البرهان و حميدتي طموحات متصادمة

 


 

 

أن الصراع بين رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان و نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو ( حميدتي) قائد قوات الدعم السريع ليس هو صراعا بسبب الخلاف بينهما حول عملية التحول الديمقراطي، بل هو صراعا سياسيا يتمحور حول الطموحات الشخصية لكليهما، من الذي يبجب عليه أن يكون على رأس الدولة، أو القابض على زمامها. و تفجر الصراع بسبب ( الاتفاق الإطاري) الذي أشار لعملية إبعاد العسكر من السلطة السياسية، و الوثيقة الدستورية حددت أن لا تكون قوات الدعم السريع تابعة للقائد العام للجيش، بل تتبع لرئيس الوزراء، الأمر الذي تخوفت منه قيادة الجيش، و خاصة البرهان و العسكرين في مجلس السيادة، و يرجع ذلك بعد ما بدأت العلاقة الوطيد بين الحرية المركزي و حميدتي تظهر بشكل واضح لآي متابع للشأن السياسي. و أيضا غير خافية مقولة ياسر عرمان في ود مدني في ندوة الحرية المركزي الذي قال فيها أن قوات الدعم السريع يمكن أن تكون نواة للجيش السوداني الجديد في المستقبل، و سكتت كل قيادات التحالف للحرية المركزي على المقولة، الأمر الذي جعل قيادة الجيش أن تشك هناك تنسيقا و تخطيطا بين قوى الحرية المركزي و قوات الدعم السريع، الأمر الذي جعل تشدد الجيش في ورشة إصلاح القوات المسلحة و القوى العسكرية الأخرى بهدف تعطيل العملية و إعادة النظر مرة أخرى في علاقة الدعم السريع مع الجيش. القضية الأخرى أن قيادات المركزي كانت تؤكد لابد من الذهاب للانتخابات بعد دمج كل القوات الأخرى داخل الجيش، بهدف أن تكون الانتخابات ذات شفافية و نزاهة، لكن تراجعت الحرية المركزي عن هذا القول، و أظهر البعض أن تبقى قوات الدعم السريع عشر سنوات، كل هذه جعلت قيادة الجيش تتمسك بسنتين هي سنين الفترة الانتقالية. يجب أن تتذكر قيادات الحرية الاعب وسط العسكر لن يؤذي إلا نفسه. باعتبار أن الصراع بين العسكر أدواته تختلف عن أدوات السياسية.
معلوم أن أي خلاف بين قائدين عسكريين لابد أن يؤدي إلي المواجهة عسكرية بينهما، خاصة أن القضية ليست مرتبطة بالشأن العسكري، و لكنها طموحات سياسية، و لابد واحد منهم يختفي من الساحة السياسية، ألأمر الذي يؤكد أن القوى العسكرية ليست راغبة للخروج من العملية السياسية، و أنما تمارس مناورات بهدف البقاء. و كنت قد ذكرت تكرارا أن فكرة السلطة و محاولة استلامها من أي طرف هي فكرة تؤسس على الصراع المستمر، و البرهان لن يوافق أن يعطي السلطة للحرية المركزي و الدعم السريع حتى إذا خسر أخر جندي له في القوات المسلحة، هذا صراعا صفريا لا يقبل الجودية. إلا في حالة واحدة تغيير الوثيقة الدستورية أن يتبع الدعم السريع للقائد العام و تحت أمرة هيئة الأركان، و قرار مثل هذا سوف يفقد حميدتي سطوته، و يصبح رجل لآ قرار له مع قرار القائد، الأمر الذي يكسر اجنحته و يحبط طموحاته. كما تهدد المصالح الشخصية و الأسرية التي كونها في فترة الست سنوات الماضية، و حميدتي يريد أن يكون قريبا من سلطة بهدف حماية هذه المصالح.
أن أصدار قرار من قبل حميدتي لتحريك قوات لكل من الجزيرة و مطار مروي، تؤكد أن الرجل مستعد لخوض حرب من أجل تنفيذ الأجندة التي يريدها، خاصة مطار مروي باعتباره مهبط الطائرات الحربية السودانية، و أيضا يتخوف إذا نشبت حرب بينه و الجيش يمنع أي دعم لوجستي يمكن أن يقدم إلي الجيش، رغم أن قوات حميدتي نفسها في تلك المنطقة تحتاج لدعم لوجستي في أي عمليات عسكرية. هل حميدتي يتوقع أن يستخدم المطار لدعم قادم من صديقه حفتر في ليبيا، هذه المسألة سوف تكشفها الأيام القادمة، أن قضية الصراع العسكري في شأن سياسي تحتاج لحكمة من القوى السياسية، على أن لا تؤجج الصراع بين الأثنين، لآن البلاد التي تعاني من أزمات اقتصادية، و جعلت أكثر من نصف الشعب في حالة مسغبة، لا يستطيع تحمل تبعات أي حرب. و إذا استطاعت القوى السياسية أن تخرج من فكرة السلطة و تركز على عملية التحول الديمقراطي، تستطيع أن توحد صفوفها، و توحد الشارع مع خياراتها، و تستطيع أن تحدث تعادل في ميزان القوى الذي يجعل الأثنين يرضخان لها.
أن القوى السياسية في حاجة أن تفكر خارج الصندوق، بعيدا عن تقوية نفوذ تحالفاتها على الأخرين، و أن تقدم مقترحات يقبلها الأثنين معا، مثلا أن ينشط القانون الذي بموجبه تكونت قوات الدعم السريع، و يجعلها تابعة للقائد العام، على أن يكون قائد قوات الدعم السريع عضو في هيئة الأركان بهذه الصفة، و يتغير بتغير القائد، سوف يأمن وجوده لكن تحت قيادة الجيش باعتباره واحدا منها، هذه تحتاج إلي قانون يعدل فيه قانون القوات المسلحة، و يمكن أن يجاز في المجلس التشريعي للفترة الانتقالية، و يقدم كتوصية ليضمن في الدستور.
أن قوات الدعم السريع الذي تجاوز تعدادها المائة الف يجب أن تستفيد منه البلاد لحماية أمنها، خاصة أن السودان تربطه حدود تمتد لعشرات الألاف من الكيلومترات، كما أنها تساعد على ضبط أمن البلاد خاصة في المناطق التي بها صراعات و خلافات بين القبائل المتعددة، و أيضا في تنظيم عملية مسارات الرعي في مناطق كردفان و دارفور حتى لا تصطدم بالمزارعين. و في الحد من نشاط الشفته في الحدود الشرقية مع أثيوبيا. كما هناك رغبة شعبية لفتح الحدود بين دولة جنوب السودان و السودان للتجارة و الزراعة و غيرها من المصالح التي تخص المواطنين، هي سوف تكون في حاجة لقوات متحركة باستمرار لكي تحفظ الأمن. و بالتالي تكون البلاد قد خرجت من تخوفات الصدام العسكري بين الجانبين.
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح بصورة جادة: هل السودان لديه نخبة سياسية متجردة و لها إرادة في عملية التحول الديمقراطي؟ أن التجربة السياسية بعد 11 إبريل 2019م أثبتت أن القوى السياسية جميعها دون فرز أعينها على السلطة فقط، و كل الشعارات التي تطرحها عن الديمقراطية هي مناورات تريد بها التغطية على مصالحها الذاتية و الحزبية، و حتى أنها فشلت أن تقدم أي أفكار من وحي تفكيرها للعملية السياسية. و حتى أفكار الآخرين لم تستطيع تنفيذها بالصورة المطلوبة بسبب هذه المصالح الضيقة. أن تكون العملية السياسية قصرا على القوى المدنية يجب عليها أن تقدم أفكارها و أيضا أن تفكر خارج الصندق. أن الأفكار التي في الصندوق الآن هي مرتبطة بالطموحات الشخصية و الحزبية، أفكار لا تقود إلا للصراع المستمر بين العسكريين و بين المدنيين و بينهم جميعا. فهل العقل السياسي قادر على التفكير الناضج أم الكل يجب أن يفكروا في مصالحهم و تصبح ذكرى السودان تاريخية فقط. نسأل الله الهداية للكل و إصلاح البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء