التلكؤ عن توقيع على اتفاق السلام مهما كانت الحجج فباب الحوار مفتوح بين كل المكونات وحول ما لم يتم الاتفاق عليه من نقاط معدودة يمكن إلحاقها بالاتفاق.. فانتم لا تفاوضون الإنقاذ التي اعتادت التنصل والتملص من العهود بل أنتم أمام حكومة الثورة وإمام عيون الشعب وكلهم يريد السلام والإنصاف وسرعة معالجة أوضاع المتضررين وضحايا الحرب والتهميش .. فالشراكة المجتمعية وإنفاذ برامج السلام أهم من الشراكة الشخصية في مواقع السلطة، والوطن أوضاعه في حاجة إلى قدر كبير من التجرّد ومن نكران الذات و(هزيمة الأنا)....! هل هذه رؤية مثالية ساذجة من جانبنا؟ ..ربما.. ولكن ماذا نقول عن التسامي وإنكار الذات من أجل الوطن ومن اجل السلام ومن اجل الإيثار والتضحيات الغالية التي كانت مهراً لثورة ديسمبر..!!
لا بد أن الحركات سمعت بالأمس عن الفتي الدارفوري النابغة الواعد والشاعر الحزين خريج كلية العلوم الاقتصادية بجامعة الخرطوم (عبد الوهاب يوسف) إبن منواشي الوادعة الذي غرق في مركب على سواحل ليبيا في رحلة العبور المستحيل إلى أوروبا بعد أن ضنت عليه بلاده بالسلام والطمأنينة.. هل قرأتم قصائده الأخيرة التي كتبها قبيل موته: ( سأفر من وطن يلهب ظهري بالسياط ليل نهار..أن تموت في عرض البحر..والماء يأرجح جسدك كقارب مثقوب/ في مقتبل العمر دون أن تبلغ الثلاثين ليس سيئاً أن تغادر باكراً) ..!
الثالثة: لماذا لا تنشغل الأحزاب بما كان منتظراً منها من العودة إلى بناء نفسها وإصلاح أمرها والاتصال بقواعدها وإعداد كوادرها وبرامجها.. لماذا لا يكون ذلك هو جوهر شغلها الشاغل الآن بدلاً من الوقوف (على أمشاطها) في منصات الإعلام من التصريحات والتصريحات المضادة والتعقيبات و(المجادعات) وإصدار البيانات وراء البيانات..؟! هل تتصل الأحزاب الآن بقواعدها وتبني كوادرها وتقيم حلقات التدريب والندوات والمنتديات وتعد الأوراق العلمية والمبادرات لحل قضايا الوطن حول القضايا والتحديات التي تواجه البلاد مثل الإصلاح الاقتصادي والقانوني والاجتماعي وأعمار الريف والنهضة الزراعية وخيارات الحكم الإقليمي والاتحادي والمحلي وعلاقات هياكل الحكم وتقويم الخدمة المدنية وبحث إمكانات الثروة الحيوانية وتأمين الغذاء ومكافحة التصحر وتوطين التكنولوجيا وإصلاح التعليم والإعلام وبناء الوحدة الوطنية وحل قضايا التنوع وتمتين النسيج الاجتماعي عبر الثقافة والفنون...الخ هل الأحزاب أصبحت مستعدة للانتخابات بعد عامين؟ (دعك من المطالبة بانتخابات مبكرة)...؟!! لا نريد تعميم حديثنا هذا على كل الأحزاب فهناك درجة من التفاوت إلا إننا أقرب إلى تأكيد أن معظم أحزابنا لم تبدأ مهمة بناء هياكلها وبرامجها وقواعدها بما يجعل منها أحزباً بالمعنى الحقيقي للأحزاب.. والله المستعان على ما يصفون..!
هذه رسالتا للبرهان وللحركات وللأحزاب.. أما الفلول فذرهم في غيهم يعمهون.. وسؤالنا الأخير لتلفزيون السودان الذي يريد أن يقيم قلعة (على غرار البي بي سي): هل لا تزال يا تلفزيون السودان الذي أعادت لك الثورة كامل الحرية والصلاحية غير قادر على إعداد (برنامج واحد) عن فساد المؤتمر الوطني..؟!
الله لا كسّب الإنقاذ...!
murtadamore@gmail.com